السوريون في دمشق بين ماضي الحرب وحاضر السلم

روناهي/ الدرباسية ـ تفاقم الأزمات في العاصمة دمشق يعكس صورة الحقيقة هناك، بعيداً عن العمليات التجميلية المزيفة والحقائق الضائعة، فالسوريون في دمشق يعيشون أوضاعاً صعبة جداً.

بعد سنوات من انحسار الأعمال العسكرية في العاصمة السورية دمشق ومحيطها، بدأت تتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية كاشفة زيف الادعاءات التي كانت تربط سوء الأحوال الاقتصادية للشعب بالأعمال العسكرية الدائرة في البلاد. ومع انتهاء الأعمال القتالية في تلك المنطقة لم يترافق معه – كما هو مفترض – تحسن في الأحوال المعيشية، على العكس من ذلك فقد أخذت الهوة الطبقية بين الأغنياء والفقراء تزداد يوماً بعد يوم.

الطبقتان المخملية والمسحوقة

فعلى سبيل المثال، تقوم إحدى نساء الطبقة المخملية، قبل فترة قصيرة، بشراء ثلاث سيارات بلغت قيمتها مليار وستمئة مليون ليرة سورية، وذلك في صالة الجلاء الرياضية الواقعة في منطقة مزة أوتوستراد، من خلال جلسة للمزاد العلني، في حين أن السكان على بعد مئات الأمتار من المكان المذكور، وتحديداً في منطقة مزة 86، يعانون حالة معيشية أقل ما يمكن القول عنها بأنها وصلت مستوى المجاعة بكل ما للكلمة من معنى، على أثر الارتفاع الجنوني للأسعار والمستوى المتدني للرواتب، فأصبح سعر ربطة الخبز ذات السبعة أرغفة يتراوح بين 1000-1200 ليرة سورية خارج الفرن، نظراً لصعوبة تأمينها من الأفران بسعرها الرسمي والذي يبلغ 100 ل.س، كما أن سعر علبة الزيت النباتي سعة 1 لتر أخذ يقارب الـ 5000 ل.س، بينما بلغ سعر كيلو غرام الواحد للسكر حدود الـ 3000 ل.س، وقس على هذا المنوال.

في حين لا يزال متوسط الرواتب الذي يتقاضاه موظفو النظام لا يتعدى الـ 60 ألف ليرة سورية، أي أن راتب الموظف بات يعادل 12 لتر من الزيت النباتي، أو في أحسن الأحوال بات يعادل 20 كغ من السكر.

العقوبات ومافيات الفساد

إن الشماعة الوحيدة التي بات النظام يعلق عليها سبب هذا التدني في مستوى المعيشية للمواطن هو الحصار والعقوبات المفروضة، وتحديداً قانون قيصر الذي فُرض مؤخراً، ولكن واقع الحال يقول العكس. فعندما تحقق شركة الهواتف الذكية آبل أعلى مستوى من المبيعات في دمشق، وعندما تُشترى ثلاث سيارات من قبل شخص واحد بقيمة تجاوزت المليار ليرة سورية، وغيرها من النعم التي تعيش فيها فئة صغيرة، هذه النعم تثبت بأن العقوبات تعمل على مبدأ (الخيار والفقوس)، فتفقر من تشاء وترفع من تشاء.

 كما أن تمركز الثروة في يد قلة قليلة لا تتجاوز نسبتها الـ 10% من الشعب، وهي عملياً القوى المهيمنة في النظام وحاشيتهِ، تثبت بأن هذه العقوبات أتت تحديداً لتتيح الفرصة أمام هؤلاء لتكديس المزيد من الأموال على حساب الشعب، الأمر الذي بات يتطلب أكثر من أي وقتٍ مضى تغييراً جذرياً شاملاً لبينة النظام السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تغييراً يعيد توزيع الثروة توزيعاً عادلاً لصالح المنهوبين الذي باتوا يشكلون السواد الأعظم من الشعب، على حساب الناهبين الذين يمكن أن يُعدّوا على أصابع اليد.

عقوبات خارجية وقرارات داخلية

بات واضحاً بشكل جلي مستوى الترابط العميق بين العقوبات المفروضة خارجياً وبين قوى الفساد الكبير المسيطرة على كافة مفاصل النظام، حيث كان آخر قرار (لمواجهة) التدهور الاقتصادي الحاصل هو قرار (تعديل) – كما أراد أولوا الأمر أن يسموه – لسعر المحروقات، فقد تم رفع سعر مادة البنزين أوكتان 95 إلى 2000 ل.س للتر الواحد، وارتفع سعر البنزين العادي إلى 750 ل.س للتر، الأمر الذي انعكس سلباً على أجور النقل والمواصلات والتي تضاعفت بشكل خيالي.

في حين بلغ سعر إسطوانة الغاز المنزلي الرسمي 3000 ل.س، ولكنها تباع في السوق السوداء بحوالي 25 إلى 30 ألف ل.س نظراً لصعوبة تأمينها في السوق النظامية، والقائمة تطول.

حركة احتجاجية تطرق الأبواب

جميع المؤشرات الاقتصادية الاجتماعية في مناطق النظام توحي بقرب نشوب حركة شعبية في تلك المناطق، بسبب الواقع المزري للسكان هناك، ولكن يبقى السؤال حول مدى تحقيق هذه الحركة لمطالبها في ظل غياب قوى سياسية حقيقية تتبنى هذه المطالب وتكون حاملها السياسي.