بيمارستان الرقة (قصر البنات)

محمد العزو_

يتحدث” أبو المحاسن بن شداد” الذي عاش بين عامي/1145- 1234/م، عن وجود مدرستين واحدة “شافعية” والثانية “حنفية” إلى جانب “بيمارستان” و”خانقاه” وجميعها من بناء السلطان “نور الدين الشهيد بن محمود زنكي”، إلا أن ابن “شداد” لم يحدد فيما إذا كانت هذه المنشآت موجودة في “الرقة البيضاء” أم في “الرافقة”، التي أخذت فيما بعد اسم “الرقة” ودورها، لذلك “قصر البنات” هي تسمية حديثة يطلقها أهل “الرقة” الحاليون على هذه الأطلال، هذا وقد بحث الآثاريون والمؤرخون في مختلف المصادر التاريخية الحديثة والوسيطة والمتأخرة، فلم يعثروا على مثل ذلك الاسم، ومن هنا نقول: إن التسمية محلية وليس لها أساس تاريخي ووثائقي، كذلك لم يتم العثور في المصادر آنفة الذكر على أي إشارة أو ذكر لوجود قصر داخل أسوار “الرافقة”، ثم إن شكل أطلال المبنى الحالي لا تشير على أنه قصر، إذ أن مداخله صغيرة بعكس مداخل القصر الواسعة، والتي تحفّها من الجانبين أدراج واسعة وأبواب عملاقة وكذلك تقسيمات المبنى الحالي الداخلية لا تشير بأي شكل من الأشكال على أنه قصر، كما تجدر الإشارة إلى أن من قام بتنقيب وترميم القصر الراحل “قاسم طوير” أشار إلى أن أساسات القصر من جهة الشرق تستمر أسفل أساسات سور “الرافقة”، ما يجعلنا نعتقد أن “قصر البنات” في بنائه سابق لعهد بناء السور حتى أن “البيمارستانات” دائما تبنى في أطراف المدن، أما لماذا أهل “الرقة” يطلقون عليه اسم “قصر البنات”؟.

 هناك رواية رواها الطاعنون في السن من أهل “الرقة” الذين توفاهم الله، قالوا: إنهم سمعوا من آبائهم ومن أجدادهم أنه في فترة البناء والإعمار في “الرقة” عند بداية القرن العشرين الميلادي، قدمت عوائل فقيرة لم يكن لديها القدرة على بناء بيوت لسكنها، فقام المقتدرون من أهل “الرقة” بترميم الغرف ذات الأساسات الظاهرة في مبنى البيمارستان” المتهالك وأسكنوا فيها العوائل الفقيرة، في تلك الفترة كان عدد بيوت بلدة “الرقة” لا تتجاوز الخمسين بيتاً جميعها متوضعة في الزاوية الجنوبية الغربية مكان حارة “الأكراد” و”العجيلي” في يومنا هذا، كان أهل “الرقة” يستعملون مفردات شعبية ما زالت مستعملة إلى يومنا هذا مثل كلمة “سلق” ونلفظها “سلج” أي سلق الطعام بالماء، دون إضافة الدهن إليه، والسلق نبات ينبت في فصل الربيع، ومثله الخباز، ونبات القليس و”الجنيبرة” فيسمونه أهل “الرقة” “سلاك” الكاف يمنية مخففة، وفي العادة عند أهل “الرقة” البنات هن اللواتي كنّ النون مشددة، يذهبن في فصل الربيع لقطف هذه النباتات، ويطلق عليهن “السلاكات”، ولما أن المسافة بين بيوت بلدة “الرقة” الناشئة وبين بقايا أطلال بقايا “بيمارستان الرقة” تقدر بكيلو متر واحد، كانت بنات “الرقة” يذهبن إلى تلك الأطلال ويختلطن مع بنات العوائل الفقيرة ويلعبن بين بقايا الأطلال الأثرية، ومع مرور الأيام، كانت الجارة إذا سألت جارتها الرقاوية، أين البنات ترد الجارة وتقول “راحن يحوشن السلاك” في “قصر البنات”. لفظة يتداولها أهل “الرقة”، ورسخت في ذاكرتهم غنه في تلك البقعة الشمالية الشرقية من أرض مدينة “الرقة” يوجد قصر اسمه “قصر البنات” والله أعلم.