رامان آزاد_
يعيشُ مئاتُ آلاف المهجرين قسراً؛ نتيجةَ العدوان التركيّ على شمال وشرق سوريا ظروفاً معيشيّة صعبةً للغايةِ، سواءٌ في المخيماتِ أو المدارسِ أو البيوت شبهِ المهدّمةِ، في ظلِّ تجاهلٍ دوليّ، ومواقفِ مراكزِ القرار الدوليّ التي تصرُّ على تجيير الأولويّةِ الإنسانيّةِ لصالحِ أجندات سياسيّة، وجعلها ورقة ضغطٍ، وشهد مجلس الأمن سجالاً حاداً انتهى على تجديدِ التفويضِ بفتحِ معبر باب الهوى فقط لدخول المعونات الإغاثيّة، فيما يزيد استمرارُ إغلاق معبر تل كوجر من وطأةِ نتائج العدوان التركيّ والإرهابِ.
ظروفٌ معيشيّة صعبة
مشهدُ العوائل التي تفترش أرضية المدارس أو تعيش تحت الخيام بات مألوفاً، يحتملون أسوأ الظروف المعيشية قابضين على جمر الانتظار في ترقبِ حلٍّ سياسيّ شاملٍ وتوافقات دوليّة تفضي إلى إعادتهم إلى بلداتهم وقراهم، إلا أنّ الجهد الدوليّ تجاوز تجاهل معاناتهم، ليكون أحد عوامل تأزيمها، عبر إغلاق المعابر الخارجيّة التي ترد منها المساعدات الإنسانيّة والإغاثيّة والإمدادات الطبيّة في ظلِّ انتشار فيروس كورونا الذي ما زال يحصد أرواح المواطنين، ويزيد العبء أكثر مع دخول فصل الشتاءِ، حيث لا غطاء إلا السماء ولا وطاء إلا الأرض. وسلال الإغاثة التي لا تسدُّ حاجةَ العوائلِ إلا لأيام معدودة.
وتسكنُ عشراتُ آلافِ العوائلِ السوريّةِ التي عانتِ التهجيرِ القسريّ بسببِ العدوانِ التركيّ على عفرين وسري كانيه، وكري سبي/ تل أبيض في عشراتِ المخيماتِ، وكثيرٌ منها يعتمدُ على مصادرَ خاصةٍ محدودةٍ في تدبرِ شؤون معيشتها، فيما تزيد المحنة بانقطاع تواصلها مع العالم الخارجيّ بإغلاق المعابر الحدوديّة، وكذلك محدوديّة تواصلها مع الداخل السوريّ بسبب تعدد الحواجزِ، التي تفرض حالة حصارٍ داخليّ عليها.
أزمة النازحين والمهجّرين قسراً تتفاقم أكثر مع حالة غلاء المعيشة وقلة فرص العمل، في بلدٍ عانى ويلاتِ حربٍ مدمرةٍ، وشهدتِ القرى في الريف والأحياء في المدن معاركَ طاحنةً دمّرتِ البنى التحتيّة، فيما طالت أعمالُ السرقةِ والنهب الممتلكات العامة والخاصة على حدٍّ سواءٍ.
عدم كفاية المخيمات
تسبب العدوان على عفرين واحتلالها في 18/3/2018 بالتهجير القسريّ لأكثر من 300 ألف مواطن، فيما أدّى العدوان على سري كانيه وكري سبي/ تل أبيض في 9/10/2019 بتهجير قسريّ لعدد مماثلٍ. وفق بيانات الإدارة الذاتيّة لشمال وشرق سوريا.
افتتحت الإدارة الذاتية عدداً من المخيمات في المناطق التي تديرها في شمال وشرق سوريا البلاد، فبعد العدوان التركيّ على عفرين واحتلالها افتتحتِ الإدارةُ الذاتيّةُ مخيمات (برخدان، العودة، وسردم، والشهباء، وعفرين)، فيما افتتحت بعد العدوان التركي على كري سبي/ تل أبيض وسري كانيه، مخيمات (نوروز، وواشو كاني، وروج، المحمودلي)، واستقر معظم نازحي تل أبيض في مدينة الرقة وريفها ومخيم تل السمن، 40 كم شمالها. وأقيم مخيمان في مدينة منبج، وتوجد خمسة مراكز إيواء للنازحين في ريف دير الزور تضم نحو ألف عائلة. إضافة إلى مخيم الهول والعريشة جنوب الحسكة اللذين يضمان نازحين بسبب إرهاب مرتزقة “داعش”.
كما أقام عدد آخر من العوائل النازحة في نحو 80 مدرسة في مدينة الحسكة وريفها إضافة لمدارس في مدن أخرى، فيما سكن من يستطيعون تحملَ تكاليفِ المعيشة في المدنِ والبلدات. وفي أيلول 2020، أعلنتِ الإدارة الذاتيّة بدء نقل كافة النازحين الموجودين في مختلف المدارس في الجزيرة إلى المخيم الجديد “سري كانيه” الذي أنشئ شرق الحسكة، إلا أنّه لم يستوعب الأعدادَ الكبيرةَ حتى بعد توسيعه لاحقاً.
نحو مليوني مواطن متضرر
وفي كانون الثاني 2020، ألغى مجلس الأمن التفويض الممنوح للأمم المتحدة باستخدام معبر تل كوجر الحدوديّ بين باشور كردستان وشمال وشرق سوريا. وقلل هذا من قدرة منظمات الإغاثة على دعم نظام الرعاية الصحيّة المتعثر هناك والتصدّي لجائحة كورونا، بحسب هيومان رايتس ووتش. وفي تموز 2020 أغلق معبر تل كوجر، الواصل بين شمال وشرق سوريا وباشور كردستان، عقب فيتو روسيّ – صينيّ، تنفيذاً لأجنداتٍ سياسيّة.
ويقدر ناشطون لمنظمات محليّة أنّ إغلاقَ معبر تل كوجر/ اليعربية الحدوديّ بين سوريا والعراق، تسبب بضررٍ لنحو مليونين من النازحين والسكان من ذوي الدخل المحدود في المنطقة. ورغم مناشدات منظمات ودول أعضاء في الأمم المتحدة لإعادة التفويض، إلا أنَّ تكرر الفيتو الروسيَّ الصينيّ أدّى لرفضِ المقترحات أو تعديلها حتى قبل التصويت أحياناً.
كما علقت أكثر من 40 منظمة إغاثيّة، وطبيّة، دوليّة، عملها في المنطقة، بشكل نهائيّ بعد إغلاق المعبر قبل نحو عامين، بعد استخدام موسكو وبكين حق النقض “فيتو” في مجلس الأمن الدوليّ وأنهى ذلك وصول مساعدات الأمم المتحدة وتقلصت المواد الطبية المستلمة بنحو 70%، ويؤدي إغلاق المعبر لتفاقم معاناة مهجري المخيمات ونقص التمويل المالي لمشاريع الإغاثة الإنسانية وتقديم المساعدات.
وفي 24/11/2021 قال شيخموس أحمد، رئيس مكتب شؤون النازحين واللاجئين في الإدارة الذاتيّة، إنَّ المخيماتِ تواجه نقصاً حاداً في المساعدات الإنسانيّة بسببِ إغلاق المعابر ومحدوديّة إمكانات الإدارة. وأشار إلى أنّ مخيمات المنطقة “تعيشُ وضعاً مأساويّاً متفاقماً خاصة مع اقتراب فصل الشتاء”. وأضاف أنّ النازحين المقيمين في مخيماتِ الإدارة الذاتيّة هم سوريون بالدرجة الأولى، ويدفعون ثمن التدخلات الدوليّة والتحالفات التي تجري على الأرض السوريّة.
وفي وقت سابق، قال خالد إبراهيم، رئيس مكتب شؤون المنظمات في إقليم الجزيرة، لنورث برس إنَّ إغلاق معبر تل كوجر حرم سكان شمال وشرق سوريا، من مساعدات بقيمة 26.8 مليون دولار، جراء توقف الدعم عن الكثير من المنظمات العاملة في المنطقة.
وفي آب 2021، قالت الإدارة الذاتية في بيان إن وكالات الأمم المتحدة من خلال مكتبيها الرسميين في دمشق وقامشلو تتبع سياسة وأهواء الحكومة السوريّة من خلال انتقاء مشاريع وفرض شروط للشراكة مع جهات محلية مُرتبطة بالأجهزة الأمنيّة السوريّة.
سِجال دوليّ وفيتو روسيّ
في جلسة مجلس الأمن المنعقدة في 19/5/2021 تبادلت الولايات المتحدة الأمريكيّة والصين، انتقادات لاذعة حول قيادة العالم في جهودِ مكافحةِ كورونا، ودعت واشنطن بكين إلى دعم قرار أمميّ لإعادة تقديم المساعدات إلى شمال وشرق سوريا عبر معبر تل كوجر على الحدود مع باشور كردستان. وطالبت كيلي كرافت، المندوبة الأمريكيّة الصين “البرهنة على ادعائها بالزعامة العالميّة في مكافحة كوفيد – 19” من خلال دعم “قرار يتيح للأمم المتحدة مكافحة هذه الجائحة بإرسال مساعدات لإنقاذ أرواح عبر الحدود إلى سوريا”.
وعارض مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، قائلاً: “لا تضيّعوا وقتكم على جهود لإعادة فتح المعابر الحدودية المغلقة”. وشدد على أنّه بدلاً من إعادة فتح المعابر الحدودية لنقل المساعدات، لا بدَّ من التعاون مع دمشق بشأن مسألة نقل المساعدات الإنسانيّة إلى سوريا.
في1/7/20121 أعلن المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، رفض بلاده إعادة افتتاح معبر اليعربيّة مع باشور كردستان لإدخال المساعدات الإنسانيّة إلى شمال وشرق سوريا. وقال نيبينزيا إنَّ الاقتراح المقدم إلى مجلس الأمن الدوليّ بإعادة فتح المعبر “غير مجدٍ. وشدد على ضرورة تسليم المساعدات الإنسانية عبر الحكومة السورية.
ورغم المطالبات المحليّة والدوليّة بإعادة فتح معبر تل كوجر أصدر مجلس الأمن الدوليّ في 9/7/2021 قراراً يقضي بتمديد آليّة دخول المساعدات الإنسانيّة عبر معبر باب الهوى الحدوديّ مع تركيا في محافظة إدلب، وذلك على مرحلتين مدة كل منهما ستة أشهر، ليكون ذلك تأكيداً على خضوع المسألة الإنسانيّة للسجال السياسيّ ومنطقِ الصفقاتِ. فالدول المنخرطة في الأزمة السوريّة تنحاز إلى مصالحها دون الأولوية الإنسانيّة.