تقرير/ فيروشاه أحمد –
الإدارة الذاتية هي إدارة المواطنين أنفسهم بأنفسهم، وهذا يدعوهم للعمل مباشرة في الهيئات واتخاذ القرارات الموزعة على مختلف مستويات التنظيم الاجتماعي، ومنح الأفراد المشاركة في إدارة البلاد، وهذا هو التعبير الفعلي والعملي للديمقراطية، لأن الديمقراطية الحقيقية هي المشاركة الفعالة وليس التفويض أو التمثيل، ويبقى العمل التشاركي الحل الأمثل لإبعاد الدولة والحكومة من التناقضات واللجوء للعنف، وإلا سوف تنتشر البيروقراطية، ولا يمكن إلغاء كلفة التباينات في إدارة المجتمع وإلا سيكون السير نحو التيه في اليوتيبيا.
وتتلخص الإدارة أيضاً بمجموعة قواعد وخطط، مع الشعور بالرقابة والتحكم والتوجيه الذاتي وتعليمها وتدريبها وتطويرها، وتتعدد الجوانب الإدارية بتنوع الأعمال سواء كان شخصياً أو اقتصادي أو سياسي، ولا يمكن تطبيق ذلك إلا من خلال الاستناد إلى مبادئ أخلاقية وقيم إنسانية مثلى.
بينما الإدارة الذاتية وبحسب مفهوم الأمة الديمقراطية (سوسيولوجيا الحرية) هي مجموعة قواعد ومبادئ لنظام ديمقراطي لجميع الشعوب، وتعتبر النموذج الأمثل لحل جميع مشاكل الشرق الأوسط، لأن نموذج الدولة القومية لا يتلاءم مع الطبيعة التكوينية للمجتمعات في الشرق الأوسط.
بدايات الإدارة الذاتية ومنطلقاتها
كانت انطلاقة الإدارة الذاتية كحل للأزمة والفوضى التي ألمّت بالمنطقة منذ بدايات عام 2011، بمثابة الحل الديمقراطي في سوريا، وأصبحت من المصطلحات المهمة والمتداولة بما يخص الحل للقضية الكردية وكل القضايا العالقة في سوريا والشرق الأوسط. واختارت شعوب شمال وشرق سوريا حلاً ديمقراطياً يضمن لكل المكونات حقوقهم من خلال تأسيس إدارة ذاتية, وتنظيم أنفسهم والدفاع عن مناطقهم وطرد المرتزقة والقضاء عليهم، حيث كان لا بد إقامة مشروع مجتمعي يتفق عليه كل الأطراف ولم تكن إلا الإدارة الذاتية التي ستحقق تطلعات كل المكونات من كرد وعرب وسريان وآشور، وأرمن، وشركس، وتركمان.
وحض شعوب الشمال السوري إلى العيش المشترك وأقروا العقد الاجتماعي في الإدارة الذاتية، وتم الإعلان عنها في ثلاث مقاطعات آنذاك وجرت انتخابات لاختيار الرئاسة المشتركة للهيئات والمجالس المحلية ومن ثم انتخابات لمجالس الأقاليم.
أهميتها في إدارة شؤون المناطق المنضوية تحت ظلها
أفرزت الأزمة السورية عدداً من التجارب في إدارة المدن التي سيطرت عليها المعارضة، وتنوعت هذه التجارب والاشكال بتنوع طبيعة المنطقة والقوى الفاعلة وتوجهها السياسي والأيديولوجي، وتعرضت هذه التجارب لصعوبات كثيرة، أما في شمال وشرق سوريا فقد لاقت تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية نجاحات أفضل منها تخفيف الفوضى العارمة، وهذا ما جعلها تلاقي استحساناً لدى أغلب المكونات والقطاعات الشعبية. وما يمكن أن تفعله الإدارة الذاتية في المناطق التي تنضوي تحتها وبكل الوسائل المتاحة هو تطبيق العقد الاجتماعي بين كل المكونات، ويُعتبر هذا المشروع المجتمعي المشروع الأسهل والأفضل الذي يناسب كل القوميات العرقية والثقافات المتنوعة والديانات المختلفة.
باتت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا مثالاً للتعايش المشترك وبسوية واحدة في المسؤولية والحقوق، أما وهي ثقافة مجتمعية تتجاوز مفاهيم القومية الضيقة وغيرها من المسائل كالسلطة المركزية، وما سهّل آليات العمل أن مناطق شمال وشرق سوريا تعيش حالة أمن وأمان جيدين، ومن جهة أخرى أبعدت مخاوف التدخل التركي وغير التركي باجتياح المنطقة.
وسعت شعوب شمال وشرق سوريا إلى التنسيق بين الإدارات الذاتية والمدنية في كل المناطق تحت مظلة إدارة واحدة وهي الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا من حيث تقديم الخدمات وبحسب التوافق بين الهياكل الإدارية الموجودة في المنطقة والحفاظ على الاستقرار وتقديم الدعم لكل المدن والمكونات وحمايتها من كل عدوان وإرهاب، وفي السياق ذاته؛ عملت على تشكيل لجنة تحضيرية بإشراف مجلس سوريا الديمقراطي وهذه اللجنة التحضيرية حددت طبيعة وشكل الإدارة ووضع قواعد وأسس لبنائها، وقد حددت هذه اللجنة أسماء أعضاء المجالس المحلية البالغ عددهم (70) عضواً، وتم الإعلان عن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
وتربط الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا مناطق وأقاليم الشمال والشرق السوري مع بعضها هي الجزيرة، الفرات، عفرين، الرقة، دير الزور، منبج، والطبقة.
من جهة أخرى عملت الرئاسة المشتركة للإدارة الذاتية على إيجاد صيغة إدارية توافقية بين الشمال والشرق من سوريا، وبناء الإدارات المحلية لتشكيل نظام سياسي موحد، آخذة بعين الاعتبار الخصوصية الثقافية والاجتماعية والجغرافية الاهتمام الأول، وأن يبدأ التنسيق بين الإدارات المحلية والإدارات الذاتية على الأصعدة كافة؛ الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
تحتضن الشعوب كافة دون إقصاء
عندما اختار شعوب شمال سوريا الإدارة الذاتية في إدارة مناطقهم؛ كون مبادئ وقيّم هذه الإدارة كفيلة بوضع حلول مناسبة لكل الإشكاليات التي تُعرقل العيش المشترك لكل المكونات السورية التي تعيش في هذه المنطقة. وحتى ندرك بعض هذه المبادئ والقيم لا بد أن نستذكرها كي نعلم بأن هذا المشروع مجتمعي بحت، ونظام إداري وخدمي واقتصادي.
من مبادئ الإدارة الذاتية أنها تدعو كافة المكونات إلى الاندماج في ثقافة أمة مجتمعية وبذهنية تشاركية وهذه الذهنية هي الخطوة الأولى نحو بناء مجتمع سليم، من خلال مؤسسات المجتمع المدني وبعيد عن السلطوية، ومن هذه الخطوة يمكن الدخول للغاية الأهم وهو الوطن المشترك وهذا الوطن هو الأساس لأي حل ديمقراطي، لأن الوطن بمفهومه الواقعي هو المؤلف من مواطنين ينتمون إلى حدائق دينية ولغوية وقومية وثقافات مختلفة، وهذا ما يوطد الإخوة والوحدة الطوعية بعكس الوحدة الاجتماعية القسرية.
والوطن ليس جمهورية على شكل نموذج قومية واحدة، إنما الجمهورية الحقة هي التي تتوافق ومبدأ النظام الديمقراطي، ولا يمكن أن تكون الدولة ديمقراطية ألا من خلال دستور ديمقراطي تشارك في صياغته كل المكونات، والدستور الديمقراطي أداة لا يمكن الاستغناء عنها كي لا تصبح السلطة مؤسسة بيروقراطية.
من جانب آخر يبقى الحل الديمقراطي أساساً بتحويل المجتمع إلى المجتمع المدني، وهذا ما يخلق منافسة بين المؤسسات الديمقراطية والدولة في جو سلمي، وبالتالي سيتحول المجتمع تدريجياً إلى قوة فاعلة في بناء الدولة، ومن جانب آخر بقدر ما تُصان وحدة الحقوق والحريات الفردية والجماعية؛ يعمل الفرد في تحقيق بناء دولة قوية، ولا يمكن ذلك إلا من خلال ربط التاريخ بالحاضر وأحياء الذاكرة التاريخية لكل المكونات وتفعيلها بشكل ديمقراطي دون إلغاء أو إقصاء لأي مكون.
هيئاتها مجتمعية كومينالية
