تقرير/ مصطفى السعيد ـ ماهر زكريا –
مرَّ عام على الإعلان عن الإدارة المدنية الديمقراطية لمنطقة الطبقة والتي تم تشكيلها بعد مرور حوالي ستة أشهر من تحرير المدينة على يد مقاتلي ومقاتلات قوات سوريا الديمقراطية، وكان العمل جارياً منذ التحرير من أجل تنظيم المدينة وبخاصة في المرحلة الأولى من خلال تأسيس مجلس مدني لتسيير أمور المدينة، الخارجة عن سيطرة مرتزقة داعش، وتطور العمل في المجلس المدني، نتيجة الاستقرار والأمن الذي شهدته المنطقة بعد التحرير فأصبحت مدينة آمنة وملجأ للنازحين من المناطق السورية كافة، حيث بلغ عدد النازحين في تلك الفترة أكثر من 300 ألف نازح، كما تم تشكيل لجنة تحضيرية لتوسيع المجلس المدني، وكانت أهم أعمال اللجنة التحضيرية ولادة المجلس التشريعي لمنطقة الطبقة صبيحة يوم الخامس والعشرين من تشرين الأول عام 2017م ليؤسس لإدارة مدنية ديمقراطية لتدير شؤون المنطقة وأبنائها وتضع القوانين والتشريعات التي تنظم عمل المؤسسات الإدارية والخدمية في المنطقة، لتسريع عملية إعادة إعمار المنطقة والتي دمرت داعش أكثر من 75% من البنى التحتية فيها، وكان سد الفرات ومحطة تصفية المياه ومحولات الكهرباء والمشفى الوطني شاهد على آثار الدمار التي شملت مناحي الحياة كافة، وبخاصة الخدمية، وتحريرها من قبل قوات سوريا الديمقراطية التي كانت القوات المحررة والمطهرة للمنطقة بمساعدة من أهالي المنطقة.
وكان تشكيل المجلس التشريعي حاجة ماسة لوجود مجلس يسن التشريعات والقرارات في هذه الإدارة الجديدة والنظام الديمقراطي الذي تُمثل فيه أطياف وقوميات ومكونات المنطقة كافة، بشكل تشاركي يضمن حقوق الكل، بدون طمس أو هضم لأي حق من حقوق أي مكون، فالمجلس يضم العرب والكرد والتركمان والآشور والسريان والشركس والأرمن بما يحقق ضمانة تمثيل الجميع.
وعقد الاجتماع في مدرج أكاديمية الشهيد خالد عليوي في الطبقة وقد حضرته الرئاسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية إلهام أحمد وعضو الهيئة السياسة في مجلس سوريا الديمقراطية حسن محمد علي وممثلين لبعض الإدارات في الشمال السوري، كما تم المناقشة والتصويت بالإجماع على النظام الداخلي للمجلس التشريعي لمنطقة الطبقة، وانتخاب حامد الفرج وروشن حمي للرئاسة المشتركة للمجلس التشريعي، وتم تأدية القسم من جميع الأعضاء وباللغتين العربية والكردية.
وتم تكليف شيار محمد وهند علي بتشكيل لجان المجلس التنفيذي خلال فترة أسبوع وفي الأول من تشرين الثاني تم الإعلان عن الإدارة المدنية الديمقراطية والتي أبصرت النور على مدرج أكاديمية الشهيد خالد عليوي وبحضور الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية آنذاك إلهام أحمد، وأدى أعضاء اللجان القسم أمام الرئاسة المشتركة للمجلس التشريعي وبدأ المجلس التنفيذي أعماله في تأهيل وإعادة إعمار المنطقة، وبخاصة البنى التحتية المدمرة وتنفيذ الخطط الموجود مسبقاً لدى المجلس المدني في السياق نفسه.
قوانين مجتمعية ناظمة
وفي الحديث عن المجلس التشريعي؛ عمل على إصدار القوانين والتي بلغت خلال عام من عمر المجلس التشريعي تسعة قوانين، وكان أولها قانون واجب الدفاع الذاتي والذي تقدمت بها لجنة الدفاع والحماية الذاتية في شهر تشرين الثاني من عام 2017، وتم إقراره من قبل المجلس التشريعي والتصديق عليه، وبتاريخ 27/12/2017م أصدر المجلس التشريعي لمنطقة الطبقة قانون تسجيل المركبات وكان الهدف من القانون هو تنظيم وثائق وسجلات المركبات التي تعمل وتسير ضمن منطقة الطبقة وريفها؛ لأنه تم العمل على إخفاء وطمس هوية بعض المركبات عن طريق تغيير وطمس أرقام السيارة والهيكل وذلك لغايات غير مشروعة, للحفاظ على حقوق المواطنين والمصلحة العامة للمواطنين السوريين كان لا بد أن يتم تقديم هذا القانون.
وفي سبيل المحافظة على أملاك المكونات التي هُجِرت من مدينة الطبقة من قبل المجموعات الإرهابية التي سيطرت على المنطقة خلال فترة ما بين عامي 2012م و2017م؛ أصدر المجلس التشريعي قانون حماية أملاك الغائب لهذا الغرض وكان مما جاء فيه: “…وبعد استفحال ظاهرة السيطرة على أموال الغائبين والمهاجرين من قبل الآخرين واستناداً لمبادئ العدالة الاجتماعية وأفكار الأمة الديمقراطية التي نؤمن بها وللحفاظ على أموال الغائبين والمهاجرين ووضعها في خدمة تنمية المجتمع فقد تقرر سن قانون حماية أموال الغائبين والمهجرين”.
ولحماية حقوق وتنظيم العلاقة ما بين الإدارة المدنية والعاملين لديها أصدر المجلس أيضا قانون العمل الموحد بتاريخ 7/3/2018 ويهدف القانون إلى توظيف العمل في خدمة عملية بناء الاقتصاد المجتمعي من أجل الرفاهية وتحسين ظروف الحياة، ويضمن هذا القانون حق العمل لكل مواطن قادر عليه بشروط وفرص متكافئة بين المواطنين جميعاً دون تمييز بالجنس أو العرق أو اللغة أو الدين, ويترتب على ذلك إتاحة الفرص لكل مواطن في التدريب على النشاطات المهنية والفكرية والإدارية في الحدود التي ترسمها الإدارة المدنية الديمقراطية لحجم ونوع العمل في القطاعات والمؤسسات التابعة لها، العمل واجب مقدس يمليه الشرف وتستلزمه ضرورة المشاركة في بناء المجتمع وتطويره وازدهاره، وكما أصدر المجلس عدة قوانين تنظم الحياة المجتمعية في منطقة الطبقة ومنها قانون الاعلام وقانون أملاك الشعب وقانون الأحوال المدنية وقانون الحراج والمراعي.
وفي التوازي مع عمل المجلس التشريعي كان يعمل المجلس التنفيذي بلجانه الثلاثة عشر، من الناحية الخدمية والصحية واستكمال إصلاح سد الفرات وإعادة الكهرباء إلى المنطقة وتزفيت الطرقات العامة، وإصلاح جزء من الصرف الصحي في المدينة، وافتتاح المشفى الوطني والمركز الثقافي.
الدور الريادي للمرأة في الإدارة المدنية
للاطلاع على الأعمال التي قام بها المجلسين التشريعي والتنفيذي بعد عام على إعلان الإدارة المدنية الديمقراطية للمنطقة والصعوبات التي واجهت الأعضاء في مجال التشريع والدور الذي لعبته المرأة في مجال التشريع كان لنا لقاءات مع الرؤساء المشتركين للمجلسين وكانت البداية مع الرئيسة المشتركة للمجلس التشريعي لمنطقة الطبقة روشن حمي والتي بدأت حديثها عن الخطوات التي سبقت تشكيل الإدارة المدنية الديمقراطية قائلةً: “تم تشكيل لجنة تحضيرية لتأسيس الادارة المدنية عن طريق اختيار 15 عضو وعضوة، تم الاجتماع مع جماهير من الشعب لاختيار شخصيات ذات خبرة من أهالي الطبقة وتم بعدها تأسيس المجلس التشريعي بتاريخ 25/10/2017م. ومنذ بداية انطلاقته تم تكليف الرئاسة المشتركة له بتشكيل لجان الإدارة المدنية وأداء القسم أمام المجلس التشريعي”.
وأضافت روشن: “تم تشكيل ثلاث مكاتب في المجلس وهي مكتب الأرشيف والمكتب القانوني ومكتب المالية ونحن بصدد فتح مكتب الإعلام والمرأة، بعد تشكيل المجلس التشريعي تم إصدار تسع قوانين حسب احتياجات المنطقة من التشريعات، وكان القانون الأول هو الدفاع الذاتي لحماية المنطقة بعد تحريرها من داعش، وقانون العمل الموحد والأحوال المدنية، وقانون أملاك الغائب والتي كان لها صدى في المجتمع وخاصة بعد التهجير الممنهج لمكونات المنطقة”.
وأشارت روشن إلى الطريقة التي يتم فيها إصدار القوانين عن طريق المجلس التشريع وقالت: “إصدار القوانين يكون عن طريق اللجان التابعة للمجلس التنفيذي، ويتم عن طريق طرح القانون للمكتب القانوني في المجلس التشريعي وبعد دراسته بشكل واف يتم عرضه على المجلس التشريعي والتصويت عليه من قبل أعضاء المجلس والتصديق عليه، ويتم الاقتراح أيضاً من قبل أعضاء المجلس لإصدار قوانين هامة لسير عمل اللجان، ونحن بصدد إصدار ثلاثة قوانين وهي قانون المرأة، تنظيم مهنة المحاماة، والموارد المائية ضمن الدراسة، الصعوبة الأكبر هي حداثة المجلس وظهور ثغرات خلال تطبيق القوانين”.
وعن مشاركة المرأة في إصدار القوانين والتشريعات من المجلس التشريعي قالت:” مشاركة المرأة كانت 40% تقريباً ويجب العمل على إدخال المرأة بنسبة 50% كما هو وارد في النظام الداخلي للمجلس، لمشاركة المرأة في جميع مؤسسات الإدارة المدنية الديمقراطية لمنطقة الطبقة وإدارات شمال وشرق سوريا”.
وحدثنا أيضاً الرئيس المشترك للمجلس التنفيذي لمنطقة الطبقة شيار محمد عن بداية تأسيس المجلس التنفيذي قائلاً: “قبل تأسيس الإدارة المدنية الديمقراطية كان هناك مجلس مدني لتسيير الشؤون المدنية بعد تحرير المنطقة من داعش، ومن ثم تم النقاش لتوسيع أعمال المجلس المدني وأصبحت المنطقة مستقرة وكان هناك مقترح لتشكيل لجنة تحضيرية وإنشاء مجلس تشريعي وتنفيذي، وخلال الاجتماع تم تكليف شيار محمد وهند علي لتشكيل لجان المجلس التنفيذي، وتم المناقشة مع المكونات والعشائر كافة بتوافق المكونات بتأسيس المجلس التنفيذي مؤلفاً من 17 لجنة وفي الجلسة نفسها تم تسمية الإدارة المدنية الديمقراطية لمنطقة الطبقة”.
وعن الأعمال التي قام بها المجلس التنفيذي خلال عام تحدث شيار محمد عن ذلك قائلاً: “في البداية كانت المهمة صعبة وكانت المنطقة محررة من مرتزقة داعش حديثاً حيث كانت البنى التحتية في المنطقة مدمرة، وتحولت إلى مدينة أشباح، ومن الناحية الخدمية كانت الخدمات معدومة وعملية إعادة الاعمار كانت صعبة. لذا؛ قام المجلس التنفيذي بتأسيس اللجان للعمل بشكل منظم من الناحيتين الأمنية والثقافية وتنظيم المرأة والشبيبة، ورغم الامكانات المادية المتواضعة أُنجز الكثير من ناحية المواصلات والسجل المدني والزراعة والصناعة والتجارة والبلديات والكهرباء، وتم انجاز العمل بصعوبة وبخطوات كبيرة، مثلاً سد الفرات بعد التدمير الذي حصل فيه تم الانتهاء من إصلاحه في فترة وجيزة بجهود المهندسين والخبراء والفنين وإدارة السدود في الشمال السوري لتغذية المنطقة بالكهرباء في تلك الفترة بحوالي 60% وفي فترة قصيرة تم تغذية المنطقة بها لتصل حالياً إلى نسبة 95% وكذلك المياه وصلت بنسبة كبيرة إلى أحياء المنطقة، بإمكانات محلية ودعم كبير من مجلس سوريا الديمقراطية، وتعد منطقة الطبقة منطقة استراتيجية من خلال تحديد معبر تجاري يعمل بشكل يومي كما فعَلنا دور المواصلات بشكل عام وحماية أملاك المواطن وتم تفعيل السجل المدني لإثبات شخصية المواطن وهناك وافدين تم إعطائهم ورقة لتسهيل عملهم، والعمل لا زال مستمراً في مجال الخدمات والتزفيت رغم قلة الإمكانات”.
كما وحدثتنا الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي هند العلي عن مشاركة المرأة في الإدارة المدنية الديمقراطية لمنطقة الطبقة خلال الفترة الماضية: “مضى عام من عمر المجلس التنفيذي، كان للمرأة دور كبير خلال العام من مبدأ الرئاسة المشتركة، تم تحقيق نسبة مشاركة المرأة 45% ونسعى أن تكون نسبة المرأة مماثلة لنسبة الرجل، هناك مهام ملقاة على عاتق المرأة واليوم عملت في مؤسسات الإدارة المدنية الديمقراطية لمنطقة الطبقة سواء المرأة العربية أو الكردية والشركسية…..إلخ”.
وعن الإنجازات التي قدمتها الإدارة للمرأة؛ أكدت هند أن الإدارة المدنية قدمت بعض المشاريع الاقتصادية ومشاريع دعم معنوية في مجال حرية المرأة وقالت في هذا الخصوص: “عملنا على اقتصاد المرأة وبخاصة وجود نسبة كبيرة للمرأة الأرملة العاملة وأيضاً الوافدات من المناطق الأخرى، وقد تم افتتاح عدة دورات للمرأة في المنطقة وكذلك افتتاح مركز للمرأة الشابة، لتنظيم المرأة وتوعيتها لدورها وتحرير نفسها من الذهنية الذكورية، وافتتاح بيت المؤنة ومشاركة المرأة هي أكثر من النصف في مجال التعليم. ومشفى الطبقة يقدم الخدمات الطبية للمرأة والطفل حسب الإمكانات المتوفرة وتتم معالجة ما بين 600-700 امرأة شهرياً. نسعى خلال الفترة القادمة لتطوير عمل المرأة. اثبتت المرأة ذاتها بالمنطقة في المجالين الخدمي والإدارة وبخاصة بعد تخريج العشرات من الإداريات من أكاديمية المرأة في الطبقة”.
