إيزيديات اليوم يعكسنَ صور تقدمهن

تقرير/ بيريفان خليل –

غيَّرت واقعها بنفسها، وتحدّت الصِعاب وتخلصت من المخلّفات التي تركها مرتزقة داعش في ذهنها، إنها المرأة الإيزيدية التي قلبت واقعها من المأساة والضعف إلى القوة والإنجاز.

إبادة عِرقية، مجزرة عامة، فرمان آخر، كارثة بشرية، كلها أوصاف وصِف بها الهجوم الشنيع على قضاء شنكال من قبل مرتزقة داعش والتي ذهب ضحيتها المئات من شعبها ولن ننسى المرأة الشنكالية التي كانت الأكثر ضرراً وإيذاءً.

صور لن تُمحى من الذاكرة

في الثالث من آب عام 2014 خيّمت غيمة سوداء على سماء قضاء شنكال، فأمطرت جشعاً وعنفاً وقتلاً واغتصاباً على أهلها لم يسلم منها الرضيع، الطفل، المرأة ولا حتى المسن. فمن الرضيع من مات جوعاً عندما كانت والدته تسعى للفرار به نحو أرض سلام تحميهم، والأطفال أيضاً ساروا على هذا المنوال حيث العطش والجوع ومشقة الطريق نالت منهم، والمسن الذي لم يكن باستطاعته الهرب بقي في مكانه ليلاقي حتفه على أيادي وحشية ملطخة بالدماء ومنهم من كان محمولاً على ظهر أبنائهم لينجوا من غبار الهجوم الوحشي الذي شنه مرتزقة داعش على المنطقة. أما المرأة فمصيرها لم يكن كباقي أفراد المجتمع بل كانت الأسوأ منهم، فقد سُبيت وقُتلت واُغتصبت وانتحرت وتعاملوا معها كالجارية وبيعت في أسواق النخاسة بأبخس الثمن وحتى الوقت الحاضر هناك من لم ينجو من قبضتهم المتغطرسة التي لامست براءة البعض، بنات في عمر الزهور اُغتصبن مرات عدة من قبل وحوش الإنسانية، هذه المشاهد وغيرها لم تُمحَ من ذاكرة الإيزيديين ولا من ذاكرة من شهد على تلك الفترة.

منفذ وحيد حرّرهم

عندما هاجم مرتزقة داعش قضاء شنكال وفعلوا فيه ما يحلو لهم واحتلوها هرب من استطاع الهروب واحتموا بجبال شنكال الشاهقة التي حمتهم واحتضنتهم لتزيح عنهم أعين المجرمين عدوان الإنسانية؛ المرتزقة، طبعاً أثناء الهجوم فرَّ بيشمركة حزب الديمقراطي الكردستاني دون الدفاع عنهم، وهذا ما سهّل الطريق أمام المرتزقة ليدخلوا إلى شنكال بكل سهولة ويفعلوا هناك ما يحلو لهم من خراب وتدمير وسرقة.

في تلك المحنة أو كما يسميها الإيزيديون فرمان الثالث والسبعون ظهر الناجي الذي فتح لهم الطريق ليعبروه ويصلوا إلى مكان آمن أنهم كانوا حقاً أبطال نُقش عملهم الإنساني هذا في صفحات التاريخ كونهم أنقذوا شعب عريق بأصله الشعب الإيزيدي من أيدي قوة لا تمسها الإنسانية بتاتاً، وحدات حماية المرأة والشعب مهد للإيزيديين الطريق وأرشدوهم وساروا بهم نحو طريق الأمان ليصلوا إلى روج آفا بروح تعطشت للأمان.

ما بعد الإبادة

كما ذكرت آنفاً النساء الإيزيديات كن الأكثر ضرراً فعدم تنظيم أنفسهن في مجتمع غلبت عليه العادات والتقاليد وحرمها من ممارسة حقوقها كان سبباً آخر في عدم تمكنهن من حماية أنفسهن من المرتزقة، وحصل لهن ما حصل. فمنهن من أنقذهن وحدات حماية المرأة والشعب ليصلوا بهن إلى بر الأمان ومنهن من لقين الويل على أيدي مرتزقة داعش. ولكن لم تتوقف وحدات حماية المرأة في دفاعها عن المرأة الإيزيدية فقد حررت المئات منهن في حملات التحرير في شمال وشرق سوريا، ونضالها ومقاومتها من أجل إنقاذ أخواتها الإيزيديات دفعت بالأخيرة إلى تنظيم ذاتها من أجل التضامن مع وحدات حماية المرأة والمشاركة في تحرير ممن لازلن في قبضة داعش.

فكان تأسيس وحدات حماية المرأة ـ شنكال أولى الخطوات التي أخرجت المرأة الإيزيدية من بوتقتها، بعد معرفة الشعب الإيزيدي أن التنظيم هو السبيل الوحيد نحو التحرر وحماية أراضيهم فكانت البداية تأسيس قوات حماية خاصة بهم للدفاع عن أنفسهم. وسميت تلك القوات بـ وحدات مقاومة شنكال (YBŞ). وأعقبها في شباط عام 2015 تأسيس وحدات المرأة في شنكال، وكان تحرير مركز شنكال بتاريخ 13 تشرين الثاني عام 2015 ثمرة نضال تلك القوات لاسترداد أراضيهم، وهذه الوحدات شاركت في حملة الانتقام للنساء الإيزيديات التي هدفت إلى تحرير كل الإيزيديات من قبضة داعش. فكان المشاركة بين وحدات حماية المرأة ووحدات حماية المرأة ـ شنكال نصر بحد ذاته كونننا وجدنا بأن من اختطفت من قبل مرتزقة داعش تشارك اليوم في تحرير أخواتها ممن بقت في قبضتهم.

 سعي للتخلص من المخلّفات

 أعلن عن المجلس التأسيسي لقضاء كانون الثاني في 14 شباط 2015 من أجل إدارة الشعب الإيزيدي نفسه بنفسه وتنظيمه وتدريبيه، طبعاً كانت النساء أيضاً قد نظمن أنفسهم ليعلن عن مجلسهن بتوحيد إرادتهن، وبالتالي إدارة أنفسهن فأخذ هذا المجلس على عاتقه تنظيم النساء وتدريبهن وبعدها تحوّل المجلس إلى حركة حرية نساء إيزيدخان TAJÊ واليوم هناك 8 مجالس خاصة بالمرأة تهتم بشؤونها وتساهم في الرقي بوعيها وثقافتها وتنظيمها أكثر. وعدا ذلك هناك رابطة دعم المرأة الأيزيدية هذه الرابطة أيضاً تعمل بكل جد نحو تحقيق حرية المرأة لتتخلص من مخلفات أخلفها مرتزقة داعش وكذلك عادات وتقاليد المجتمع البالية.

 نظمت نفسها لتسترد حقوقها

ثلاثة أمثلة ستُظهر لنا مدى تقدم المرأة الإيزيدية، منها من تحررت من قبضة داعش والأخرى أصبحت صحفية تظهر ما عانتاه المرأة قديماً وما حققته حديثاً، والثالثة وجدت بأن التنظيم هو الحل الأمثل للنصر والوصول إلى الحرية.

ريهام حسن المرأة الإيزيدية أحسّت بأن التنظيم سيمكن المرأة من تحقيق ما تطمح إليه وتتخلص من العنف الممارس بحقها لتناضل من أجل حريتها، فانخرطت في هذا المجال لتصبح نائبة رابطة دعم المرأة الإيزيدية وهي تشارك اليوم باسترداد حقوق المرأة المسلوبة، تقول ريهام: “تعرضت المرأة الإيزيدية كغيرها للعنف الذكوري فقد سُلبت منها الحقوق ومنعوها من الانخراط في مجالات الحياة كافة، فلم يخلُ المجتمع من أحداث قتل أو تحرش أو اغتصاب هذه الصور دفعتنا للمضي نحو زيادة وعي المرأة من خلال إقامة الندوات وإلقاء المحاضرات وغيرها من النشاطات التي تزيد من معرفتها بذاتها فتصبح أكثر فعالية في مجتمعها”.

محرّرة امتلكت القوة وبدأت من جديد

إحدى المحررات من قبضة داعش تروي لنا ما جرى لها عندما اُختطفت من قبل مرتزقة داعش، نجوى بابير خلف عمرها 28 سنة متزوجة ولديها خمسة أطفال كانت تعيش حياتها مع عائلتها بسبل بسيطة فكان الفرح تعم أسرتها ويعيشون بأمان في موطنهم، ولكنها كغيرها شهدت على الفرمان الذي حصل للشعب الإيزيدي بتاريخ 3 آب 2014 وعندما هاجمهم مرتزقة داعش فرّت مع عائلتها لتحتمي بجبال شنكال (سنجار) وفي الطريق تمكن المرتزقة من اختطافها مع عائلتها وحبسوهم في صالة الحفلات مع آلاف النساء والأطفال وفرقوا بين الآباء والأخوات والكبار في السن والنساء والأطفال، وقد لقى الكبار في السن والرجال حتفهم على أيدي المرتزقة.

تستشهد نجوى بعض الأحداث من ذاكرتها فتذكر: “الكبار في السن ذبحوهم والأطفال ممن هم دون سن 18 سنة دربوهم على عقيدتهم البعيدة كل البعد عن الإسلامية، بقيت أربعة سنوات في قبضة المرتزقة ورأيت ما لم أراه في الأفلام المرعبة من اغتصاب للفتيات القاصرات وبيعهن في الأسواق بأرخص ثمن “.

مقاومة نجوى استمرت مدة السنوات الأربعة ضد المرتزقة ولم تستلم ولم تقطع الأمل لتعود إلى أطفال وتعيش معهم كما عاشت سابقاً، إلا أن تحررت.

ما حصل لنجوى أصبح درساً لها في الحياة فعرفت بأن المرأة لابد من أن تزيد من معرفتها كي لا يستغلها ذوي الذهنية الذكورية، فاكتسبت القوة وامتلكت إرادة قوية وصارت نجوى القوية لا نجوى الضعيفة، فانضمت إلى رابطة دعم المرأة الإيزيدية التي زادتها قوة وسبب انضمامها كما أكدت نجوى هو “انضممت إلى رابطة دعم المرأة الإيزيدية كي أصبح قدوة لكل امرأة تعشق الحرية”.

انتقمت للإيزيديات بعملي الإعلامي

 حاولت أن أظهر ما حصل لشعبي وللنساء الإيزيديات بشكل خاص أثناء المجزرة؛ فرمان 73 ودوّنت ووثّقت الأحداث آنذاك وأظهرتها للرأي العام، بالمقابل أظهرت في بحوثي الإعلامية كيف تحولت شنكال إلى ساحة تنظيم نظم فيها المجتمع نفسه بنفسه، واستطاع التغلب على ما عاشوه سابقاً. تناولت مواضيع تمس المرأة كوني امرأة ويقع على عاتقي إظهار قدراتها وإنجازاتها فتشكيل وحدات حماية خاصة بها والانضمام إلى قوى الأمن الداخلي وكذلك الانخراط في المجالس العامة والمجالس الخاصة بالمرأة، كذلك القيام بمشاريع اقتصادية كافتتاح أفران للخبز وورشة خياطة ومحل للألبسة والمنظفات والأدوات المنزلية، ولن ننسى المجال الإعلامي بتأسيس إعلام خاص بالمرأة هذا المجال الذي يعبّر عن مدى تحرر المرأة وكيفية تغلبها على الفكر السلطوي كونها تعبّر عن رأيها بحرية، كل هذه الأعمال حاولت الإعلامية إظهارها بكل السبل ليعرف العالم كله بأن المرأة الإيزيدية لم تعد كما كانت سابقاً فقد تحررت وتقدمت بفكرها فأنجزت الكثير، والشواهد التي ذكرتها سابقاً تكشف عن مشاركة المرأة في جميع مجالات الحياة؛ التنظيمية منها، الحماية والأمن، الاقتصادية، الإعلامية …..

أحلام حاجي إحدى الإعلاميات دعمتنا بهذه المعلومات عن الشعب الإيزيدي اليوم فقد اختارت المجال الإعلامي لتنتقم للنساء الإيزيديات وتظهر حقيقة المرأة الإيزيدية وأكدت بأن نسبة الإعلاميات تبلغ 60% وهذه النسبة جيدة مقارنة مع ما كانت تعيش المرأة الإيزيدية في واقع مأساوي بضغوطات سلطوية ذكورية.

خلاصة الكلام

“خير الكلام ما قل ودل” لقد حاولت كثيراً تلخيص واقع المرأة قبل وبعد الفرمان الأخيرة الذي جرى بحق الشعب الإيزيدية ونالت منهم ولكن كما دونت في تقريري وحدها الإرادة تنتصر فلم يكن من المتوقع أن نجد الأيزيدية التي كانت في قبضة مرتزقة داعش تحمل السلاح اليوم وتواجه المرتزقة بجسارتها، وتدافع عن أراضها لكيلا تلامسها الأيادي الطامعة بالاستيلاء عليها، وأيضاً تصبح في مركز القرار، وتفتتح المشاريع بنفسها، نعم أنها قوة الإرادة، العزيمة، الإصرار على الوصول إلى الحرية.