الشهيد معصوم قورقماز “عكيد”… صرخة ثائر

روناهي/ قامشلو – لا يمكننا النظر إلى قفزة الخامس عشر من آب التي قام بها القائد البطل معصوم قورقماز “عكيد” على أنها قفزة عسكرية فقط، بل إنها ترجمة حقيقة للكثير من الآمال المؤجلة التي كان لا بد منها لإنهاء غطرسة نظام فاشي متسلط مستبد، فكانت رصاصته الأولى انطلاقة لثورة امتدت لعقود ولم تزل، وأصبح “عكيد” صوت كل ثائر وعاشق للحرية حتى بعد استشهاده.

معصوم قورقماز “عكيد” من مواليد 1956 بلدة سيلفان التابعة لولاية آمد، حيث انتقلت عائلته واستقرت في مدينة إيلح بباطمان وفيها قضى طفولته، عرف عكيد بروحة المتمردة على الظلم والاستبداد، كثيراً ما كان يردد ويقول في صغره “عندما سأكبر سأكون ثائراً وأقاتل الطغاة والمستبدين”، وكان دائماً يحتفظ بصور ثوار وقادة عالميين أمثال تشي غيفارا وغيره، وكان مثال الشاب الطموح المثابر. وفي أيام الدراسة كان دائم النقاش حول كرديته والكرد وحقيقة الكرد، لذلك كثيراً ما تصادم مع أقرانه، وكانت التصادمات والشجارات نتيجة حتمية لذلك، وزاده ذلك إصراراً على رفض الواقع والتمسك بالروح الثورية.

في “باطمان” وفي مدينته “إيلح” قام عكيد الشاب بجمع العديد من الشباب للمشاركة في مظاهرة عمالية، وفي مظاهرة لاحقة كانت عيون الأمن التركي تلاحقه فاعتقل وهو معصوب العينين واختطف من قبل الأمن التركي، ثم أطلق سراحه لاحقاً.

تعرف “عكيد” على مظلوم دوغان في السبعينات ومن خلاله تعرف على حزب العمال الكردستاني، وكانت باكور بمختلف مناطقها تشهد قيام حركة ثورية شبابية رافضة للسياسة التركية الشوفينية، إضافة لتحركات مماثلة من اليسار التركي، ومن باطمان بدأ “عكيد” تحركه ونشاطه السياسي والثوري وبكل حماسة واندفاع وروح نضالية.

 حيث كانت تشهد باكور كردستان نشوء حركات شبابية ثورية منفصلة عن اليسار التركي وذات صبغة قومية كردستانية, ومن هناك، من باطمان، شارك الشهيد عكيد في النشاطات الثورية.

بعد الانقلاب العسكري في تركيا عام 1980 وفي الثاني عشر من أيلول، لجأ معصوم قورقماز “عكيد” إلى لبنان مع الكثير من رفاقه من أعضاء حزب العمال الكردستاني، وخلال سنة هناك تلقى مع رفاقه التدريبات العسكرية القتالية والأيديولوجية.

 قفزة 15 آب إعلان الكفاح المسلح

بعد عقد المؤتمر الثاني لحزب العمال الكردستاني في آب 1982 تم اتخاذ القرار بالعودة إلى باكور ومواصلة النضال في الداخل، والعمل على التحضيرات للبدء بالكفاح المسلح الذي كان لا بد من اللجوء إليه في ظل الاستبداد التركي وإصراره على محو أي وجود لحركة التحرر الكردستانية، وأعلن عن قيام الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني، تحت اسم قوات تحرير كردستان (HRK) وبتاريخ 15 آب 1984 بدأ الحزب حربه التحريرية ضد الدولة التركية بقيادة معصوم قورقماز “عكيد” وبدأ تاريخ جديد للكفاح المسلح ضد النظام العسكري القمعي التركي.

كانت الشخصية القوية للقائد “عكيد” الذي أصبح قدوة للمناضلين الثوار وانتخب عضواً في اللجنة المركزية لحزب العمال الكردستاني، كفيلة بتأسيس وإنشاء الوحدات الطليعية الثورية في العديد من مناطق كردستان. وانتخب عضواً في الهيئة الرئاسية المركزية لقوات تحرير كردستان (HRK)، وحمل على عاتقه مهمة قيادة فصيله الكفاح المسلح في 14 تموز لأول وحدة من وحدات HRK المكلفة بالقيام ببدء حملة 15 آب. وكانت العملية في منطقة “أروه”.

كانت آخر كلمات القائد الثوري معصوم قورقماز “عكيد” قبل بدء العملية: “لا يجوز لأحد الخروج عن نطاق المخطط دون إذن، ولا يجوز ترك الخنادق مهما كانت الأسباب، يجب أن تكون النيران مصيبة وقاتلة، لا يجوز أن يتم استهلاك الطلقات في مكانها غير المناسب، على الرفاق أن يتجنبوا توجيه البنادق إلى الرفيق الذي أمامهم، على الجميع إبداء يقظة خاصة لتجنب إصابة أي مدني، يمنع النهب، وعلى الجميع التقيد بالنظام الدفاعي لعملية الانسحاب”.

المتأمل لهذه التعليمات قد يراها بديهية اليوم، وكان المقاتلون وهم طلبة جامعيون في الأساس، يسمعونها لأول مرة، فهي العملية الأولى، وكان القائد عكيد يردد هذه الكلمات لأول مرة، وهي تجربة أولى للقتال بالأسلحة وكل الذخيرة هي 180 طلقة كما يجب أن تكون العملية ناجحة.

يشبّه الكثيرون تلك الانطلاقة وكأنك تحفر بئراً برأس إبرة، فمسألة أن تشن حملة شاملة بـ 180 طلقة وتحول طلبة جامعيين إلى مقاتلين ومقاومين ثوريين أشداء ليس بالأمر الهين، وأن تنظم شعباً ينكر نفسه ليصبح شعباً محارباً لأجل الحرية كان بمثابة معجزة، هي الروح التي أطلقت النار على الروح الكردية الرجعية وقتلت مفهوم التمرد الكردي التقليدي الرجعي الذي يثور يوماً ثم ينكسر ويعيش مئات السنين دون أمل، هي الروح الواثقة بالذات والمعتمدة عليها، هي الروح التي قررت نجاح العملية قبل أن تبدأ، هي العملية التي استمرت وتستمر والتي جعلت من عكيد شخصاً يحمل صفات: منظّم، منضبط، حيوي ونشيط، مبدأي، كادح ومتواضع، مثالاً للروح الثورية المقاومة، صارماً في وجه التشتت والضياع. انضم معصوم قورقماز “عكيد” إلى قافلة الشهداء الخالدين في 28 آذار عام 1986.