الأرواح بدل الأجراس… ناقوس الخطر يدق في إيران بداية عام 2024

بيريفان خليل_

في الوقت الذي تتوج فيه الكثير من الدول عامها الجديد بإنجازات السنة الني انقضت، يظهر النظام الإيراني مفتخراً بنفسه على أنه أكثر الأنظمة هدراً للدماء في عمليات الإعدام، فأعواد المشانق منصوبة دائما، في حين يبقى القمع، واغتصاب الحقوق العنوان الرئيسي لما يكتب عنه.

وتصدرت قوائم الجرائم والانتهاكات، التي ارتكبها النظام الإيراني خلال عام 2023، وما سبقها، المشهد الإعلامي محلياً وإقليمياً، وحتى دولياً، حيث بات النظام معروفاَ باستبداده وظلمه وقمعه، وخرقه القوانين الدولية، وحقوق الإنسان كلها، وبالأخص حقوق المرأة، التي كانت الضحية الأولى لديكتاتوريته.

ولأن شعلة الانتفاضة قد بدأت منذ استشهاد جينا أميني الفتاة الكردية في السادس من أيلول 2022، فقد ظهرت إدانات ورفض واضحة بين الشعب، الذي أصبح أكثر جرأة من ذي قبل، بعدم قبول ما يفرضه النظام الإيراني عليهم، من هنا ازداد قمع النظام الإيراني ضد شعوب المنطقة دون تمييز بين فئة وأخرى، وبين طائفة وأخرى، فالكل سواسية في العقاب، فتضاعفت بذلك نسبة جرائمه بحق الإنسانية.

إعدام مستمر

وتعد عقوبة الإعدام، والتي وصفت باللاإنسانية، وكذلك بالإجهاض للعدالة، الأكثر تداولاً في إيران، حيث اتخذها النظام سبيلاً لهذا النهج الوحشي للتخلص من كل من يعترض على قراراته، ويرفض الالتزام بها، ولأن عدد الرافضين لقوانينه المجحفة تزداد كل عام مقارنة مع الآخر، يلجا النظام إلى عقوبة الإعدام وبذلك ازدادت كثيراً في الآونة الأخيرة.

وكشفت وكالة أنباء هرانا المعنية بحقوق الإنسان في إيران في تقريرها السنوي عن حالة حقوق الإنسان لعام 2023، حيث وثقت وجمعت 9656 تقريراً منذ بداية كانون الثاني 2023، ولغاية 20 كانون الأول المنصرم. وتبين أن تنفيذ أحكام الإعدامات قد ارتفعت بنسبة  32%، كما زاد إصدار أحكام الإعدام بنسبة 68% مقارنة بعام 2022.

ففي عام 2023 حُكم بالإعدام على 155 شخصاً، وأعدم 746 شخصاً، كما جاء في تقرير الوكالة، ومن هذا العدد، تم تنفيذ ست عمليات إعدام علناً، وكان من بين الذين أُعدموا هذا العام شخصان تحت سن 18 عاماً على الرغم من أنه إعدام الأطفال بهذا السن محرم دولياً، ومن المعدومين أيضاً كان هناك 597 رجلاً، و20 امرأة. وكان قد حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في تقريره الذي قدمه إلى الجمعية العامة لهذه الوكالة في تشرين الثاني حول انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، من سرعة ونمو معدل تنفيذ أحكام الإعدام، والذي أوضح بأن تنفيذ النظام الإيراني لعمليات الإعدام يتم بمعدل ينذر بالخطر.

وبدورها أفادت وكالة المرأة على موقعها الخاص في تقرير أعدته عن إعدام النساء في إيران، بأنه تم إعدام أكثر من 200 شخص خلال الشهرين الماضيين فقط في إيران، في حين لفتت إلى أنه في عام 2023 أعدم النظام 850 سجيناً، بينهم 15 سجيناً سياسياً أي ما يمثل زيادة بنسبة 43% قياساً عن العام المنصرم.

نصب المشانق رمز التخويف لدى النظام

ولأن المرأة في إيران لم تعد تقبل الظلم والعنف بحقها وبحق شعبها من النظام المتسلط، فقد كان لها النصيب الأكبر من القرارات المجحفة، والقوانين التي زادت من تجريدها عن حقوقها، كما كان لها عدد قياسي في قائمة الإعدامات، فخلال ثلاثة أيام فقط تم إعدام أربع نساء على الأقل.

ففي السابع والعشرين من الشهر الأخير لعام 2023 أعدم ثمانية سجناء، بينهم ثلاث نساء في سجن بيرجند بمحافظة خراسان الجنوبية، كما أعدمت امرأة أخرى من بين أربعة سجناء آخرين في سجن أرومية المركزي بمحافظة أذربيجان الغربية، وذلك في التاسع والعشرين من الشهر نفسه.

وبلغ عدد النساء اللاتي تم إعدامهنَّ في عام 2023 خمسة وعشرين امرأة في إيران كما أعلنت عن ذلك وكالة المرأة.

وكانت قد ذكرت “لجنة المرأة بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية” بأن العديد من النساء اللواتي تم إعدامهن من النظام الإيراني كن ضحايا العنف المنزلي. في حين أكدت، أن معدل إعدام النساء في إيران زادت بعشرة بالمائة عن المعدل السابق. وعدت المسار المتنامي لعمليات الإعدام وبشكل خاصة حالات الإعدام على الملأ العام أداة للتخويف وبث الرعب لإيقاف الانتفاضة.

“المكتوب مبين من عنوانو”

فما أن دخلنا العام الجديد حتى بدأ النظام الإيراني بتسجيل عمليات أخرى للإعدام في صورة يوضح فيها بأن العام الجديد لن يكون أفضل من سابقه، لا ومن المتوقع أن يكون الأكثر قمعاً لإيران، لاستمرارية النظام وبدون اكتراث للإدانات، لسياسته القمعية والمعادية للإنسانية على مدى سنوات.

ويمكن القول: إن المثل الشعبي “المكتوب مبين من عنوانو” هو الأكثر ملاءمة لما سيرتكبه النظام الإيراني خلال عام 2024، حيث نفذ في اليوم الأول من العام الجديد حكم الإعدام بحق خمسة مواطنين، وقد تم تنفيذ الحكم في مركز سجن كرج.

وفي اليوم الثاني من العام الجديد صباح يوم الثلاثاء الثاني من كانون الثاني الجاري تم تنفيذ حكم الإعدام الصادر بحق السجين السياسي الكردي داود عبد اللهي المضرب عن الطعام، في سجن قزل حصار في كرج، بعد سجنه في تشرين الثاني عام 2009 وبعد اعتقاله مع ستة أشخاص آخرين هم خسرو بشارت، وكاميران شيخهن، وأنور خضري، وقاسم أباسته، وفراهاد سليمي، وأيوب كريمي، واتهم وقتها بالعمل ضد الأمن القومي، في حين رفض هؤلاء مراراً وتكراراً على عدم صحة الاتهامات المنسوبة إليهم في رسائلهم، التي نشرتها المنظمات الحقوقية في السنوات الماضية، وفق ما ذكرته وكالة “كوردبا” للأنباء.

وبعد تنفيذ حكم الإعدام جرى تسليم جثة السجين السياسي إلى عائلته لنقلها إلى مهاباد في روجهلات كردستان.

وكان قد بدأ عبد اللهي، المسجون منذ 14 عاما، إضرابا عن الطعام في 26 كانون الأول الماضي احتجاجا على نقله إلى الحبس الانفرادي لتنفيذ حكم الإعدام، الذي صدر منذ آذار عام 2016.

وتحتل إيران المركز الثاني عالمياً بعد الصين في أحكام الإعدام المنفذة، وفق منظمة العفو الدولية، في حين قالت منظمة «حقوق الإنسان في إيران» ومقرها في النروج في تشرين الثاني: إن إيران أعدمت أكثر من 700 شخص في عام 2023، وهو أعلى عدد منذ ثماني سنوات.

وفيما نستخلص مما كشفته بعض الوسائل الإعلامية وكذلك المنظمات الحقوقية المعنية بشؤون الإنسان، فإن النظام الإيراني متعنت بفكره وذهنيته النابعة من الهيمنة الذكورية المتسلطة، والتي تجد في بقائها على كرسي السلطة خلوداً لتلك الذهنية، فيما صمت المجتمع الدولي وكذلك المنظمات الحقوقية والإنسانية عما يفعله هذا النظام بحق أبناء شعبه، ويكتفون بالأقوال لا بالأفعال.