قامشلو/ دعاء يوسف-
نتيجة ما يمر به النازحون من مناطق سورية مختلفة، تعترضهم مشاكل اقتصادية في تأمين حاجات العيش الأساسية، ما يدفعهم إلى إيجاد فرص عمل تعينهم في تحمل أعباء هذا الواقع، ومن ذلك نازحة من دير الزور، تتحدى ظروف النزوح، في محاولة إيجاد عمل مناسب لها، فعملت على حياكة حقائب صوفية للفئة الشابة، إضافة لأعمال يدوية، موجهة بذلك رسالة لكل امرأة: أن تكون قوية في مواجهة تغيرات الحياة، ولتكن صانعة المستقبل.
عندما تعمل المرأة تكتشف ذاتها، وتصقل مواهبها لتبرهن للعالم أنها قادرة على التكيف، والتغلب على أصعب المشاكل التي قد تمر بها، فتسير في طريقها نحو أول خطوة للنجاح.
وكان من بين هؤلاء النساء، اللواتي اكتشفن قدراتهن عندما مررن بأصعب المشاكل، “غادة عبد القادر حميدي” امرأة بعمر يناهز الخمسين عاماً، نازحة من دير الزور، عشقت الأعمال اليدوية، فدرست الفنون النسوية، غير أنها لم تعمل بها بعد تخرجها عام 1990م، ومع الظروف التي مرت بها لجأت لما تعلمته فيما سبق؛ لتتخذ منها فرصة عمل لها، وطورت موهبتها لتضفي على حياكة الصوف التقليدية لمسة عصرية، رأت الحقائب الصوفية، التي تواجدت في الأسواق لتتعلمها من مواقع التواصل الاجتماعي، وتصنع منها مشروعها الخاص.
العمل أمان مادي وقيمة للإنسان
تلف الخيط واحد تلو والآخر، لتتشكل بين يديها أنواع وأشكال هندسية بديعة، تسر الناظرين، فمجموعة من الخيوط البسيطة تتحول بين أناملها لوحة فنية خلابة، امرأة كالعديد من النساء النازحات، لاحقت شغفها بالمهنة، ولم تستسلم لمشاكل الحياة، التي سعت لتدميرها، فبعزيمتها وبإصرارها حققت بصمتها الخاصة في مجال العمل.
فكان لصحيفتنا “روناهي” لقاء مع غادة التي بدأت العمل في الصوف، لتحسين وضعها الاقتصادي والمادي: “لمساعدة عائلتي وفي مشاركة مني في هذه الظروف الصعبة، التي مررنا بها، قررت العمل في الصوف، فأنا أم لخمسة طلاب، ومصاريفهم تزداد يوماً بعد يوم، ناهيك عن أجار المنازل الغالي، فلم أستطع ترك زوجي وحده، يحمل على كاهله كل هذه المصاريف والصعاب”.
وزادت غادة: “عندما كانت ترى ابنتي ولعي، وما أصنع، تشجعت على التعلم؛ لتساعدني بأعمالي وبأفكارها الشبابية، فاقترحت صنع الحقائب الصوفية للفتيات، وتعلمت الطريقة من الإنترنت، لأبدأ بأول حقيبة، ولم يكن الموضوع صعباً وقد لاقى استحسان الكثير”.
وأوضحت غادة أن: “الصناعة اليدوية تتميز بشكل كبير عن الصناعة الجاهزة، فيما يتعلق بالحقائب وغيرها من الأمور، فكل قطعة مشغولة يدوياً تتحدث عن شخصية السيدة، التي حاكتها، تماماً مثل لوحة مرسومة”.
وأشارت غادة إلى أن ابنتها تصنع الدمى، ومؤثرات للصفحات على شكل ألعاب صوفية، لمحبي القراءة، وتقوم باستخدام المخرز لذلك بينما هي تحب العمل بصنارتين.
صعوبات وتحديات
عمل الصوف يتطلب الوقت والجهد، ومع ارتفاع الأسعار، باتت خيطان الصوف بسعر غالٍ أيضاً، والكثير منها مفقود، وهذا قد يؤدي إلى قلة الراغبين بالأعمال اليدوية، فبيَّنت لنا غادة اختلاف أقبال الناس على الصوف: “في الكثير من الأحيان لا أجد خيط الكليم اللازم لصناعة الحقائب، وقد لا تتواجد جميع الألوان، ما يدفعني للبحث عن حلول بديلة”.
وتطرقت غادة إلى الوقت الذي تحتاجه لحياكة حقيبة: “للحقائب أحجام وألوان مختلفة، وكل واحدة تستغرق مدة تختلف عن الأخرى، وربما يأخذ صنع واحده منها ثلاثة أيام”.
ولم يحط من عزيمة غادة المشاكل والصعاب، التي واجهتها في حياتها: “لقد تعثرت كثيراً، وفشلت الكثير من مشاريعي في الحياة، غادرت منطقتي ومكاناً عشت وترعرعت فيه، بسبب الظروف، وبعد مواجهتي للدمار، وحرب بدأت بتأسيس حياة جديدة هنا في قامشلو، ولكني لم أستسلم أو أتوقف عند أول عثرة مرة في طريقي، بل تابعت التقدم والعمل ومشروعي في الحقائب لاقى نجاح باهراً ولاسيما عند الفئة الشابة”.
مشاريع ومعارض
شاركت غادة بثلاثة معارض: “شاركت بثلاثة معارض، وكان أول معرض لي بالمركز الثقافي فشاركت أنا وثمانية وأربعون امرأة أخرى بمساعدة من حملة (أنا أساعد) وأخر معرض كان في مهرجان فن وأدب المرأة”.
وأعمال غادة لم تقتصر على الصوف فقط: “مشاركتي بأول معرض دفعني إلى الأمام، والسعي للأفضل، ورؤية أعمال المشاركات شجعتني لتطوير أعمالي ومهاراتي، فلم أعمل بالحقائب فقط بل بالأعمال اليدوية، والتحف الفنية منزلية الصنع”.
إلا أن العمل في الصوف موسمي، وهذا ما دفع غادة للتجهيز لعمل آخر: “إني أعمل الآن في إعداد طعام المونة في فصل الشتاء، والتطوير من قدراتي في أعمال أخرى”.
واختتمت غادة حديثها بتشجيع النساء اللواتي يعشن ظروفاً مادية صعبة، على العمل، وعدم الاستسلام لنقطة معينة، فالحياة لا تنتهي عند السقوط: “جميع النساء قادرات على الاستمرار، وتحسين ظروفهن المعيشية، فالعمل يساعد المرأة في بناء ذاتها، وتقوية شخصيتها لتصبح قادرة على الوقف في وجه جميع التحديات، ففي داخل كل امرأة شخص مبدع قادر على العطاء وهذا ما اكتشفته بنفسي”.
