اللقاء الأمريكي الروسي… تفاهمات صغيرة حيال سوريا

إعداد/ صلاح إيبو-

---

لم يمضِ يوم واحد على القمة المنعقدة بين رئيسي الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية، حتى بات المواطن السوري العادي والسياسي على حد سواء متيقناً أن الملف السوري الساخن محلياً، لا يلفت انتباه الدولة الفاعلة في المنطقة إلا على القليل منه، إذ خلا الملف السوري من النقاشات الأساسية وكان الخبر الوحيد هو محاولة واشنطن إعادة فتح الممرات الإنسانية، وبعض التسريبات غير المؤكدة عن مناقشة التواجد العسكري للبلدين في البلاد.

وتوقع العديد من المتابعين السوريين والمحللين أن يحظى الملف السوري الشائك مساحة واسعة من الحديث والحوار الدائر بين الجانبين، إلا أن المؤتمر الصحفي لكلي الرئيسيين لم يتطرق للأمر بشيء، إلا أنه ثمة بارقة أمل تلوح في الأفق حول توافق بعض الرؤى بين روسيا وأمريكا على أصعدة عدة وبالتالي تقريب الفجوة بين البلدين بحيث لا يكون هناك مساحة للقفز على الحبال بالنسبة لدول أخرى كتركيا.

فاللقاء الأمريكي التركي، هو الآخر لم يكن بحجم توقعات الجانب التركي الذي حاول قبيل القمة التي عقدت على هامش اجتماعات حلف الشمال الأطلسي، تأجيج الحقد الأمريكي على الكرد عبر استغلال خبر قصف مشفى عفرين واتهام قوات سوريا الديمقراطية، الحليف الرئيسي للتحالف الدولي في شمال سوريا، بها.

البيان الختامي للحلف الأطلسي (الناتو) أشار إلى التزام أعضاء الحلف وحث روسيا على العمل لتطبيق القرارات الأممية المتعلقة بسوريا وعلى رأسها القرار 1254، القاضي بضرورة التغيير السياسي في سوريا.

الحوار سيستمر

واتفق الرئيسان على “إطلاق حوار شامل عمار قريب”، وجاء ذلك في البيان المشترك بين موسكو وواشنطن، أن “حواراً ثنائياً شاملاً سيجري إطلاقه حول الاستقرار الاستراتيجي، في مسعى إلى خفض التوتر بين البلدين”.

وقال الرئيس الأميركي، جو بايدن، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتن، في البيان، إنهما يلاحظان أن موسكو وواشنطن قادرتان على إحراز تقدم في تنفيذ الأهداف المشتركة، والتوتر لا يمنع البلدين من ضمان القدرة على التنبؤ في المجال الاستراتيجي، والحد من مخاطر النزاعات المسلحة وخطر الحرب النووية.

تفاهمات صغيرة

صحيفة “الشرق الأوسط” نقلت عن “مصدر دبلوماسي غربي” أن القمة بين بايدن وبوتين، أسفرت عن “تفاهمات صغيرة” ضمن خطوات تمهد للحل في سوريا واحتواء الوجود الإيراني لاحقاً، ورأى الدبلوماسي أن قمة جنيف تعطي “الضوء الأخضر لاستمرار الحوار الأمريكي الروسي” لبحث قضايا مهمة بين الجانبين، ومنها “الترتيبات العسكرية لعدم التصادم في شمال شرق سوريا – محاربة المتطرفين في الشرق والبادية – دفع موسكو لدمشق وتشجيع واشنطن للإدارة الذاتية على الحوار مجدداً”.

وأضاف الدبلوماسي الغربي، أنه على موسكو إقناع دمشق للإجابة عن “أسئلة منظمة حظر السلاح الكيماوي” بموجب اتفاق سابق بين موسكو وواشنطن حول اتفاق 2013، مقابل استعادة دمشق لامتيازاتها في المنطقة، وتوفير أرضية للعمل على تمديد العمل بالقرار الدولي الخاص باستمرار إرسال المساعدات الإنسانية إلى البلاد، والذي ينتهي في الـ11 من الشهر المقبل.

المساعدات الأممية

وانضوى الاجتماع بين “بايدن وبوتين” على ضرورة توسيع إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود لمناطق سورية غير خاضعة لحكومة دمشق، والتي روجت لها أمريكا قبيل انعقاد القمة أيضاً. إلا أن واشنطن لم تحصل على التزام روسي بشأن استمرار أو توسيع عمليات إرسال المساعدات الإنسانية إلى سوريا التي ترعاها الأمم المتحدة، وذلك وفق مسؤول أمريكي.

وبحسب ما نقلته وكالة “رويترز” للأنباء عن المسؤول الأمريكي التي لم تذكر اسمه، “لا يوجد التزام، لكننا أوضحنا أن هذا له أهمية كبيرة بالنسبة لنا، كي يكون هناك أي تعاون آخر بشأن سوريا”، وأشار المسؤول إلى أن المحادثات بين الزعيمين كانت “مباشرة وبناءة وغير جدلية وواقعية”.

وسبق أن دعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مجلس الأمن، إلى توسيع واستمرار إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا.

هذا ومن المقرر أن يعقد بعد نحو شهر في الأمم المتحدة اجتماعاً لتحديد ما إذا كان سيتم توسيع الممر الإنساني في سوريا أم لا.

وتبنى مجلس الأمن الدولي في 11 تموز/ يوليو 2020 قراراً يقضي بتمديد آلية تقديم المساعدات عبر الحدود عبر الممر الوحيد إلى سوريا لمدة عام، وامتنعت روسيا والصين عن التصويت.

وبناء على ذاك القرار، تم إغلاق معبر تل كوجر الواصل بين الأراضي العراقية ومناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا أمام المساعدات الإنسانية المقدمة من الأمم المتحدة، الأمر الذي عززت من سلطت حكومة دمشق على تسيس المساعدات بدعم روسي.

فالقمة الثنائية هذه لم تفضِ إلى نتائج مرجوة للسوريين، وكأن الملف السوري مرحل إلى أن تحل الدولتان العظميان خلافتهما وتكسبان المزيد من الوقت لتريب العالم والأحلاف مجدداً.

“بارقة آمل”

التصريحات الثنائية أكدت أن الجو السائد في القمة كان “إيجابياً” وجرى خلالها مناقشة ملفات عدة هي مسار خلاف قائم بين الدولتين، وأكد المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، كريستيان جيمس لـقناة “الشرق” العراقية، أن الرئيس الأميركي جو بايدن حقق الأهداف التي كان يريدها خلال لقائه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في جنيف.

وأضاف أن بايدن “حقق خلال القمة الأهداف التي حددها مسبقاً، من خلال إجراء حوار مباشر وصريح مع نظيره الروسي”، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن إجراء المؤتمر الصحافي بشكل منفصل عن الرئيس بوتين “كان اختيار بايدن”.

وقال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين خلال مؤتمر صحفي أعقب اللقاء “أنه ليست لديه أوهام عقب قمته مع نظيره الأمريكي، جو بايدن، لكن هناك بارقة أمل ببناء الثقة المتبادلة ويمكن الاتفاق حول كل القضايا التي تم بحثها”.

تحسين العلاقات

ولفت المتحدث باسم الخارجية الأميركية، إلى أن “بايدن يريد أن يحسن العلاقات الثنائية مع روسيا، بعد أن تدهورت إلى أدنى مستوياتها خلال السنوات الماضية”.

لكنه أقر بصعوبة تحقق ذلك، قائلاً: “نحن واقعيين، ونعرف أن الأمر يحتاج الكثير من العمل ولكن من المؤكد هناك مجالات يمكن التعاون فيها، وهذا ما نحاول القيام به الآن، ثم سنرى ما سيحدث في المستقبل”.

وتابع: “على رأس المجالات التي يمكن التعاون فيها، هناك السيطرة على الأسلحة النووية من خلال تمديد معاهدة ستارت. هذه خطوة إيجابية ومهمة جداً. والتعاون في مجال الأمن السيبراني مع روسيا”.

وانتهت الأربعاء، القمة الأميركية الروسية بمدينة جنيف السويسرية بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وسط توترات بين واشنطن وموسكو. وكانت الهجمات الإلكترونية والتدخل في الانتخابات الأميركية أبرز موضوعات القمة.

وقال بوتين عقب القمة، في مؤتمر صحافي، إنه اتفق مع بايدن على عودة السفراء، فيما أشار بايدن في مؤتمر منفصل إلى الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة من الخبراء للتعاون في مجال الأمن السيبراني وعلى إطلاق حوار استراتيجي لتحقيق الاستقرار الاستراتيجي.