الشهباء/ جودي سيبان ـ
عملت دولة الاحتلالُ التركيّ على استغلال ظروف الأزمة السوريّة لإنجاز مشروعها التوسعيّ الاحتلاليّ وشنت هجمات عدوانية عدة احتلت خلالها عدداً من المدنِ والبلدات شمال سوريا، وهي مستمرةٌ في العدوانِ على الأراضي السوريّة كما يريد رأس الفاشية التركيّة “أردوغان”، بهدفِ احتلالِ المناطق التي لم يحتلها على طول الشريط الحدوديّ، تطبيقاً للميثاقِ “المليّ” وإحياءً العثمانيّة البائدة.
شنّ جيش الاحتلال التركيّ برفقةِ الجماعاتِ المرتزقة من السوريين والأجانب، في الفترة الممتدة بين عامي 2016 و2019، هجمات عدوانية ضد الشعب السوري، لم تجلب سوى القتل والدمار وتشريد الآلاف من السوريين، وإحداث أكبر عملية تغيير ديمغرافيّ شهدتها سوريا، بعد (الحزام العربي) 1974، والذي امتد بطول 300 كم وعرض 10-15 كم، من الحدود العراقيّة شرقاً إلى سري كانيه غرباً.
في مقولة شهيرة لجندي بلغاريّ يقول (المكان الذي يمر به الجنود العثمانيين لا ينبت فيه العشب)، ويقول العرب (إنّ العثمانيين أبقونا في المنام لـ 400 عام) ويقول الكاتب الفرنسي فيكتور هوغو (من هنا مرّ الأتراك فأصبح كلّ شيء خراباً يباباً).
تجريد المناطق المحتلة من هويتها الوطنيّة
في 24/11/2009، قال أحمد داوود أوغلو وكان المنظّر الأول لحزب العدالة والتنمية “ميراث العثمانيين آل إلينا، إنهم يطلقون علينا (العثمانيون الجدد)، نعم نحن كذلك”، ولم يتوقف مسؤولو الحكومة التركيّة عن التصريحات التي تمجّد العثمانيّة، على أنها المرحلة التي جسّدت وحدة الأمة الإسلاميّة، ليكون ذلك قناة الاستقطابِ لمشروع الإسلام السياسيّ في البلاد العربيّ وتمكينه من الوصول للسلطة، وفي سوريا تمكنت مبكراً من نزع الهوية الوطنيّة عن المعارضة السوريّة لتتحول إلى أداة تتحكم بها في سياق مشروع “الأمة” الذي روّجت له.
كان لافتاً جداً التاريخ الذي بدأت فيه أنقرة تدخّلها المباشر في الأراضي السوريّة واحتلال مدينة جرابلس خلال ساعات قليلة ودون معارك، في 24 آب 2016، فمن حيث الرمزيّة التاريخيّة، توافق التاريخُ مع موقعة مرج دابق 24/8/15016، وهي أول معركة خاضها العثمانيون بقيادة سليم الأول، وكانت بداية المشروع الاحتلاليّ العثمانيّ ويعتبرها الأتراك نصراً، ومن جهة ثانية جاءت بعد أقل من أسبوعين من تحرير مدينة منبج من إرهاب “داعش”، وكذلك بعد زيارة الرئيس التركيّ إلى روسيا في زيارة تصالحيّة في 9/8/2016 فكانت المحطة الخارجيّة الأولى بعد محاولة الانقلاب 15/7/2016، وبذلك تم وصل المناطق الممتدة بين جرابلس وإعزاز، بعد تسلمها من مرتزقة داعش، وبذلك تمَّ الفصلُ الجغرافيّ بين مناطق شمال سوريا، واُستكمل المشروع الاحتلالي المسمّى “درع الفرات” باحتلال مدينة الباب في 23 شباط 2017.
حوّل جيش الاحتلال التركي المناطق التي احتلها في سوريا إلى مناطق مجردة من هويتها الوطنيّة والأصليّة، من حيث التغيير الديمغرافيّ وفرض اللغة التركيّة في المدارس وإجبار المدنيين على التعامل بالعملة التركيّة في الأسواق، ورفع العلم التركي وصور الرئيس التركيّ رجب طيب أردوغان فوق المؤسسات والأماكن العامة.
ما أسفر عنه عدوان الاحتلال التركي على عفرين
وفي 20 كانون الثاني 2018، شنَّ جيش الاحتلال التركيّ وأكثر من 25 ألف من المرتزقة السوريين والأجانب، بينهم عناصر كانوا سابقاً ضمن مرتزقة “داعش”، العدوان على مقاطعة عفرين، بعد الحصول على ضوء أخضر من روسيا، وتم احتلالها في 18 آذار 2018، بعد معارك استمرت 58 يوماً، دُمّرت خلالها البنى التحتيّة واُستهدفت المنازل واُرتكبتِ أفظع المجازر بحق المدنيين، وهُجّر بالنتيجة أكثر من 350 ألف مواطن.
وبحسب منظمة حقوق الإنسان عفرين ـ سوريا خلال رصدها عمّا أسفر عنه العدوان التركي على مقاطعة عفرين خلال أكثر من أربع سنوات، فإنّ إحصائيات عمليات الاختطاف التي طالت المدنيين وتم توثيقها بلغت 8 آلاف 376 مواطن، وقُتل أكثر من 670 مواطن منهم 500 قتلوا خلال أيام العدوان على المنطقة، و93 قُتلوا تحت التعذيبِ على يد جيش الاحتلال التركيّ ومرتزقته، وأكثر من 95 طفلاً و86 امرأة، منهم سبع حالات انتحار نتيجة التضييق من قبلِ الاحتلال ومرتزقته، وبيّنت المنظمة، أن حالاتِ الاعتداء الجنسيّ بحقِّ النساء في عفرين المحتلة التي تم توثيقها بلغت 71 حالة.
أما بالنسبة لقطع الأشجار وإضرام النيران في الأراضي الزراعيّة، قالت المنظمة إنَّ الاحتلال التركيّ ومرتزقته قطعوا أكثر من 34 ألف شجرة زيتون معمّرة، وتم إحراق مساحات كبيرة من الغابات الحراجيّة تضم أكثر من 12 ألف شجرة مثمرة وحراجيّة.
وذكرتِ المنظمةُ أنَّ أكثر من 59 موقعاً وتلاً أثريّاً وأكثر من 28 مزاراً دينيّاً لمختلف المذاهب والأديان تعرضوا لعمليات وتدمير وسرقة، بالإضافة لبناء أكثر من 20 تجمعاً استيطانيّاً لإسكان عوائل المرتزقة فيها. بتمويل من الجمعيات الإخوانيّة القطريّة والكويتيّة وكذلك الجمعيات الفلسطينيّة التي تعمل بوتيرة متسارعة بتشجيع من تركيا. وتمَّ توطين نحو 500 ألف من المستقدمين من باقي المناطق السوريين، واليوم لا تتجاوز نسبة الكرد في عفرين المحتلة 25%، بعدما كانت تتجاوز 95% من السكان الأصليين.
عواقب العدوان التركيّ على منطقتي سري كانيه وكري سبي