إقليم كردستان.. 26 عاماً على أحداث 31 آب والخيانة مستمرة

مرّت 26 عاماً على خيانة الحزب الديمقراطي الكردستاني، عندما أدخل الحزب الديمقراطي الكردستاني جيش نظام البعث العراقي وجلب دبابات البعث إلى برلمان إقليم كردستان.

كان هناك العديد من الخيانات الكبرى في التاريخ السياسي للكرد، لكن خيانة عائلة البارزاني في 31 آب 1996 كانت من أكبر الخيانات. خيانة 31 آب حوّلت مرحلة الانتقال من الإيجابية إلى السلبية بشكلٍ خطير. من التحول إلى الديمقراطية، تغير إلى حكم العصابات والارتزاق.

يعتبر 31 آب من أكبر مراحل تصعيد الحرب الأهلية التي بقيت في ذاكرة الناس حتى اليوم. إذ اعتبر البعض الحادي والثلاثين من آب خيانة ارتكبها الحزب الديمقراطي الكردستاني في حياته، لكن تاريخ اليوم يخبرنا، أنها لم تكن مجرد خيانة وحادثة لفترة معينة. ربما هو نموذج ينعكس على ماضي وحاضر باشور كردستان ويكرر نفسه في كل مرة بطريقة مختلفة.

في تاريخ النضال الجديد في باشور كردستان، هناك العديد من الأحداث التي ملأت صفحات التاريخ السوداء. 31 آب هو أيضاً أحد تلك التواريخ، على الرغم من عدم إبداء موقف يرقى إلى هذه الخيانة، لكنها تحولت إلى غبار وضباب بغيض ولم تترك سماء كردستان حتى الآن.

 

كيف حدثت خيانة الحادي والثلاثين من آب؟

احتج الشعب الكردي في باشور كردستان في عام 1991 ضد نظام البعث وسيطروا على جزء كبير من أراضي باشور كردستان من نظام البعث، ولأول مرة فتحوا أمامهم أبواب الحرية وأضافوا صفحة النصر لتاريخ كردستان.

لكن سعادة أهالي باشور هذه لم تدم طويلاً. ثوار الأمس وحكام تلك الأيام قرعوا جرس الحرب الأهلية على الخلاف على منجزات الثورة وتسببوا مرة أخرى في وقوع الشعب الكردي في المصاعب والمتاعب. كما أصبحوا مثيرين للمخاوف حول الإنجازات التي تحققت بدماء الآلاف من الناس.

بعد الانتفاضة، استمرت التوترات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني PDK وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني YNK، التي كانت موجودة من قبل وتحولت إلى صراعات في بداية أيار 1994. اندلع الصراع الأول في قضاء رانيا بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، ثم انتشرت هذه الحرب في جميع أنحاء باشور كردستان، وأغلقت مقرات YNK في مقر دهوك و مقرات PDK في السليمانية.

في الرابع من أيار 1994، دعا رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني إلى إنهاء الحرب وعقد اجتماع لجبهة كردستان المنحلة، لكن هذا الطلب لم يؤت ثماره، وفي 15 مايو، وصلت الحرب الأهلية بين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني إلى مدينة هولير.

في 19 أيار 1994، تم إنشاء غرفة عمليات السلام في منتجع هافين هاوار في بيرمام في هولير، وبعد اجتماع مسعود برزاني وكوسرت رسول، تقرر وقف إطلاق النار، لكن هذا لم ينجح أيضًا واستمرت الحرب.

في الثالث من حزيران 1994، أعلن الأمين العام لـ YNK، جلال طالباني، وقف إطلاق النار من جانب واحد. وتزامن هذا القرار مع سيطرة قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني والحركة الإسلامية على منطقتي قلادزى وبنجوين.

وفي 31 حزيران من العام نفسه، اجتمع برلمان إقليم كردستان بحضور جلال طالباني ومسعود بارزاني. نجح هذا الاجتماع في الحد من الحرب والتوترات إلى حد ما، لكن حتى نهاية عام 1994 استمرت الاشتباكات في بعض الأماكن.

في بداية عام 1995، بدأت الحرب بين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني مرة أخرى. في 15 كانون الثاني، سيطرت قوات الاتحاد الوطني الكردستاني على مدينة هولير. استمرت الحرب حتى 9 آب1995. التقى المكتبان السياسيان لـ YNK وPDK في دبلن، عاصمة إيرلندا، بوساطة من الولايات المتحدة، لكن هذه اللقاءات فشلت ولم تستطع السيطرة على الوضع.

في 28 تموز 1996، عبرت قوة من الحرس الإيراني حدود باشور كردستان بالتعاون مع الاتحاد الوطني الكردستاني وهاجمت مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني في جبل هيبة سلطان.

في ليلة 17 و18 آب 1996، بدأت الحرب الأهلية للمرة الثالثة في رواندوز بين YNK وPDK. استولى YNK على سفين وشقلاوة واقتربوا من بيرمام. في ذلك الوقت، بقي أقل من ثلث الأراضي في أيدي الحزب الديمقراطي الكردستاني.

في 22 حزيران من العام نفسه، بعث رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني برسالة إلى رئيس نظام البعث، صدام حسين، يطلب فيها لقاء حسين. بدأت الرسالة بهذه الكلمات: “سيدي الرئيس، استخدموا مهاراتكم للنظر في التدخل الإيراني في شؤون العراق”.

بعد أيام قليلة من إرسال هذه الرسالة، ذهب مسعود بارزاني إلى بغداد والتقي بصدام حسين وتوصلوا إلى اتفاق. وفقا لهذا الاتفاق، ساعد جيش البعث الحزب الديمقراطي الكردستاني على السيطرة على هولير. من ناحية أخرى، سمح الحزب الديمقراطي الكردستاني لجيش البعث باعتقال أنصار المعارضة العراقية في هولير وبيرمام والبدء في مهاجمة قواعدهم.

وهذا الاتفاق جعل مسعود بارزاني يسرع في تنفيذ بنود هذا الاتفاق مع صدام حسين. من ناحية أخرى، في 21 آب، قبل يوم واحد من إرسال مسعود بارزاني رسالة إلى صدام حسين، أرسل جلال طالباني رسالة إلى القائد العام للحرس الوطني الإيراني، محمد جعفري، يطلب فيها إرسال القوات بأسرع وقت إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني.

في صباح يوم 31 آب، تحركت قوات جيش البعث من كركوك والموصل إلى هولير، وبلغ عدد الجيش العراقي 30 ألف جندي و150 دبابة. كان أول اختراق لقوات الاتحاد الوطني الكردستاني على طريق غور- هولير. غادر الاتحاد الوطني هولير دون دفاع واحتل حزب البعث مدينة هولير، حيث وصلت دبابات البعث إلى أمام مبنى برلمان إقليم كردستان.

بعد شهر من أحداث 31 آب، هاجمت قوات الاتحاد الوطني مرة أخرى بمساعدة الحرس الوطني الإيراني واستولت على السليمانية واقتربت من هولير، لكن البعث هدد YNK؛ إذا تقدموا أكثر، فسوف يساعدون الحزب الديمقراطي الكردستاني ويهاجمون مرة أخرى.

وبعد تهديدات نظام البعث هاجمت الطائرات الحربية التابعة للدولة التركية قوات الاتحاد الوطني الكردستاني في كوي وشقلاوة ورانيا لمنع تقدم قوات الاتحاد الوطني. لم تسمح طائرات الدولة التركية لـ YNK بالتقدم لتستقر في حدودها السابقة.

كما فتح هذا الطريق لتقسيم باشور كردستان لتكون تحت سيطرة طرفين. بعد هذا الوقت، تم إنشاء إدارتين في الإقليم. على الرغم من وجود حكومة واحدة ومنطقة اتحادية واحدة، فقد تم إنشاء مركزين فعلياً. مركز هولير ودهوك، وهما تحت سيطرة الديمقراطي الكردستاني، ومركز سليمانية وكرميان، تابعان للاتحاد الوطني. يمكن القول أن إدارة مركزين مستمرة حتى اليوم.

عدد الضحايا في 31 آب

ونتيجة للهجوم الذي وقع في 31 آب، فقد 450 شخصاً حياتهم وأصيب أكثر من 200 شخص. كما اختفى أكثر من 100 شخص. يقال إن أكثر من 12 ألف شخص فقدوا أرواحهم في الحرب الأهلية، لكن بعض المصادر تقول إن هذا الرقم أعلى من ذلك، إلا أن مئات الأشخاص ما زالوا في عداد المفقودين.

لا يوجد موقف حيال خيانة 31 آب

حتى الآن، لم يكن هناك موقف يذكر تجاه هذه الخيانة. وبسبب ذلك؛ وبحسب المراقبين، فإن تكرار أحداث مماثلة ليس طويلاً. في كل مرة تتعرض مصالح الأحزاب الحاكمة للخطر، قد تجلب قوات أجنبية إلى أراضي باشور كردستان من أجل تحقيق ما تريد من خلالها.

عدا ذلك، لم يبدِ برلمان إقليم كردستان موقفاً من هذه الخيانة ولم يستنكرها، حتى لا تحدث الأحداث بالطريقة نفسها وكي لا تتمكن أي قوة أن تلعب بتاريخ الكرد ونضالهم وإنجازاتهم.

31 آب يُعيد نفسه

إن الحادي والثلاثين من آب ليس خيانة فقط، في الوقت نفسه، أصبحت هذه الأحداث نموذجاً في تاريخ النضال الجديد في باشور كردستان. في كل مرة كانت هناك صراعات بين القوى الكردية، يحاولون الاستعانة بطائرات القوات الأجنبية حتى يتمكنوا من حماية قوتهم ووجودهم من خلال تلك القوات.

أصبحت الخيانة نموذجاً في باشور كردستان، وآخر الخيانات هي تسليم شنكال لمرتزقة داعش في الثالث من آب 2014، وأحداث 16 تشرين الأول 2017 التي هاجم فيها الجيش العراقي كركوك وسيطرت على مناطق أخرى من باشور كردستان خارج إدارة إقليم كردستان وخسر الكرد 51 في المئة من أراضيهم، وبما أن هذه الخيانات لم تكن موضع نقاش وطني، فقد دفع ذلك الدولة التركية إلى محاولة احتلال 30٪ من أراضي باشور كردستان بدعم من الحزب الديمقراطي الكردستاني.

بعد ذلك تم توقيع اتفاقية شنكال في 9 تشرين الاول 2020 بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحكومة الكاظمي. وفقا للاتفاقية، “ستعود الحكومة العراقية إلى شنكال ويجب تدمير الإدارة الذاتية لشنكال”.

إضافة إلى ذلك، دخلت الدولة التركية، بالتعاون مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، أراضي باشور كردستان لنحو 40 كيلومتراً في بعض المناطق الحدودية وتواصل احتلالها. كما تشن الدولة التركية هجمات على الوطنيين في مدن ومناطق اقليم كردستان بشكل يومي، وخلال الهجمات الأخيرة، استشهد محمد زكي جلبي في السليمانية، وأبو زيد عبد الله عبيد في مخمور، وماموستا شمال “سهيل خورشيد” في كفري.

حتى اليوم، يتضح أن الحزب الديمقراطي يمهد الطريق أمام تقدم الجيش التركي المحتل في زاب.

تظهر مثل هذه الأمور بوضوح أنه حتى الآن، لم تنتهِ الخيانة من هذا البلد وفي كل مرة تظهر بطريقة مختلفة. دخلت الخيانة في أعماق سياسات الحكام الساعين للسلطة، وذلك لحماية مصالحهم وإضعاف القوى المعارضة لهم، يمكنهم ممارسة الخيانة في أي وقت، وجلب المحتلين إلى إقليم كردستان وتسليم الأراضي لهم.

 روج نيوز