خِضْر الجاسم
مع اِقتِراب ذِكْرى اِنْتفاضة المرْأة فِي رُوجهْلات ومَا تَرتَّب عليْهَا مِن آثار كَبِيرَة لَيْس فِي دَاخِل إِيرَان، وَإِنمَا خارجهَا أيْضاً، وهي التي أَذنَت بِهزِّ عَرْش السُّلْطة، وتضامنتْ مَعهَا اَلكثِير مِن الدُّول حَوْل العالم، وبقي الثَّابتَ في أنَّ ثَورَة رُوجهْلات مُسْتمِرَّة بِكلِّ مضامينهَا الثَّوْريَّة، وقد ثبتَ العجْز بِالسُّلطات الإيرانيَّة، وَعدَم اِسْتجابتهَا لِلْمتحوِّلات الطَّبيعيَّة والاجتماعية.
تعددت حوادث العنف الممارس بحق المرأة في روجهلات كردستان وإيران سواء من النظام الإيراني، الذي جرد المرأة من حقوقها بقوانينه وقراراته أو من قبل المجتمع نفسه الذي يجد في النظام أداة حماية له ينقذه من أية جريمة يرتكبها بحق المرأة، في أيلول المنصرم قامتْ الكرْديَّة شِلير رَسولِي فِي مُرَيْوان بِإلْقَاء نفْسهَا مِن الطَّابق الثَّاني لِإنْقَاذ نفْسهَا مِن جُنْدِي مَأجُور لَدى النِّظَام الإيرانيِّ.
لَكِن مع اِسْتشْهاد” جِينَا أَمينِي“على يد ما يُسمى بشُرطَة الأخْلاق الإيرانيَّة فِي الـ 16 مِن شَهْر أَيلُول المنْصرم، رَفْع شِعَار ”jin jiyan azadî“ (المرْأة، الحيَاة، اَلحُرية)، وَهُو يَعنِي الاسْتمْرار فِي الانْتفاضات فِي رُوجهْلات حَتَّى تَحقِيق الأهْداف المرْجوَّة.
لَم تَتَوقَّف الانتفاضة مُنْذ ذَلِك الوقْتِ على الرَّغْم مِن الاعْتداءات المسلَّحة وحملَات الاعْتقال والتَّعْذيب، اَلتِي تَشنهَا قُوَّات النِّظَام الإيرانيِّ على المنْتفضين، حَيْث تَعرضَت عَشَرات النِّسَاء لِلْقتْل على يد النِّظَام ذَاتِه بِشعارات مُزَيفَة وَبجمِيع الوسائل وَبطُرق مُختلفَة دُون جَدوَى.
نَزْع الحجَاب مُجرَّد ذَرِيعَة
شَهدَت إِيرَان اِنْتفاضة شَعبِية وَاسِعة، حَيْث خرج النَّاس إِلى السَّاحات فِي أَنحَاء البلَاد كافة لِلتَّعْبير عن رَفضهِم واحْتجاجهم لِلنِّظَام الإيرانيِّ، وفْقاً لِتقْرِير مُنَظمَة حُقُوق الإنْسان فِي إِيرَان، أَعلَن أنَّ: ”النِّظَام الإيرانيُّ قَتْل 201 ناشطًا، وَأَصاب مِئَات الآخرين خِلَال شَهْر وَاحِد فقط ، بِالْإضافة إِلى الآلَاف الَّذين تمَّ اِعْتقالهم“.
اِسْتخْدم النِّظَام الإيرانيُّ رَمْز إِزالة وحرْق المناديل (الحجَاب) ذَرِيعَة، بيْنمَا الانْتفاضة فِي حقيقتهَا كَانَت ضِدَّ نِظَام السُّلطات الإيرانيَّة، فَهِي لَم تَقتُل” جِينَا أَمينِي“فقط مِن أَجْل حِجابِهَا، بل كان الهدف هُو مُوَاصلَة سُلْطتِهَا على الشَّعْب وبثَّ الخوْف فِي قُلوبِهم وإرْسَال رِسالة لِلشَّعْب اَلكرْدِي بِأنَّهَا ستواصل فَرْض سُلْطتِهَا عَليهِم وأنَّهم عاجزون.
إِنَّ الرَّجل عَبْر التَّاريخ، فَرْض سُلْطته على الحيَاة فَتَعرضَت المرْأة لِلظُّلْم والاسْتعْباد بِهَدف إِخْضاعها وكسْر إِرادتهَا، مِثلَما هُو اَلْحال لَدى النِّظَام الإيرانيِّ اَلذِي يَفرِض قُيوداً على حُقُوق المرْأة فِي جميع المؤسَّسات التَّابعة لَه، ويحْرمهَا مِن اَلحُقوق اَلتِي تَتَمتَّع بِهَا النِّسَاء فِي اَلعدِيد مِن الدُّول اَلأُخرى. فضْلاً عن القوانين اَلتِي تُعزِّز فِكْر الهيْمنة الذُّكوريَّة فِي المجْتمع، حَيْث يعْدُّون المرْأة عاراً ويسْتهْدفونهَا بِأشْكَال مُختلفَة دَاخِل وَخارِج اَلمنْزِل. إِنَّ تَارِيخ إِيرَان، وَخَاصَّة فِي السَّنوات الأرْبعين الماضية، شَهدَت تَمرُّد المرْأة مَرَّات عدة بِأساليب مُختلفَة، مُعلَنَة رَفضها لِلنِّظَام الحاكم.
اِنْتفاضة مُختلفَة عن سابقاتهَا
تَشهَد رُوجهْلات حاليّاً اِنْتفاضة مُختلفَة عن الانْتفاضات السَّابقة، وخلال العشر سنوات الماضية، شَهدَت المنْطقة عِدَّة اِنْتفاضات. فِي الماضي، كَانَت الانْتفاضات نَتِيجَة لِلْفقْر وتدنِّي رَواتِب المعلِّمين، ومِن شَرائِح مُحَددَة تَنتَفِض ضِدَّ السُّلْطة. ومع ذَلِك، فِي هَذِه الأزْمة الحاليَّة، تَمكَّن أَهالِي رُوجهْلات مِن اِختِراق أَسَاس المجْتمع بِقيادة المرْأة. لا شك أنَّ المشْكلة الرَّئيسيَّة فِي المجْتمع الإيرانيِّ هُو عدم اِهْتمامه بِإرادة المرْأة والْعنْف ضِدَّ النِّسَاء كَذلِك. ووضعتْ هَذِه الانْتفاضة قَضيَّة المرْأة فِي صميم اَلحُلول المطْلوبة، فَإذَا لَم يَتِم حلُّ مَشاكِل المرْأة فِي هذَا المجْتمع، فلن يَتِم حلُّ أيِّ مُشْكِلة أُخرَى فِي المجْتمع.
إِنَّ الرِّسالة الرَّئيسيَّة اَلتِي يُحَاوِل الشَّعْب إِيصالهَا مِن خِلَال هَذِه الانْتفاضة هِي أَننَا مُتَّحدون ولَا يُمْكِن لِأيِّ قُوَّة حَاكِمة أن تفْصلَنَا، خَاصَّة مِن خِلَال شِعَار” Jin Jiyan Azadî “، وَهذَا يُشير إِلى أنَّ قَضيَّة المرْأة هِي قَضيَّة المجْتمع بِأسْره، وَأنَّه بِالْإمْكان تَجاوُز جميع اَلقُيود وتجاهلهَا طالمَا تَوَاصلَت الاسْتمْراريَّة.
يُمْكِن اَلتذكِير بِأنَّ الأمَّهات اللَّواتي فقدْن أبْناءهنَّ وبناتهنَّ فِي هَذِه الانْتفاضة، رددن بِصَوت وَاحِد:” لَا نُريد التَّعازي، فلْتسْتمرَّ الثَّوْرة“، وبالتَّالي، لَا تَزَال هَذِه الانْتفاضة مُسْتمِرَّة بِقوَّة حَتَّى الآن.
اَلحُقوق تُؤخَذ ولَا تُعطَى
فِي مُدُن رُوجهْلات، تَتَواصَل الانتفاضة الشَّعْبيَّة ضِدَّ الذِّهْنيَّة المناهضة لِحقوق المرْأة. وَقد أَثارَت هَذِه الانتفاضة اِنتِباه العالم بِأسْره، خَاصَّة مع تَطوُّر الحركات النِّسائيَّة فِي العالم والشَّرْق اَلْأَوسط. وأثرتْ المرْأة الكرْديَّة هَذِه الحركات بِالْقِيم النِّضاليَّة، ما دفعهَا لِلْمطالبة بحْريَّتهَا وحقوقهَا والْعَمل والْكفاح فِي هذَا الشَّأْن. ولإضْعاف الحركات النِّسائيَّة، تَسعَى الأنْظمة لِإبادة النِّسَاء عَبْر تخْويفهنَّ وقتلَهنَّ تَحْت سِتَار الشَّرف، وَلذَلِك كَانَت اِنْتفاضة رُوجهْلات مُختلفَة مِن كَوَّن أنَّ اَلحُقوق لَا تُعْطِي بل تُؤخَذ.
وَمُنذ عام 2013 وَحتَّى الآن، قام النِّظَام الإيرانيُّ بِإعْدَام أربعة آلاف و13 شخْصاً. وسط معاناة المجْتمع والْمرْأة على حدٍّ سَوَاء مِن ظُلْم وَقَساوَة هذَا النِّظَام مُنْذ آلاف اَلسنِين. فالضَّغْط يُولِّد الانْفجار، وبهذا المعنى ثَارَت” جِينَا أَمينِي“وَتَبعهَا الشَّعْب الثَّائر، اَلذِي لَم يَعُد يَحتَمِل قَساوَة الممارسات الأخيرة بِحَقه، لِذَلك اِنْتفضوا وثاروا تَحْت شِعَار ” Jin Jiyan Azadî “حَيْث أَصبَح شِعارًا ورمْزًا لِلْمرْأة فِي الشَّرْق اَلْأَوسط. وبترْديدهن هذَا الشِّعَار وقصِّ جدائلهنَّ، أَرسَلت المرْأة رِسالة إِلى الأنْظمة بِأنَّهَا لَم تَعُد تَقبَل بِهَذه الذِّهْنيَّة السُّلْطويَّة الدِّكْتاتوريَّة.
الاضْطهاد بَيْن الدِّين والدَّوْلة
فِي الشَّرْق اَلْأَوسط، تعيش المرْأة تَحْت تَأثِير الدِّين وإدارة الدَّوْلة تَحْت مُسمَّى تَطبِيق الشَّريعة الإسْلاميَّة. وتسْتخْدم هَذِه الدُّول الدِّين كَذَريعَة لِلتَّعامل مع حُقُوق المرْأة. وتعْتَمد هَذِه الذِّهْنيَّة على إِبادة المجْتمع، وتحاول إِسكَات المرْأة لِإطالة عُمَر سُلْطتَهَا. فالْأنْظمة فِي الشَّرْق اَلْأَوسط تَخشَى مِن إِرادة المرْأة، وَلذَلِك يُهاجمونهَا دائمًا لِشلِّ المجْتمع وحرْمانه مِن حُقوقه وحرِّيَّته. والْمرْأة اَلتِي تَعرِف حُقوقَهَا، لَا يَتِم مُحاربتهَا فحسْب، بل يَتِم قَتلُها وإعْدامهَا، وتتعَرَّض لِلْعنْف العائليِّ بِتهْمة الشَّرف.
أَمَّا بِالنِّسْبة لِلنِّظَام السِّياسيِّ، تَتَعرَّض المرْأة لِعنْف ذِهْنيَّة الرَّجل المتسلِّط، وَالذِي يَحمِل كِلاهمَا طابعًا ذُكورِيًّا يُنَاهِض حُقُوق المرْأة، لِذَا لا يَستغْرِب مِن وُجُود مُستَوَى عالٍ مِن اَلعُنف ضِدَّ المرْأة سِياسِيًّا واجْتماعيًّا، حَيْث تُمَارِس كَافَّة أَشكَال اَلعُنف ضِدَّ المرْأة سَوَاء مِن قِبل العائلة والسُّلْطة والزَّوْج والْأب والْأخ. وَحسَب أطبَّاء شرْعيِّين، فَإِن هُنَاك 15 حَالَة اِنتِحار يوْميّاً فِي رُوجهْلات، وَيرجِع هذَا إِلى أَسبَاب سِياسِيَّة واقْتصاديَّة، خُصوصاً أنَّ هُنَاك 38 مِلْيون شَخْص يعيشون تَحْت خطِّ الفقْر.
النِّظَام يَتَخوَّف مِن تَنظِيم المرْأة
تَستَغِل إِيرَان الدِّين لِبَسط هيْمنتهَا على الشَّرْق اَلْأَوسط، وَهُو يَتَخوَّف مِن المرْأة المنظَّمة اَلتِي تُطَالِب بِحقوقهَا وحرِّيَّتهَا؛ كَونَه يَعنِي تَحرُّر المجْتمع، وبتحَرُّر المجْتمع ستتغَيَّر ذِهْنيَّة النِّظَام والدِّكْتاتوريِّين. إِنَّ اِسْتشْهاد” جِينَا أَمينِي“، مردُّه خَوْف أَنظِمة الشَّرْق اَلْأَوسط مِن التَّنْظيمات النِّسائيَّة.
تَزْداد المطالبات بِالْحقوق وَفْق الاتِّفاقات والْقوانين والْعهود اَلتِي وَضعَت لِحماية حُقُوق الإنْسان وَحقُوق المرْأة والطِّفْل والشُّعوب وَحقُوق المكوِّنات، لَكِن كُلمَا اِرتفَع سَقْف هَذِه المطالب اِرتفَع عُنْف ذِهْنيَّة السُّلْطة اَلتِي مصالحهَا فَوْق كُلِّ اِعتِبار. تَأثُّر شُعُوب العالم التَّوَّاقة لِلْحرِّيَّة بِانْتفاضة رُوجهْلات اَلتِي حَملَت مَعهَا قِيم تَنظِيم المرْأة واصْطفافهَا خَلْف الثَّائرة الشَّابَّة” جِينَا أَمينِي“، وَأَصبحَت سببًا لِتطلُّعات النِّسَاء حَوْل العالم مِن أَجْل تَغيِير الذِّهْنيَّة والْحصول على حُقوقِهنَّ بِمَا فِيهم اَلكُرد الَّذين يعْدمون يوْميّاً، فالدَّوْلة الإيرانيَّة مَعرُوفة بِسياسة إِعدَام مُناهضيهَا.
الاقتداء بثورة روج آفا
لا شك أنَّ تَأثِير ثَورَة رَوج آفا على اِنْتفاضات رُوجهْلات لَا يُمْكِن تجاهله على اِعتِبار أنَّ اِنتِصار وَحَدات حِماية المرْأة على مرتزقة داعش وشعارهنَّ ” Jin Jiyan Azadî “، كان مَصدَر إِلهَام كبير لِشَعب رُوجهْلات. أَظهَر التَّضامن الواسع مِن قَبْل شَعْب رَوج آفا تأْثيراً هامّاً، حَيْث شَهدَت مسيرَات وتظاهرات مِن مُخْتَلِف الشَّرائح الاجْتماعيَّة لِدَعم الانْتفاضات اَلتِي حَظيَت بِتأْيِيد واسْتجابة وَاسِعة فِي رُوجهْلات.
