بالطرق اليدوية التقليدية… رفعة علي أربعون عاماً في صناعة الجبن البلدي

جل آغا/ أمل محمد ـ

مهنة يعبق بيتها برائحتها لتصبح جزءاً جميلاً من حياتها، رفعة المرأة الستينية التي تصنع الجبن منذ أربعين عاماً ما زالت تمارس مهنتها بشغفٍ ولا تريد نسيان علم توارثته من أمها وجدتها.

 يعتمد الكثير من أهالي شمال وشرق سوريا على شراء الجبن أو تصنيعه في فصل الربيع، وخاصةً الجبن البلدي كون هذا الفصل هو الأمثل لصناعة هذه المادة الغذائية المُحببة من قبل الجميع، والتي تعد أساس بيت المؤونة في مختلف المناطق، واستعداداً لتموين الجبن فإنَّ أول خطوة عليك القيام بها هي إيجاد شخص ذي خبرة كافية يفقه في هذه الصناعة، التي تحتاج إلى أشخاص ذوي خبرة وفيرة، فلا يمكن لشخص عادي أن يحترفها، وكثيراً ما تجد النساء لديهنَّ الخبرة والقدرة على صناعة الجبن البلدي وذلك بالفطرة وخاصةً في الأرياف.

موسم صناعة الجبن

في ناحية جل آغا التابعة لمقاطعة قامشلو، والتي تعد ناحية ريفية تعتمد على الزراعة وتربية الماشية تقطن السيدة الستينية رفعة علي، والتي تعد من قدامى صنّاع الجبن البلدي معتمدةً على الحليب الذي تحصل عليه من البقرة الوحيدة التي تمتلكها، وللحديث أكثر عن عملها هذا قامت صحيفتنا “روناهي” بزيارة رفعة في منزلها، وبدأت حديثها بالقول: “تعلمت صناعة الجبن منذ ريعان الشباب، ورثت خطوات تصنيعه من والدتي التي ورثته هي الأخرى من جدتي، ومنذ ذاك الوقت وأنا أعمل في هذه المهنة، يبدأ موسم صناعة الجبن منذ مع بداية الربيع ويستمر لحوالي ثلاثة أشهر”.

أربعون عاماً مع الشغف ذاته

وزادت: “أكثر من أربعين عاماً وأنا أصنع الجبن وأبيعه، لا أبيع ما أصنعه في الأسواق بل يأتي الزبائن إلى المنزل ويطلبون عدد الكيلوات الراغبين بالحصول عليها، أحياناً كثيرة أرفض العمل للعديد من الأشخاص وذلك بسبب ضغط العمل وأحياناً لقلة الحليب المتوفر لدي، عملي يعتمد بشكل رئيسي على البقرة الموجودة عندي، كميات الجبن المصنوعة تتوقف على كميات الحليب التي تدرها عليَّ هذه البقرة”.

صعوبات العمل ومصدر الرزق

وعن صعوبة هذا العمل حدثتنا رفعة: “يحتاج هذا العمل إلى الجهد والصبر، لأن العمل خلال هذين الشهرين يعادل العمل عن سنة كاملة، يكثر الطلب والضغط، أقتات على هذا العمل لذا يتوجب عليَّ الصبر، العمل شاق ولكنه ممتع أيضاً”، وتقول ممازحةً: “تفوح من المنزل رائحة الجبن وهذا لا يروق لأفراد العائلة، والذين يطلبون مني التوقف عن العمل مرات عديدة تفادياً للأزمات الصحية التي قد تنتج على خلفية هذا العمل، ولكن هذا عملي وأعتز به وهو جزء من تراثنا”.

تأثّر صناعة الجبن بالأزمة الاقتصادية

وعن غلاء سعر الجبن أضافت رفعة: “مقارنةً بالسنوات السابقة فإنَّ سعر الجبن قد ارتفع كثيراً، وهذا يعود إلى ارتفاع أسعار الحليب، ومع ذلك فلا يمكن لأحد الاستغناء عن الجبن، سعر العشر كيلوات اليوم يعادل مئة ألف، الكثير يشتكي القلة ولكن ما عسانا أن نفعل، البقرة التي أصنع من خيراتها الجبن تحتاج للكثير من الرعاية والأعلاف على مدار السنة، وهذا مُكلف وبالطبع تُؤثر هذه التكلفة على أسعار الجبن”.

اتخذت رفعة زاوية من زوايا فناء منزلها مكاناً للعمل، فيه توقد النار بالاعتماد على العيدان الخشبية التي تقوم بتجميعها خصيصاً لهذه الصناعة وزادت: “لا أعتمد على الغاز بل على العيدان الخشبية التي تعطي نتيجة أسرع وغير مُكلفة، مرت سنوات عديدة في هذا العمل ولكن الأمر لم يدفعني للملل أو الضجر”.

لكل شخص ذوق في الجبن، ولكل زبون طلب خاص منهم من يريده مبستراً والآخر يفضله بكامل دسمه هذا ما بيّنته رفعة من خلال قولها: “لكل زبون ذوق خاص به وعليَّ تلبية كافة الأذواق، أصنع أكثر من 600 كيلو في كل موسم، كنت في السابق أصنع بشكلٍ أكبر، ولكن الوضع الصحي الذي أمر به نتيجة تقدمي في السن، وقلة مردود الحليب الأمر قلَّ من عملي، أعمل حسب قدرتي وإمكانياتي”.

مأكولات تُراثية تقليدية

ولا يتوقف الأمر على صناعة الجبن بالنسبة لرفعة إلى أنها أيضاً تمتلك المهارة في صناعة “جبنة بالثوم” أو كما تسمى لدى الكرد بالسيرك أو جاجيك، هي وجبة تُصنع من الجبن والثوم واللبنة وتقول رفعة: “نشتهر نحن الكرد بالسيرك وهي وجبة شعبية صحيّة طيبة المذاق، أصنعها هي الأخرى ويكثر عليها الطلب في فصل الربيع الذي يكثر فيه الثوم الأخضر، وكما أصنع اللبنة وأبيعها، هذه الأطعمة من جبن وسيرك واللبنة من ثقافتنا القديمة التي ورثناها وتناقلتها الأجيال”.

ومن جهتها حدثتنا كوثر محمد أمين إحدى زبائن رفعة بقولها: “في كل عام تصنع لنا رفعة الجبن، هناك الكثير من النساء في المنطقة يصنعنَّ الجبن، ولكن تتميز رفعة بذوقها الرفيع في هذا الصناعة، للجبن التي تصنعه نكهة خاصة وفريدة، كما أنها تشتهر بنظافتها خلال عملها، بالإضافة إلى أنَّ مصدر الجبن الذي تقوم بصنعه معروف على غرار الجبن الذي يُباع بالأسواق”.

والجدير بالذكر أنَّ الجبن طعام قديم يُقال أنَّ جذوره تسبق التاريخ، ولا يُعرف إلى الآن موطن نشأته الأصلي سواء في أوروبا أو آسيا وحتى في الشرق المتوسط.