الدلّة.. رمزية المعنى وأصالة التراث

الحسكة/ آية محمد –

---

للدلال النحاسية القديمة مكانة خاصة راقية في نفوس أهل الكرم والضيافة، فهي عنوان لهم، ومازالت لها المكانة ذاتها عند المهتمين بالعادات، والتقاليد وكذلك عند المهتمين بالتراث.

لا تقل شهرة أدوات تصنيع القهوة، وأساليب تقديمها، عن قيمة إعداد القهوة، وتقديمها، لأنها تُعد المشروب الأكثر شهرة في العالم. إذ يتفنن الناس في أشكال وأنواع هذه الأدوات، من دلال وفناجين، حتى أصبحت رمزاً في بعض الأحيان، خاصة في الدول العربية، لأنها تعد تجسيداً لكرم الضيافة العربية الأصيلة.

عرفت صناعة الدلال التقليدية والسيوف والخناجر، عند العرب، منذ عصور ما قبل الإسلام. وذلك لما لها من مكانة عندهم، إذ اشتهروا بكرم الضيافة، وحسن الاستقبال فكانت الدلّة ولا تزال، الوسيلة الوحيدة لصب القهوة التي لا بد أن يشربها كل ضيف، لدرجة أن رفض شرب القهوة في المجالس العربية، ووضع الفنجان على الأرض، تعبير عن طلب غالٍ من صاحب المجلس، فلا بد من أن ينفذه، فيأمر صاحب المجلس الضيف بشرب الفنجان وسينال طلبه.

ورغم طغيان تقاليد الحياة العصرية على الناس، إلا أنهم لايزالون يحتفظون بتقاليد معينة، من التقاليد الكثيرة، التي عرفت عند تقديم القهوة، كما بقوا يتفننون بشكل وأنواع الدلال والفناجين، ويعكسون هذا بمهارتهم المتنوعة.

معنى الدلّة في اللغة

تتكون كلمة دلّة من حروف عربية هي “د، ل، ة”، إلا أن كلمة دلّة لم تكن موجودة في معاجم اللغة العربية القديمة، فمن أين أتت إذاَ؟

يذهب الكثيرون إلى أن كلمة الدلّة ربما تكون مشتقة من الدلو، الذي يسحب به الماء، وقد كانت كلمة “ركوة”، هي التي تطلق قديماَ على الإناء المعدني، الذي تصنع فيه القهوة، بينما كان أهل دمشق يسمون إناء القهوة “الدلوة ” كما جاء في المعجم.

ولكن سبق الشاميون أهل شبه الجزيرة العربية في صناعة الدلال، فعرفت الدلّة باسمها الحالي، وهذا يعني أن أصل كلمة دلّة هي دلوة، ثم تحولت “الواو” إلى “لام” لتنطق بعد ذلك اللام مشددة، وأصبحت الدلّة كما ننطقها اليوم.

أنواع دلال القهوة المختومة بختم الدلّال

وتوجد للدلّة (وجمعها دلال) أنواع مختلفة، وهي أحياناً، تضطر بعض المضيفين لاستحضارها من بلدان بعيدة وبأسعار باهظة، فهي التي تصنع من النحاس الأصفر، أو الأحمر، وتطلى (ترب) من الداخل، وعادة ما تصنع من الفضة أو البرونز أو النحاس، أو من المواد الثلاث مجتمعة، بأشكال عديدة.

تتميز بفمها الهلالي المتدلي من جسمها كمنقار طير، وبجسمها الأسطواني الشكل، وبرأسها المستدير على شكل قمع. وأنواع الدلال كثيرة، فمنها الحساوية، والعمانية، والقرشية، والبغدادية، أما أقدمها وأثمنها وأجودها، فهي الرسلانية. ويوضع اسم كل نوع من أنواع الدلال على مكان صنعها، باستثناء الرسلانية، التي تنسب لأسرة رسلان في الشام.

رسلان هو رجل سوري وحسب الرواية، جاء رجل بدوي من بادية الشام، وجعل دلة له عند رجل أمانة، والأمانة لها شأن كبير، قال له هذه أمانة عندك، وأنا ذاهب إلى الحج شهراً ونصف الشهر ذهابا، والعودة مثلها أيضاً، فرآها هذا الشخص المؤتمن، وأخذ يصنع ويعمل مثلها فكرر عمله مرتين وفي الثالثة نجح، بأن يصنع مثل هذه الدلة، لكن صنعته لهذه الدلة صارت أفضل من تلك، التي أخذ منها الشكل والهيئة، ثم صارت لها شهرة رسلان، وإن كان هناك دلال أفضل منها بعمل القهوة، لكن رسلان بالشكل والهيئة أجمل حينما تكون على أوجار محاذية للنار تعطي رونق وجمال هيئة، وشكل يجذب النظر.

ـ دلّة رسلان: دلّة نادرة وذات جودة عالية وغالية الثمن؛ سميت بهذا الاسم نسبة إلى رسلان الأب فهو من ابتكر هذا النوع من الدلال، وأجاد في إنتاجها.

اشتهرت بلونها الأصفر الكامل (مصنوعة من النحاس الأصفر النقي) وجمال شكلها وانسيابها، كما يميزها ختم (عمل رسلان) على أحد جنباتها. وقد عاش رسلان في سوريا وتوفي عام 1930م. واستمر إنتاج الدلال الرسلان بعد ذلك بواسطة أبنائه إبراهيم ومحمود، وقد تميز إبراهيم عن الأخرين بجودة الإنتاج المشابه لحد كبير إنتاج والده.

ـ دلّة إبراهيم: وتجد على دلال إبراهيم ختم إبراهيم رسلان، ولا زالت تباع في المزادات ويصل سعرها إلى آلاف الدولارات.

ـ دلّة مزعل: وعن تاريخ الدلّة بمدينة دير الزور فقد تميز في صناعتها “مزعل النحاس” ويعود تاريخ صناعة دلال “مزعل” لعام 1808 م، الذي لمع اسمه في عالم المهن والحرف اليدوية حيث مارس مهنة صناعة الدلال في دير الزور ويقال، إنه كان صائغ ذهب بالأصل، وأخذ إنتاجه شكلاً مستقلاً ومختلفاً، تميز عن الدلال المعروفة، حيث أنه يقوم بقص قطعة واحدة من النحاس، ويعمل على طرقها بحرفية عالية، إلى أن تلف شيئاً فشيئاً وتأخذ شكل الدلّة المعروف.

وتعدُّ “دلّة مزعل” من أندر وأغلى دلال القهوة العربية، وعلى دلته نقش على شكل ختم مكتوب عليها “عمل مزعل”. ويعتمد في تصنيع الدلال على النحاس الأحمر حصراً، وهو من أجود أنواع النحاس، ويمنحه في الوقت ذاته مرونة في العمل.

أنواع الدلال التي تصنع فيها القهوة

كانت القهوة قديماً رفيقة العرب الدائمة، التي لا تفارق مجالسهم، وحتى عند خروجهم للصيد أو الرحلات، فقد كانت القهوة هي خير رفيق للطريق، وكان تجهيزها يتم على أكثر من مرحلة، الأولى يتم فيها إضافة البن إلى الماء المغلي، ثم يتم تركها لتغلي، وبعد أن تصل إلى مرحلة الفوران يتم إضافة البهارات مثل، الهيل والزعفران، ثم تسكب في دلّة التقديم، لذا فقد تم تخصيص دلة لكل مرحلة منها، وذلك على النحو التالي:

المطباخة أو القمة: وهي التي توضع فوق الجمر، ويوضع بها الماء الساخن، وهي تكون أكبر دلّة في المجموعة كلها، وتتميز بثقلها حتى يمكنها طبخ القهوة جيداً، وتحمل حرارة الجمر لفترة طويلة من الزمن.

المصفاة: وهي دلّة متوسطة الحجم يتم فيها تلقيم القهوة بعد نقل جزء من الماء الساخن إليها.

المبهارة: وهي التي يتم من خلالها إضافة البهارات إلى القهوة، حيث يتم وضع الهيل والزعفران في قاعها ثم إضافة القهوة إليها، وهي أخف في الوزن من الدلة المطباخة.

المزلة: وهي الدلة، التي يتم تقديم القهوة بها للضيوف، وتتميز بصغر حجمها، وخفة وزنها وشكلها الأنيق.

أسماء أجزاء الدلّة

تتكون الدلّة باختلاف أشكالها من:(قاع الدلّة، الجرن، المصب، القرط، العقرب، عكور الدلّة، اللهاج).

والجدير ذكره: يعود تاريخ صناعة دلال “مزعل” إلى ما يقرب من 200 عاما، وقد شاركت هذه الدلال في العديد من المهرجانات المحلية، والعالمية نذكر منها: مهرجان “دبي” و”البادية”، ومعرض “دمشق” الدولي، كما اقتنتها العديد من الشخصيات الهامة، ويوجد طقم مؤلف من ست دلال معروضة في مكان مميز بمعرض “اللوفر” في “فرنسا”.