السّدو….تراث وحرفة عريقة

جمعة الحيدر –

---

معروف إن الفن الشعبي بكافة أشكاله هو تعبير عن احتياجات إنسانيّة، وعندما يكسب الإنسان أدواته وحاجياته طابعاً مميزاً إنما يعبّر عن خبرة فنيّة وقدرة إبداعيّة، ونحن في مجتمعنا الحديث تنقصنا القدرة على الإنتاج والإبداع  …. فلنحاول إذن أن نتعمق في ماضينا كي نستلهم من التراث أصالة الرؤيا.

تعتبر حرفة النسيج أو حياكة الصوف “السدو” من أقدم الحرف التقليديّة المنتشرة بين سكان البادية، ومع كل ما توحي به من بساطة إلا أنها تعكس مقدرة ومهارة فنيّة عالية، وقد ارتبطت حرفة الغزل منذ نشأتها ببيئتها الصحراويّة، فالمادة الأولى وهي الصوف تأتي من الأغنام أو الجمال.

وقد استعملت الأصباغ فكانت أيضاً مستخرجة من الأعشاب الصحراويّة المحيطة، والزخارف أيضاً تتوافق من خلال تكوينها الفني مع واقع البيئة الصحراويّة.

وكما قلنا فإن عمليّة الحياكة أو النسيج تُعرف (بالسَّدو)، كما تطلق هذه التسمية على آلة الحياكة نفسها، وعملية الحياكة هذه تشمل صناعة المنسوجات الصوفيّة المختلفة كالمفروشات والسجاد وبيوت الشعر وصناعة العباءات الرجاليّة، وباستثناء صناعة “العباءات- العبي” تكاد تكون هذه الحرفة مقتصرة على النساء.

مراحل حياكة الصوف:

– جز الصوف: وتتم هذه العمليّة في فصل الربيع حيث يكون الطقس معتدلاً وحتى لا تتأثر الحيوانات بحرارة الصيف الشديد أو ببرودة الشتاء، ويقوم الرجال بعمليّة جز الصوف من الخراف والنعاج والجمال مستخدمين في ذلك أدوات بدائيّة مثل المقص  أو “الزو”، وتسمى كمية الصوف المأخوذة من خروف واحد (الجّزة) وحياكة سجادة واحدة مثلاً تحتاج إلى عشرين (جزة) ثم يتم بعد ذلك تصنيف وتجميع الصوف حسب ألوانه، أما شعر الماعز فقد كان يستخدم لحياكة بيوت الشعر لمتانته الخاصة .

– غزل الصوف: تتم هذه العمليّة عادة على مدار السنة، وتقوم النساء بهذه العمليّة مستخدمات في ذلك أدوات الغزل وهي : ( التغزالة : وهي عبارة عن عصا يلف عليها الصوف غير المغزول . المغزل: “ويسمى الدوكة في بعض المناطق” ويصنع من الخشب ويتكون من عصا ينتهي أحد طرفيها بخشبتين طول الواحدة خمسة سم متعامدتين وفي وسطهما خطاف برم الصوف الملفوف حول التغزالة وتحويله إلى خيوط يطلق عليها “المبرم” ثم تجمع هذه الخيوط على شكل كرات يطلق عليها “دِرْجِة”).

ـ تلوين الصوف: ويطلق عليه اسم (الوشيع) وتتوافر مادة التلوين عند العطّار (الحوّاج) حيث يتم تلوين الصوف الأبيض فقط، وذلك لاستخدامه في تزيين النسيج .

ـ الحياكة: أو السدو وهي عبارة عن خيوط ممتدة فوق الأرض تربط بأربعة أوتاد على شكل مستطيل، ثم (المدرة) وهي قطعة خشبيّة تستعمل لتشبيك خيوط الصوف على السدو و(المنشزة) وهي قطعة خشبيّة مستطيلة الشكل ذات طرفين حادين وتستعمل لرصف الخيوط على السدو بعد تشبيكها.

أما أهم ما يحاك من الصوف فهو:

اولاً: بيت الشعر: وهو مسكن أهل البادية، ويُنقل معهم حيث يرحلون طلباً للماء والمرعى وهو يتكون من :

  الفلجان : وهو الجزء الذي يغطي بيت الشعر من أعلى ويكون بمثابة السقف ويصنع عادة من الصوف الأسود أو شعر الماعز.

الذرة : تلف حول البيت ويتصل طرفيها بالفلجان ويُثبّت طرفها الآخر بالأرض حيث يكون بمثابة الجدار الفاصل بين البيت الداخلي والصحراء من الخارج. وتتألف من أجزاء وهي : “الأسود” مصنوع من الصوف الأسود وفي وسطه خط أبيض بنقشة الضليعة وعادة يستعمل في صنعه صوف الخِراف الصغار للونه الأسود الفاحم . “والغدير” وهو مصنوع من الغزل الأبيض، وفي وسطه خط أبيض وأسود بنقشة الضليعة أيضاً. ” والملحة ” وهي مصنوعة من غزل بني اللون”.

ـ القاطع أو الرواق أو الغرارة: يستخدم كقواطع داخل البيت لتقسيمه إلى عدة أماكن وهو يتكون من ثلاثة أجزاء كما هو بالنسبة “للذرة ” .

2 – العدول ومفردها “العِدل”: وعي عبارة عن أكياس كبيرة لحفظ القمح والبرغل والطحين والمواد الأخرى التي تتعلق بالمونة .

3 – المزواد ومفردها “المزودة “: وهي عبارة عن أكياس أصغر حجماً من العدول وأكبر من “الخروج ” وتستخدم لحفظ الملابس وتسمى الخياطة الموجودة في أعلى فتحة الكيس “بالظراس”

4 – السفايف ومفردها سفيفة: وهي عبارة عن خيوط محاكة بطريقة جميلة وبألوان زاهية لتزيين الجمال والخيل وتكون بعرض 3سم تقريباً.

5 – المساند ومفردها “مسند”: وهي بمثابة تكية حيث يستند إليها الجالسون في الديوانيّة وتسمى الخياطة الموجودة على أطراف المسند “بالخشام” .

6 – الزوالي ومفردها” زوليّة “: وهي السجادة ذات الصوف الكثيف، ويستخدم هذا الاصطلاح في شبه الجزيرة العربيّة فيطلق عليها أسم القطايف ومفردها قطيفة .

7 – المفرشة أو البذ ومفرده “بساط “: ويعنى  بها المفارش التي تستخدم في فرش الديوانيّة وتصنع عادة من الخيوط المبرومة .

8 – العُقل ومفردها “عقال”: وهي عبارة عن خيوط تبرم باليد مكونة العقال وتستخدم في ربط الجمال والخراف والماعز

9ـ  الشفا: وهي قطعة من “السدو” من نوع المفرشة المصنوعة من لون واحد وعلى أطرافها نقشة ( الضليعة ) بلون مختلف وهي تفرش على الجمل للزينة.

والجدير ذكره بأنه هناك أنواع للنقشات والرسوم عند البدو تعكس طبيعة البيئة الصحراويّة وتخضع لمبادئ الثقافة الاسلاميّة التي تحظر التصوير، وهذا ما يعلل تباعد فن الحياكة عند البدو إجمالاً عن تصوير الأشخاص واتجاههم نحو الزخرفة الخطية والهندسيّة المستوحاة من الطبيعة وتعتمد المنسوجات البدوية على أنواع النقوش التالية :

-جنح حنبليّة: سميت بهذا الاسم نسبة إلى امرأة كانت تدعى بهذا الاسم وهي التي كانت تنسج هذا النوع من النقشات وتكون عادة من ثلاثة ألوان هي الأبيض والأحمر والأخضر، وتكون على شكل مثلثات، وتحاك عادة على المساند والسجاد، وهي من ثقافة بادية الجزيرة العربيّة.

-شنف حنبليّة: وهي تستخدم في تزيين أطراف الخرج وعمل السفايف، وتحاك هذه النقشة في أطراف المساند والمفارش وقواطع بيت الشعر والسفايف .

-الضليع أو الضلع : وهي عبارة عن خطين متوازيين، تختلف ألوانهما عن لون أرضيّة القماش، وتحاك هذه النقشة على المساند والمفارش ويقال إنها أبسط نقشة.

-حباب: خيوط محاكة من الصوف الأبيض محببة الشكل وتحاك هذه النقشة في أطراف المساند والمفارش وقواطع بيت الشعر والسفايف .

-عويرجان:  يشتهر بدو شبه الجزيرة العربيّة بهذه النقشة، وعادة ما تكون باللونين الأحمر والأبيض وعلى شكل مثلثات متداخلة.

-شجرة: وهي تمثل عموداّ من النقوش التي تحاك في أكثر الأحيان في وسط (السجاد) أو القاطع المزخرف، وفي بعض الأحيان في القطع المزخزف وفي بعض القطع النسيجيّة الأخرى مثل المساند أو المفارش أو الخروج، وتكون الخلفيّة في هذه النقشة عادة بيضاء تتخللها رسوم محاكة بالخيط الأسود.

-المذخر: يصنع من الوشيع الأحمر والأبيض والأخضر والأزرق وعلى الأطراف تستعمل نقشة العويرجان .

هذا غيض من فيض من ثقافة وفن متأصل كما الكرم ونبل الأخلاق وإغاثة الملهوف في الثقافة العربية عامة والبدوية بخاصة، ولابد من تهيئة الدوافع والتشجيع لاستمرار هذه الحرف والعمل على تطويرها والمحافظة على المهارات المرتبطة بها لحمايتها من الاندثار، ونشر الوعي الفني والحس الجمالي من خلال التعريف بهذه الفنون التقليديّة التي رغم بساطتها تُعبّر عن ذكاء وخبرة جماليّة فطريّة.