انتفاضة الثاني عشر من آذار.. وبذرة المقاومة المستمرة في قلب كل كردي

رفيق إبراهيم _

في الثاني عشر من آذار 2004، تفتحت زهور الانتفاضة الآذارية المجيدة، وقال الشعب الكردي للنظام البعثي الغاشم لا، لا للعبودية والظلم، لا للممارسات العنصرية بحقنا، لا للقوانين الجائرة بحق أبنائنا، لا للحرمان من الحقوق المدنية والمواطنة الحرة، لا ولا ولا، نعم للحرية والحقوق المشروعة والعيش بكرامة، فكانت انتفاضة الكرد في قامشلو في وجه النظام البعثي المستبد.

النظام البعثي حاول غير مرة طمس حقيقة حياة الشعب الكردي، ويحق له ما يحق لغيره من الشعوب الأخرى، وله الحق في تقرير مصيره بنفسه، ومباراة كرة القدم بين فريقي الجهاد من قامشلو، وفريق الفتوّة القادم من دير الزور، كان الطعم الذي من خلاله حاولوا إثارة الفتنة بين الشعبين العربي والكردي، وترديد الشعارات العنصرية، والهتاف بحياة صدام حسين، وشتم القادة والرموز الكردية، لم يكن من قبيل الصدفة، بل كان مخططاً لضرب الشعب الكردي، وإبادته، وإجباره على النزوح القسري من مناطقه، في محاولة لتطبيق البند الثاني من قانون الحزام العربي الجائر، بعد ان نفذ البند الأول بنزع الأراضي من الكرد، وتوطين الغرباء في مناطقهم حيث تم توزيع أراضي المزارعين الكرد عليهم، وكان عليهم تنفيذ البند الثاني، وهو الضغط على الكرد لتركهم بيوتهم وأراضيهم وإفراغ المنطقة من سكانها الأصليين.

يوم المباراة كان كل شيء يدل على أن هناك شيء ما سيحدث، بدءاً من الصباح، وحتى الوصول إلى الملعب حيث تم تفتيش جمهور الجهاد فرداً فرداً، وترك جمهور الفريق الآخر بالدخول دون أي تفتيش، الأمر الذي أثارَ الفضول والتساؤل، وترك عدة إشارات استفهام، وكان مثار الدهشة والقلق، وكانت الأجواء مشحونة وغير طبيعية، هتافات جماهير الفتوة كانت استفزازية ومهينة وعنصرية، وعلى ما يبدو أن خيوط المؤامرة كانت محبوكة بدقة.

وعندما بدأ جمهور الفتوة برشق الحجارة على جماهير الجهاد، تدخلت قوات الأمن، وهاجمت مشجعي نادي الجهاد، بدلا من الوقوف على الحياد، وقامت بضربهم بالهراوات والعصي، ولكن الأوضاع تفاقمت ليتم إطلاق النار الحي على الجماهير المحتشدة بالملعب، ما أدى إلى سقوط أربعة شهداء في البداية، وعدد الجرحى تجاوز العشرات.

ورداً على كل ما حدث ولتشييع جثامين الشهداء الطاهرة، خرجت قامشلو عن بكرة أبيها في يوم مهيب، وعند انطلاق موكب التشييع، بدأت قوات النظام السوري الهجوم بالرصاص الحي، ومع ذلك لم يتوقف الموكب والهتافات المنددة لم تهدأ، وكانت النتيجة استشهاد ما يقارب الأربعين كردياً، في سبيل الحرّية والكرامة وحقوقهم المغتصبة، لتكتمل خيوط المؤامرة بمجزرة تضيف للمجازر الكثيرة، التي ارتكبت بحق الكرد، فكما كانت ديرسم، وآكري وحلبجة، أراد البعثيين الشوفينيين إطفاء نور الحقيقة الساطعة، ووأد الانتفاضة، وبأقسى الأساليب القمعية.

الانتفاضة الكردية لم تقتصر على قامشلو فقط، بل عمت جميع المدن، والقرى الكردية شرقاً وغرباً جنوباً وشمالاً، حتى وصلت شرارتها العاصمة دمشق، لتهز أركان القصر الجمهوري، رافضةً المخطط الذي حاولوا من خلاله بث الفتنة بين الكرد والعرب، ولكن الشعب الكردي كان أوعى من أن ينجر وراء تلك الألاعيب القذرة.

انتفاضة آذار وضعت حجر الأساس لثورة روج آفا، وأفشلت تلك المخططات، التي كانت تحاول نشر الفوضى وخلق الفتن بين أبناء الوطن الواحد، وبنت أواصر المحبة والسلام والديمقراطية في شمال وشرق سوريا.