تقرير/ محمد محمود –
مع دخول قرار تطبيق الحظر الكلي في بعض مدن إقليم الجزيرة ومن ضمنها قامشلو، وقرار الإدارة الذاتية تعليق دوام الجامعات والمدارس حيز التنفيذ؛ عادت جامعة روج آفا لعملية التدريس عن بعد للمرة الثانية خلال هذا العام، وتحاول اليوم تدارك بعض السلبيات الناجمة عن التدريس عن بعد (أونلاين) التي ظهرت خلال الفصل الدراسي الثاني للعام الدراسي المنصرم، لذا اتخذت الإجراءات اللازمة لاستمرار العملية التعليمية بالشكل الصحيح، لكن رغم ذلك تبقى السلبيات موجودة لضعف البنية التحتية اللازمة لمثل هذه العمليات وفق مختصون
يعتبر التعليم عن بعد من أساليب التدريس الحديثة، وتتبع بعض الجامعات العالمية هذا النمط من التعليم في الوقت الحالي، إلا أن البنية التحتية لمثل هذا التعليم ما تزال هشة في شمال وشرق سوريا، لذا يُعير نائب الرئاسة المشتركة لجامعة روج آفا “آرام حسن” الانتباه إلى ضرورة استعداد الطلبة والمدرسين على حد سواء لهذه المرحلة.
وتهدف جامعة روج آفا من هذه الخطوة إلى تلافي انقطاع الطلاب عن متابعة تعليمهم، ويقول حسن في هذا الصدد “لا يخفى على أحد أنه مهما اتخذنا من الإجراءات لتتم عملية التعليم عن بعد بالشكل الجيد فإنه لا بد من وجود نواقص، ولن يضاهي التعليم المباشر حتى في أحسن حالاته, وإن التعليم عبر الإنترنت هو أسلوب مختلف، ويتعين على جميع المدرسين وطلبة الجامعة أخذ هذا الشيء بعين الاعتبار وإجراء الاستعدادات اللازمة في الوقت المحدد”.
وبدأت الجامعة في طرح الدروس المصورة وفق نظام معين يتيح وصولها لكافة الطلبة، إلا أنه لم يتم تحديد مدة معينة لطريقة التعليم عن بعد، ويُشير حسن إلى تعليق دوام الجامعة تماشياً مع قرار الحظر الكلي إلا أن العودة لمتابعة الدوام مرتبط بالظروف العامة.
تفاعل حي
وستعمل الجامعة على استخدام نمط تعليمي يربط الطالب بالمدرس مباشرة بالقول “سنعمل على استخدام البرامج الحية ومقاطع الفيديو المسجلة وملفات الدروس في التعليم عبر الإنترنت وسيتم التقييم عبر الإنترنت عن طريق الدروس وتنفيذ الواجبات والوظائف التي يطلبها المدرس والاعتماد على الامتحان كطريقة للتقييم في نظام التعليم عن بعد إلى أن يتم تجاوز هذه المرحلة والظروف الطارئة”.
وتضم الجامعة بعض الفروع العلمية التي تتطلب طبيعة الدراسة فيها وجود مخابر ومواد عملية، وفي هذه الجزئية يؤكد آرام حسن أنهم أخذوا هذا في عين الاعتبار، لذا وجهوا المدرسين المشرفين على هذه المخابر بتسجيل الدروس العملية والتجارب في المخبر قبل الدرس وإعلام الطلاب بذلك، وتابع “هناك أيضًا أمثلة على الدروس داخل المخابر يمكن الاستعانة بها. يمكن للمدرس تنزيل هذه الدروس وإعطاء الدروس العملية عن طريقها. والطالب سيعمل على وظائفه العملية في المنزل ويرسل الصور أو مقاطع الفيديو إلى المدرس عبر الإنترنت”.
كما سيقوم المدرس أيضاً بالإبلاغ عن نتائج تقييم هذه النتاجات العملية للطلاب عبر الإنترنت، وفي الحالات الاضطرارية بإمكان المدرس استخدام البرامج الحية للتواصل المباشر مع الطلبة (كتقنية الزووم).
وجهزت إدارة الجامعة غرفة خاصة بالإنترنت في جميع المساكن الجامعية كي تتيح للطلبة تنزيل الفيديوهات والملفات المرسلة لهم من قبل المدرسين, إضافة لتجهيز ثلاثة مراكز في الجامعة وأخرى في كلية العلوم التربوية وفي المعهد الإداري والمالي كي يتسنى للمدرسين الذين لا يستطيعون تسجيل فيديوهاتهم في المنزل، تسجيلها في تلك المراكز وإرسالها للطلاب.
ونتيجة طول فترة الحظر المتمثلة بعشرة أيام وإمكانية تمديد فترة تعليق الدوام الجامعي، تركت إدارة الجامعة للطلاب حرية القرار بالعودة إلى مناطقهم، لذا عاد بعض طلاب كوباني والجزيرة إلى بيوتهم إلى حين انتهاء الحظر، أما بالنسبة لطلاب عفرين والشهباء فإنهم لازالوا مقيمين في المساكن الجامعية نظراً لبعد المسافة وصعوبة الطريق.
من جهة أخرى يرى سليمان محمود مدرس اللغة العربية في جامعة روج آفا أن التعليم عن بعد طريقةٌ حديثة للتعلم لا تعتمد على مكانٍ مُعين للدراسة ولا تُقيدك بكل ما تتطلبه الدراسة التقليدية، ويتم اللجوء للتعليم عن بعد عندما تكون هناك ظروف طارئة مثل الوضع الحالي الذي يعيشه العالم بسبب تفشي فيروس كورونا والذي أجبر المدارسَ والجامعات حول العالم على تطبيق التعليم عن بعد إلى حين زوال هذه الجائحة.
إيجابيات
وأفاد محمود أن التعليم عن بعد له سلبيات وإيجابيات عدة، قائلاً “ربما كان من إيجابيات التعليم عن بعد توفير الجهد والوقت على المتعلم والمعلم, ورفع المستوى الاجتماعي والثقافي والعلمي وتخفيف ضعف الإمكانيات في بعض الجامعات والمدارس إضافةً إلى إمكانية الدراسة والعمل في نفس الوقت بالنسبة لبعض الأشخاص، والذي تحفز الطالب بالاعتماد على نفسه بشكل كلي بعيداً عن الاتكال على غيره, كما يظهر مهارات التعلم الفردي، والمهارات الفردية لكل طالب؛ التي تتفاوت بالتأكيد بين طالب وآخر، لكن في الكثير من الأحيان قد يُعاني بعض الأشخاص من فكرة التعلم وسط مجموعة، لذلك فالتعلم عن بُعد قد يكون مُفيداً للبعض لإظهار مهاراتهم الفردية. كما أنه يُساعد على الاعتماد على النفس والبحث عن المعلومة من خلال مصادر مختلفة, لكن على الرغم من إيجابيات التعليم عن بعد إلا أن هناك بعض المعوقات في واقعنا الحالي، من غياب أمان المواقع الإلكترونية، ناهيك عن مصداقية المعلومات والبنية التحتية للتعليم عن بعد.
سلبيات أكثر
أما بالنسبة لسلبيات التعليم عن بعد فقد قال سليمان محمود “السلبيات تكمن في عدم وجود التفاعل بين الطلاب والمُعلم أو بين الطلاب فيما بينهم بالسؤال أو المناقشة العلمية التي تجعل من العملية التعليمية أعمق وأكثر تأثيراً, ولكن بالرغم من وجود التكنولوجيا الحديثة التي جعلت الأمر أسهل ليستطيع أي طالب حضور المحاضرات (أون لاين)، مازال هناك حاجز بينهم, قد لا يصلح التعليم عن بعد في كل التخصصات على الرغم من الفُرص المتعددة التي فتحها للعديد من الأشخاص حول العالم”.
وتابع محمود حديثه عن التعليم الإلكتروني كونه لا يصلح للتعليم العملي الذي يحتاج لتدريب الطلبة عملياً مؤكداً “أن الكليات العلمية مثل الطب أو الهندسة أو الصيدلية أو الفنون مثل الرسم والنحت، يلزمها تطبيق عملي توفره الجامعات من خلال إمكانيات أكبر مثل المعامل والورش وهكذا كما أن التعليم الصناعي أيضاً والزراعي لا يُمكن أن يكون عن بعد وهناك صعوبة في التزام الأشخاص الذي لا يستطيعون تقسيم وقتهم أو إلزام أنفسهم بواجبات مُعينة، حيث يجدون صعوبة في الالتزام في عملية التعليم عن بُعد وإن التهاء الطلاب بمواقع التسلية والتوجه للألعاب ومواقع التواصل الاجتماعي أثناء الجلوس أمام الشاشة والانشغال عن التعلم والشعور بالعزلة الدراسية بسبب غياب المناقشات الجماعية والحوار بين المعلم والمتعلم؛ ستكون عائقاً كبيراً ويبطئ في استجابة وردّ الطالب أو المعلم على بعض الاستفسارات”.
جهد زائد من المدرسيين
أما فيما يخص الصعوبات والعوائق التي يوجهها المدرس يقول محمود: “يشتكي العديد من المدرسين العبءَ الزائد في التعليم الإلكتروني، رغم أنهم يقومون به من داخل منازلهم حيث يبدأ اليوم الدراسي بتحميل المادة التي تم تجهيزها من الألف إلى الياء من قبل المعلم على الموقع الإلكتروني الذي تعتمده الجامعة، ومن ثم الشرح للتلاميذ في لقاءات وجهاً لوجه، وتحديد مواعيدها مسبقاً، بعدها تتم متابعة التلاميذ ممن لم يحضروا الدرس وهم كثيرون، ربما بسبب نسيانهم الموعد أو عدم اهتمامهم بالدرس، ومن ثم كتابة تقارير يومية مطلوبة من قبل المدرسة للتأكد من أن المعلمين يقومون بالعمل المطلوب منهم، وهذا كله أمر مرهق عصبياً, هذا بالإضافة إلى مراجعة جميع الأعمال التي يقوم بها الطلاب بعد إرسالها، حيث نقوم بتحميل أعمالهم واحداً بعد الآخر، ثم نضع علامات عليها ونعيدها إلى الطلبة لمعرفة الأخطاء التي وقعوا بها، وهذا يستلزم الكثير من الوقت والطاقة، ويحتاج إلى الصبر”.
استجابة الطلاب
تصور الطالب عمر منان شاهين أن تكون دروس الجامعة الافتراضية غير مشجعة لهم على الاستمرار بالدراسة، ويقول “كانت البداية صدمة كبيرة لجميع الطلاب، لأنها المرة الأولى التي ندرس فيها عن طريق الإنترنت، مع أن الكثير من الجامعات العالمية تخطت هذا الأمر حتى قبل انتشار كورونا، لكن بالنسبة لنا كان مفاجئاً فقد اعتدنا الذهاب للجامعة وأخذ الدروس مباشرة من الأستاذ وهذا ما شكل لنا المعوقات في بادى الأمر مما دفعنا للعمل على تخطي كل العوائق”.![]()
ويوضح شاهين الفروقات بين طرق التعليم التقليدية والتعليم عن بعد، قائلاً “نسبة الاستيعاب في الطريقة التقليدية للتعلم أكثر وبإمكان الطالب الفهم والإدراك بشكل أسهل وأفضل كون المحاضر (الأستاذ) أمامك وبإمكانك مناقشته وجهاً لوجه فيكون هناك مشاركة من الطلاب أيضاً بحيث تحصل على الكثير من الأجوبة ووجهات النظر وأيضاً يسهل من مهام المحاضر في إعطاء الأجوبة بشكل سريع وفوري للجميع”.
ويعتبر عمر شاهين أن نظام أونلاين قد يخلو من النواقص للأفرع الأدبية بقدر ما تعانيه الأفرع العلمية لأن المناهج تعتمد على الملخصات وهي مواد حفظية، أما الأقسام العلمية تحتاج إلى العمل يدوياً أو في المخابر أو الرسم مما يجعل الطالب يعاني من الصعوبة، كذلك المحاضر الذي يضطر للشرح عدة مرات كون جميع الطلاب ليسوا مقيمين في السكن الجامعي.
ويبرز عمر شاهين إيجابية التعليم عن بعد بقدرة الطلبة على متابعة الفيديوهات المسجلة المرسلة لهم من قبل المدرسين عدة مرات للاستفادة منها، وشكر بدوره إدارة الجامعة وقال أنه رغم الصعوبات التي تواجهنا إلا أن إدارة الجامعة تقوم بواجبها على أكمل وجه لهدف سير العملية التعليمية بشكل جيد وكيلا ينقطع الطلاب عن دروسهم في ظل هذه الظروف الصعبة التي نمر بها.
