الوطن الأزرق التركي مشروع تركيا الاستعماري

غاندي إسكندر_

 في الثاني من شهر أيلول عام2019، ظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في صورة تجسد علانية الأطماع التركية مع خريطة تسمى (الوطن الأزرق)، تصور ما يقرب من نصف بحر إيجة والبحر الأسود، وبحر مرمرة، وقسما يصل إلى الساحل الشرقي لجزيرة كريت، ظهرت هذه الخريطة أثناء مراسم أداء اليمين الرسمية في جامعة الدفاع الوطني التركية في إسطنبول، حيث أوضحت منطقة تحمل علامة (الوطن الأزرق لتركيا) تمتد إلى وسط بحر إيجة، بما في ذلك الجزر اليونانية في البحر الأبيض المتوسط، ويعد هذا المصطلح، والترويج له بمثابة مسعى جديد للسياسة التوسعية التركية للسيطرة على الموارد المائية، والجرف القاري، ولاسيما موارد الغاز، وسط تجاهل مقصود للحدود البحرية للمياه الإقليمية للدول المجاورة لها، لاسيما اليونان، وجمهورية قبرص.

حكاية الوطن الأزرق، وظهور المصطلح

كان ضابط البحرية المتقاعد (تشيم جوردينيك) قد أشرف بين عامي 2009 و2011على وضع السياسة البحرية لتركيا، وهو أول من وضع نظرية (الوطن الأزرق)، ونشرها عبر المقالات، التي كتبها لصالح الجريدة التركية (إيدنليك) ووفقا لتلك النظرية، فإن تركيا تمتلك 462ألف كيلومتر من العمق البحري في مياه شرق المتوسط، وبحر إيجة، والبحر الأسود وكان جوردينيك يدعو في كل مرة يشرح فيها نظريته بضرورة استعادة الوطن الأزرق، إن لم يكن بالدبلوماسية والتفاوض مع دول الجوار، فبالقوة العسكرية، وتعد خريطة (الميثاق الملّي) التي تقتطع فيها تركيا أجزاء كبيرة من سوريا والعراق وأرمينيا، وجورجيا واليونان وبلغاريا، هي الأصل الذي استند عليه تشيم جوردينيك عند رسمه خارطة الوطن الأزرق، وقد أقام جوردينيك نظريته على أساس الطرح القومي نفسه (للميثاق الملي) الذي ينظر إليه الأتراك بمثابة وثيقة ترسم الحدود الجديدة لتركيا، حيث ينظرون  إلى معاهدة لوزان، وما وقع بعدها من اتفاقيات على مدار النصف الأول من القرن العشرين، باعتبارها مؤامرات حرمت تركيا من حقها في بحر إيجة، وشرق المتوسط لصالح خصمتها اللدودة (اليونان).

أهداف توسعية تنتمي إلى إرث الماضي الآفل

في تموز من العام 2019 كشفت وحدة الاتصال بالرئاسة التركية، رسميا عن خريطة الوطن الأزرق، والتي تظهر طموحات تركيا المستقبلية في مجالات متنوعة مثل الطاقة، والبحرية، والجغرافية السياسية، والاقتصادية والتاريخ، وفي تشرين الأول نهاية عام 2019كتب حساب الجيش التركي على تطبيق (تويتر) عن هذه الاستراتيجية قائلاً “نحن فخورن بأن نرفع راياتنا التركية المجيدة في جميع بحارنا، نقر بأننا على استعداد لحماية كل مساحة من وطننا الأزرق”، حيث مثلت تلك الخريطة انقلابا على الأوضاع التاريخية، التي أرستها معاهدة (لوزان) وقال أردوغان في كلمة له تفصح عن نواياه التوسعية وعنجهيته المعهودة:  “الدفاع عن الوطن الأزرق، لا يقل أهمية اليوم عن الدفاع عن وطننا، مثلما مزقنا معاهدة (سيفر) قبل قرن، لن نرضخ لاتفاقية مشابهة، يسعى لفرضها علينا الشرق المتوسط”،  وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار “لن نسمح لأي مبادرة تستهدف حقوقنا في الوطن الأزرق”، فهذا المفهوم المتمثل بالوطن الأزرق ما كان ليرى النور، ويخرج إلى العلن إلا من خلال التركيبة الدكتاتورية، والتفرد الشخصي، والنزعة القومية، التي ينتمي إليها أردوغان، ومن على شاكلته، ولو على حساب سيادة الدول كاليونان وقبرص، ونشرت وزارة الخارجية اليونانية على موقعها في (الإنترنت) ست عشرة خريطة، تتهم فيها محاولات تركيا لتغيير الوضع الراهن للحدود البحرية، وانتهاك القانون الدولي في منطقتي (بحر إيجة وشرق البحر الأبيض المتوسط)، والأمر الذي لا يدعو إلى الشك أن رؤية حكومة أردوغان والحركة القومية، والأوراسيين الأتراك، فيما يتعلق بانتهاك الحدود البحرية اليونانية والقبرصية تتجاوز مسألة التنقيب عن الطاقة، بقدر ما هي مرتبطة بإرث إحياء الأمجاد الزائفة، لما سمي بالسلطنة العثمانية والرغبة في فرض الهيمنة التركية على كل دول الجوار، الذين يشتركون معها بحدود برية وبحرية، وما الاتفاقية التي تجاهلت الجروف القارية للجزر اليونانية والقبرصية، والقسم الشرقي لجزيرة كريت، والتي أبرمتها حكومة حزب العدالة والتنمية مع حكومة الوفاق الليبية غير الشرعية عام 2019، و التي كان يترأسها فايز السراج  لإنشاء ورسم حدود بحرية مشتركة بينهما، إلا لترسيخ عقيدة الهيمنة، والاستعمار، التي يؤمن بها أردوغان منذ استلام حزبه للسلطة.