الجِمى .. ذَهبْ الصحراء وتُراث الآباء

تقرير/ معاوية محمد –

روناهي\الرقة: تختلف المسميات تبعاً للّهجات العربية بشكل عام، لكن في الرقة ودير الزور، يسمونه الأهالي بلهجتهم الجميلة “الجمى”  ويفرحون بهذا اللفظ ، وهي “الكمأة” باللغة العربية الفُصحى، ويعتبرها البعض خير الله إلى العباد، ونوع نادر من أنواع الفطر، ويعد غذاءً لا يستلزم زراعة أو تربية، بل كل ما يحتاجه هو الأمطار الرعدية على أرض زراعية فقيرة نوعاً ما، التي تكثر في مناطق شرق سورية، “البريّة” كما يحلو لأهالي الرقة تسميتها، وهم يقصدون بها بادية الرقة.

الجمى غذاء وخبرة وعناء

الأمطار الرعدية التي هطلت في الأشهر الماضية، ساهمت بموسم وفير هذا العام، لكن استخراجها يستلزم كما معروف الحفر على عمق شبر في الأرض والبحث عنها، وهناك من لديه الخبرة الكبيرة في إيجادها، مثل تتبع انشقاقات التربة وشم الأرض أيضاً ، وكان هناك في السابق أشخاص يمتهنون “حوش الجمى” وبيعه بالأسواق، حيث ليس من السهل إيجاده، وكان يدعى الشخص المحترف بذلك بـ “الجماي” ، وكانوا وهم يبحثون عنه يغنون المولية الفراتية، ويؤلفون أبيات خاصة للكمأة، أحداها تقول:

جماي و ماني جماي درب الجمى اندليتو        و الله هواي عذّب كل العمر داريتو

في الأعوام الماضية حُرم الأهالي من هذا الغذاء كون المعارك كانت محتدمة بين قوات سوريا الديمقراطية ومرتزقة داعش، وكان من الخطورة الذهاب إلى “البرية” وقضاء ساعات في البحث واستخراج “الجمى”.

للجمى مدلول وعمق في التراث الفراتي ومناطق البادية، وأهل المنطقة أدرى بعمليات البحث عنه وكذلك بإعداد أشهى الوجبات منه، والمرأة في البادية تتقن الطريقة المُثلى في إعداده وتنصح بعدم إضافة أي نوع من التوابل والبهارات إلى طبق الجمى حتى لا تؤثر على الطعم والنكهة الفريدة له، وأشهر طريقتين يقدم بهما هذا الغذاء الرائع، الأول “مقلوبة” مع قطع اللحمة الصغيرة مع الأرز، والصنف الثاني يطبخ مع اللحمة والسمن ويؤكل بـ “التغميس”.

الجمى غذاء ودواء عالمي

يُعرف الجمى عالمياً  وليس عربياً فقط ومن أبرز أنواعه الجمى الأبيض في أوروبا وتحضر منه وجبات عالمية في أرقى المطاعم وقد يصل سعر الكيلو غرام منه ثلاثة آلاف دولار، وتقام لهذه الأنواع أسواق ومعارض سنوية ولا يباع في المحلات العامة وينتج أغلبه فيساريون بإسبانيا التي يُطلق عليها عاصمة الكمأة البيضاء”.

يضاف إلى إن هذا النوع من الفطر مفيد جداً صحياً حيث توصل العلماء في الغرب أنه يحتوي على نسبة عالية من البروتينات وأملاح البوتاسيوم والصوديوم والمغنزيوم، ويعتقد القدامى في منطقتنا أن “الجمى” يساعد على الشفاء من أمراض عدة.

كثيرة هي السنوات التي كان “الجمى” يصل إلى سعر عالٍ جداً يتخطى سعر اللحم ذاته في الرقة، ويصعب على أغلب الأهالي متوسطي الدخل تناوله، لكنه بات هذه السنة في متناول الكثيرين وجادت السماء بمطر وفير وجادت الأرض بخيراتها، وعادت الحناجر تشكر السماء والأرض على خيراتها لتصاحب مواسم الفرح بالسلام والأمان.