الحكومة تمحو الخطوط الحمراء والشعب يرفع الراية البيضاء

حسام الدخيل_

---

لم يلحق الشعب السوري القابع في مناطق سيطرة حكومة دمشق، أن يفرح بالمرسوم الرئاسي القاضي برفع الأجور والرواتب للعاملين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين بنسبة 50 بالمائة، إلا ولحقها بشكل مباشر مرسوم آخر يرفع بموجبه سعر ربطة الخبز بنسبة مائة بالمائة.

ولازال الشعب السوري يتلقى المفاجآت من الحكومة، منذ بداية العام الجاري، فما إن يظهر أمل مأمول لحلحلة الأزمة السورية المستمرة على مدى اثنتي عشرة سنة، حتى يبدأ الظلام من جديد يخيم على حياتهم، فالمسرة يتبعها نبأ مخزن مباشرة كبير.

وكان قد أصدر رئيس حكومة دمشق بشار الأسد مرسومين تشريعيين، يقضيان بزيادة الرواتب والأجور المقطوعة للعاملين في القطاع العام، وللعسكريين، والمتقاعدين، بنسبة 50%، وذلك مساء يوم السادس من شباط الجاري.

ووفق المرسوم الرقم بسبعة، تُضاف نسبة 50% إلى الرواتب والأجور المقطوعة لكل من العاملين المدنيين والعسكريين في القطاع العام وكذلك في جهات القطاع المشترك، التي لا تقل نسبة مساهمة الدولة فيها عن 75% من رأسمالها.

ووفق المرسوم، رُفع الحد الأدنى العام للأجور والحد الأدنى لأجور المهن لعمال القطاع الخاص والتعاوني، والمشترك ليصبح بـ 278 ألفاً و910 ليرات، شهرياً.

ووفق المرسوم المرقم بثمانية، يُمنح أصحاب المعاشات التقاعدية من العسكريين والمدنيين المشمولين بقوانين التأمين والمعاشات والتأمينات الاجتماعية النافذة، زيادة قدرها 50% من المعاش التقاعدي.

لا مسرة للسوريين 

وعكست الحكومة مقولة “ما بعد الضيق إلا الفرج”، لتكون هناك مقولة خاصة بها “ما بعد الفرج إلا الضيق”، حيث لم تترك الحكومة للسوريين مجالاً للفرح بهذه الزيادة، وتزامن صدور المرسومين أعلاه، مع زيادة سعر الخبز المدعوم، وزيادة في أسعار المحروقات.

حيث أعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، التابعة لحكومة دمشق، رفع سعر مبيع ربطة الخبز (وزن 1100 غرام)، من 200 إلى 400 ليرة سورية.

ويخص هذا السعر المشمولين بالدعم، الذين يحصلون على مخصصات محددة، (ربطة واحدة لكل فرد كل يومين، و30 ربطة شهرياً للعائلة المكونة من ثلاثة أفراد)، باستخدام البطاقة الالكترونية (الذكية).

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد تم رفع سعر الأعلاف بنسبة 15 بالمائة، ورفع المازوت المخصص للأفران، بالإضافة إلى أن هناك تمهيداً لرفع سعر الكهرباء في الأيام القليلة القادمة.

كيف بررت الحكومة هذه القرارات؟ 

علّق وزير المالية التابع لحكومة دمشق، كنان ياغي، على مرسومَي زيادة الرواتب، ورفع سعر الخبز، مبيناً أن التكلفة المترتبة على الزيادة بلغت 2.5 ترليون ليرة، والتي سوف يتم صرفها على مدار العام، والتطبيق مع أول قبض للرواتب.

وأضاف ياغي في لقاء صحفي لصحيفة “الوطن” المقربة من الحكومة، تعليقاً على رفع سعر الخبز بنسبة 100 بالمائة من 200 ليرة للربطة إلى 400 ليرة، أن سعر الخبز الجديد لا يعادل سبعة بالمائة من إجمالي هذه الكتلة وبالتالي لا يوجد علاقة بين رفع أسعار الخبز وبين زيادة الرواتب.

بينما عدّت وزارة التجارة الداخلية التابعة لحكومة دمشق في منشور لها على صفحتها في فيسبوك، أن السعر الجديد للخبز ليس رفعاً لسعر الربطة بقدر ما هو مساهمة من المواطن في تحمل جزء بسيط من عبء التكلفة لضمان استدامة تدفق وتوفر هذه المادة الأساسية.

ووصفت الوزارة رفع سعر ربطة الخبز بنسبة 100 بالمائة من 200 ليرة إلى 400 ليرة، بأنه “تحريك بسيط” لسعر مبيع الخبز، أي بما يعادل خمسة بالمائة من التكلفة الإجمالية، التي قالت إنها وصلت لحدود الـ 7000 ليرة للربطة الواحدة.

ما سعت إليه الحكومة عبر تعليقاتها وتصريحات هو الظهور بمظهر المظلوم وصاحب الحق، والمضحي كالعادة، وإقناع الشعب بأنها تخسر دوماً على الرغم من رفع السعر، وتُبين أيضاً أنها تعمل من أجل حل المشاكل العالقة وخاصة الاجتماعية والاقتصادية

آراء السوريين على القرارات 

منذ اندلاع الأزمة السورية، وعلى كثرة القرارات “الليلية”، التي باتت الحكومة تصدرها وصل الشعب السوري لمرحلة “التمسحة”، حيث لم يعد يلقي بالاً لها، ما زال يتوقع الأسوأ من الحكومة الموقرة، وتناول السوريون جملة القرارات بشيء من الدعابة الممزوجة بالغصة، كعادتهم بعد كل قرار حكومي.

صفحة “حاجز مشترك”، على منصة فيسبوك، أرفقت تبرير وزارة الداخلية وحماية المستهلك التابعة لحكومة دمشق وعلقت عليها: “لا كتير تدقق أخي المواطن ولا تكون أبو نجيب أنت عم تساهم باستمرار دولاب الحياة والعيش المشترك والسلم الأهلي وعم ترفع الروح المعنوية لأخووك المواطن التاني”.

وتابعت: “وهلأ صار فيك تاكل خبز أنت مساهم فيه يعني أنت شريك معنا بالدولة الاشتراكية والك حصة ونسبة بتبقى بتاخدن بميزان حسناتك”.

وكتب المحلل الاقتصادي شادي صالح على صفحته الشخصية في “فيسبوك” معلّقاً على تبريرات وزارة التموين: “ليس رفع سعر وإنما مساهمة بسيطة.. لم يتم رفع سعر ربطة الخبز ولكن تم إجراء تحريك بسيط (زيادة بمقدار١٠٠٪)!!!”.

وأضاف: “بس بدي أعرف من وين بينتقوا هي العبارات”.

فيما قالت الباحثة الاقتصادية الدكتورة رشا سيروب، إن زيادة الرواتب والأجور الأخيرة تعتبر الزيادة الرابعة بعد عام 2020، حيث بلغت نسبة الزيادة ما مقداره 485% مقارنة بالعام 2020.

وأضافت رشا في منشور كتبته على صفحتها الشخصية في “فيسبوك” أن ما يهم ليس الراتب بل القوة الشرائية للراتب التي انخفضت بما يقارب الثلثين، بين عامي 2020 وشهر آذار 2024 (أول راتب سيحصل عليه الموظف بعد الزيادة)”.

ورأت رشا أنه إذا لم تترافق هذه الزيادة مع ضبط الأسعار التي ارتفعت بأكثر من 14 ضعفاً، فإن هذه الزيادة لن تكون سوى دخل إضافي لفئة صغيرة على حساب عموم المواطنين.

وختمت: “هذا حال العاملين، فما هو حال العاطلين عن العمل، ومن ليس لديه دخل؟!”.

فيما علق الصحفي بلال سليطين على المرسومين عبر منشور على فيسبوك: “رفع الرواتب بنسبة 50% والخبز بنسبة 100%، شي بيشهيك يتعامل راتبك معاملة ربطة الخبز”.

فيما علق شخص يسمى “أبو يوسف”: “زيادة خبز ومازوت ومحروقات، والله إذا تجي زيادة بنسبة 2000% ما رح توفي”.

وبهذه الزيادة تكون رفعت جميع الخطوط الحمراء التي كانت قد رسمتها الحكومة، والتي كان آخرها ربطة الخبز، ليصبح الآن كل شيء مشاعاً، وجاهزاً للرفع في الساعات المتأخرة من الليل، كما عودت الحكومة مفاجئة مواطنيها.