أين المنظمات النسائية من اغتصاب المرأة في عفرين المحتلة؟!

تقرير/ صلاح إيبو-

---

إلى اليوم لم يسمع صوت لمنظمات دولية أو محلية معنية بشؤون المرأة وحقوقها، برفع صوتها عالياً للمطالبة بمحاسبة تركيا المحتلة لعفرين والشمال السوري على جرائمها ضد الإنسانية والنساء على وجه الخصوص، في عفرين وحدها اختطفت أكثر من ألف امرأة وتعرضن للتعذيب والاغتصاب والقتل، فقط لأنهن شاركن في بناء عفرين قبيل الاحتلال، ورفعن أصواتهن ضد الاحتلال في الأشهر الأولى، فاستهداف المرأة في عفرين كان لهدف كسر إرادة أهالي عفرين وترسيخ مفهوم التهجير والتغيير الديمغرافي بشكلٍ ممنهج.

في آخر خبر متداول حول انتهاكات الاحتلال التركي ومرتزقته في عفرين، وبالتحديد فيما يخص العنف ضد المرأة، قالت مصادر أنّ مرتزقة الجبهة الشامية أقدموا قبل أيام على إعدام فتاة اسمها “نيفين” وشقيقها المختطفين منذ آذار 2019 في أحد السجون العائدة للفصيل في قرية كفر جنة بمنطقة عفرين في ناحية شران. وكانت نيفين من ضمن النساء الإحدى عشرة اللواتي كنّ مختطفات في سجون مرتزقة الحمزات ونُقلت إلى سجن الجبهة الشامية المعروفة بتطرفها الديني، وتم وقتها تداول مقطع فيديو للنساء المختطفات أثناء اقتحام أحد سجون الحمزات في حي المحمودية بمدينة عفرين من قبل متظاهرين غاضبين من الغوطة الشرقية على خلفية حادثة اقتتال داخلي وإطلاق نار لعناصر من الحمزات على شاب من الغوطة.

وبالطبع هذه ليست الحادثة الأولى لإعدام المعتقلين خارج نطاق القانون، وبعد يومين من هذه الجريمة، تم العثور على جثة امرأة لم تكشف عن هويتها قتلت بطلق ناري في سيارة مركونة في الأراضي الزراعية بريف ناحية جنديريسه.

المرأة العفرينية مصدر قوة

العنف الممارس ضد المرأة في عفرين لم يأتِ من فراغ، بل لأن المرأة العفرينية عرفت منذ عقود بقوتها واستقلالية قرارها، فالمجتمع العفريني يختلف في تركيبته الاجتماعية والدينية عن باقي مناطق روج آفا وبعض المدن السورية، نتيجة التطور المعرفي المتراكم في المنطقة منذ ثمانينات القرن الماضي، والنشاط السياسي المتنامي سواء للأحزاب الكردية أو الحزب الشيوعي، وقربها من مدينة حلب. والمرأة في عفرين لم تحرم من التعلم أو حرية اختيار طريقها سواء في الزواج أو ممارسة العمل. ومع انطلاق الثورة السورية وثورة 19 تموز، بات المجال مفتوحاً على مصراعيه للمرأة للتعبير عن قدراتها في شتى المجالات السياسية والعسكرية والإدارة.

عفرين كانت السباقة آنذاك بين مقاطعات روج آفا، لتولية امرأة كرئيسة المجلس التنفيذي، وفي السلك السياسي برزت أسماء عدة ساهمت في لعب دور بارز على الساحة الكردية، والسلك العسكرية لم يكن اقل منه، إن أسماء مثل أرين ميركان، بارين كوباني وأفيستا وغيرهنّ من الشهداء ترمز لمقاومة عريقة ليس دفاعاً عن عفرين فقط بل عن شمال وشرق سوريا وعن سوريا كلها أيضاً.

لذا ركز الاحتلال التركي منذ الأيام الأولى لاحتلال عفرين، على كسر إرادة المرأة العفرينية، فأولى التظاهرات التي خرجت ضد الاحتلال خلال شهر نيسان 2018 كانت لنساء في جندريسه للمطالبة بالإفراج عن المختطفين، كما خرجت العشرات من التظاهرات الأخرى خلال الأشهر الثلاثة الأولى لاحتلال التركي لعفرين، كانت النساء سبقات فيها.

دولة الاحتلال التركي بدأت بسياسة تعنيف المرأة في عفرين بإحياء فكرها الداعشي المتعصب بالتعاون مع مرتزقتها السوريين وهم من بقايا داعش، مارسوا القتل، الخطف، التعذيب، العنف الجنسي وهو ما تسبب بحالات انتحار ضمن نساء عفرين.

خلال الأشهر الأولى للاحتلال بدأت الفصائل الراديكالية بنشر تعاميم وتعليق لافتات ونشرات إعلانية تفرض فيها ارتداء الحجاب على النساء في المدينة والقرى، وهو ما لا يتوافق مع عادات وتقاليد أبناء عفرين الأصليين.

القتل

ومنذ ذاك الحين، تعمل العديد من المنظمات على توثيق الانتهاكات التركية بحق أبناء عفرين ومن ضمنهم النساء، إذ وثقت منظمة حقوق الإنسان في عفرين مقتل ما لا يقل عن 50 امرأة من بينهم مسنات منذ احتلال تركيا لعفرين ولغاية شهر أيلول من العام الجاري.

وتُشير المنظمة خلال تقرير لها، اطلعت صحيفتنا “روناهي” على نسخة منه، إلى أن تركيا تسعى لتهجير منْ تبقى في عفرين من سكانها الأصليين عبر ممارسة ضغوط خاصة على المرأة من اختطاف واغتصاب، وتؤكد أن الأرقام التي رصدتها منظمتهم لا تشكل إلا القليل من حجم العنف الممارس بحق النساء وأهالي عفرين نتيجة صعوبة الحصول على المعلومات من داخل عفرين.

معايير دولية تنتهك

وتُشكل هذه الانتهاكات خرقاً للقانون الدولي الإنساني الذي يحمي النساء بأكثر من شكل، وتم النص على أشكال الحماية في اتفاقيات جنيف الأربعة لعام /1949/ والبروتوكولين الإضافيين لعام /1977/ وفي عدد من الوثائق الأخرى، وتتضمن النصوص المذكورة أشكالاً عامة للحماية تنطبق على الجميع، نساءً ورجالاً، إلى جانب اشكال خاصة للحماية من الاعتداء والاغتصاب والبغاء القسري اأو أي شكل آخر من التحرش الجنسي بحسب اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية السكان المدنيين في زمن الحرب في المادة (27-2) البروتوكول الأول الإضافي والمادتان (75-76) كما نص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن الاغتصاب والرق الجنسي والحمل القسري والتعقيم القسري او أي شكل آخر من العنف الجنسي يمثل انتهاكاً جسيماً لمعاهدات جنيف ويعد جريمة حرب، سواءً تم ارتكابه في سياق نزاع مسلح دولي أو غير دولي. المادة (8-2-ب-22) والمادة (8-2-ه-6) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

انتهاكات

هذه الجرائم التي يصنفها القانون الدولي تحت خانة “جرائم الحرب” ترتكب يومياً في عفرين وتحت مرأى سلطات الاحتلال التركي، إذ خطفت أكثر من /1000/ امرأة من أصل سبعة آلاف مختطف من قرى ونواحي عفرين وفق تقرير المنظمة، والتهم الموجهة لهنّ هي التعامل مع الإدارة الذاتية السابقة في عفرين أو وحدات حماية الشعب.

لكن وفق توثيقات المنظمة يتبين أن الغالبية العظمى من حالات القتل والاختطاف والاغتصاب بحق النساء أو مدنيي عفرين عامة، تندرج تحت بند سياسات معينة لدفع الأهالي للهجرة وترسيخ التغيير الديمغرافي، ومن ضمنها حالة الفتاة القاصرة “هيفين غزالة موري” البالغة من العمر ١٧ عاماً من أهالي قرية “جلمة” التابعة لناحية جنديرسه، وقد قالت المنظمة خلال تقريرها أن أحد مسلحي فصيل فيلق الشام تقدم لخطبة الفتاة هيفين من والدتها وأخوالها لأكثر من ثلاث مرات إلا أنهم رفضوا تزويجها له نظراً لأفعالهم وممارساتهم اللاإنسانية، وبتاريخ 12-5-2020 قام هذا المسلح باختطاف الفتاة ليتزوجها قسراً، وإن ذويها يبحثون عنها في كل مكان ولم يجدوا أي أثر لها وإن مصيرها ما زال مجهولاً حتى الآن.

كما أقدم مرتزقة فصيل النخبة المسيطر على قرية درويش التابعة لناحية شران المنضوي تحت راية فرقة السلطان مراد على اختطاف الفتاة القاصر “ملك نبيه خليل جمعة” البالغة من العمر ١٦ عاماً، وذلك بتاريخ 23/5/2020 في الساعة الخامسة صباحاً يوم وقفة عيد الفطر، والجدير بالذكر أن ذوي الفتاة كانوا قد قاموا بإعلان خطبتها على أحد أقربائهم من قرية إيسكا التابعة لناحية شيراوا وذلك لحمايتها من الخطف والتزويج القسري، وبعد فترة وجيزة من اختطافها عثرت على جثة الفتاة مقتولة وملقاة ضمن الأراضي الزراعية على مقربة من مدينة إعزاز.

وقالت المنظمة أن مصير غالبية النساء المختطفات اللواتي تم كشفهنّ في سجن مرتزقة الحمزات 28-5-2020 ما زال مجهولاً، ومنهم الشابة المختطفة آرين دلي حسن 21 عاماً من قرية “كيمار” التابعة لناحية شيراوا، والشابة هيفاء الجاسم من الشعب العربي حيث تم اختطافها في وقت سابق بتهمة أنها موظفة سابقة لدى “الإدارة الذاتية”، حيث كانت تعمل كممرضة في مشفى أفرين وكان والد الشابة هيفاء قدم شكوى لدى السلطات التركية حول اختطاف ابنته هيفاء، إلّا أن السلطات التركية في عفرين نفت صلتها أو علمها بالموضوع.

وفي آخر حوادث الاختطاف بهدف طلب الفداء، أفرجت ما تسمى “الشرطة العسكرية” عن (عوفة سيدو) المختطفة في سجونها منذ الأول من أيلول 2020، وذلك بعدما تمكنت عائلتها من دفع مبلغ مالي قدر بألفي دولار أمريكي كفدية. ويمثل هذا الجهاز الأمني الذي شكلته سلطات الاحتلال التركي في عفرين ونواحيها مزيجاً من عناصر سابقين في تشكيلات متطرفة، حاولت تركيا إضفاء صبغة حضارية ورسمية عليها، إلا أن انتهاكاتها لا تنتهي بحق أهالي عفرين.

الاغتصاب

وقالت المنظمة ضمن تقريرها إن قرابة 65 امرأة تعرضن للاغتصاب في سجون الاحتلال التركي ومرتزقته، وبعض الحالات من الاغتصاب تم توثيقها ضمن قرى وبلدات ومدينة عفرين، وقالت إن غالبية الحالات لا يتم الإفصاح عنها لاعتبارات اجتماعية وأمنية وخوفاً من العار، في حين قال مركز توثيق الانتهاكات في الشمال السوري أن العدد يفوق هذا بكثير.

وأقدمت خمس نساء على الانتحار بعد تعرضهنّ للاغتصاب في منازلهم من قبل المستوطنين وعناصر الفصائل المرتزقة، وكان شهود عيان خرجوا من سجون الاحتلال التركي في عفرين، رووا قصصاً متعددة عن حالات اغتصاب النساء وفي بعض الأحيان يتم اغتصباهنّ بشكلٍ جماعي.

زواج القاصرات

تطرقت المنظمة خلال تقريرها لحالات زواج قسري لقاصرات في عفرين، ومن بين هذه الشهادات، تقول (أ) 16 عاماً “إلى الآن أنا غير مقتنعة ولا أستوعب أنني متزوجة، كنت أتعلم اللغة الكردية وأحب البزق وأتدرب عليه لكن كل ذلك بات حلماً” هذه الكلمات تلخص ما يجري داخل عفرين وتوضح معاناة مئات الفتيات اللواتي أصبحن ضحية للظروف وأجبرن على الزواج.

ازدادت نسبة تزويج القاصرات في منطقة عفرين إبان سيطرة تركيا والفصائل الموالية لها على المدينة في عام 2018، في حين تقول (ز) 18 عاماً ومتزوجة من عامين من إحدى قرى عفرين: “بعدما دخلت الفصائل القرية، كان العناصر في كل يوم يفتعلون مشاكل مع أهلي وأقربائي وفي كل يوم يتهمون أبي بالعمل مع وحدات حماية الشعب، وبعد كل تهمة يأتي عنصر من الفصائل ليخطبني ويقولون لأبي “سننقذك” وأبي كان يقول أنا لن أزوج ابنتي الآن وهم كانوا يغضبون منه”.

وأضافت: “كنت أراقب الوضع، كان قلبي يحترق على أبي وأمي. أتى شاب كردي لخطبتي وعناصر الفصائل سمعوا بالأمر وافتعلوا مشكلة في القرية وخطفوا الشاب، هنا القرية أصبحت جحيماً”.

وأشارت (ز) أنّها أرادت أن تريح القرية وتابعت: “أخبرت أبي بأن يوافق ووافق أبي وهو يبكي، وبعدما تزوجته، من أول يوم بات يضربني ويشتمني، مثلا يقول لي “أنت كردية ومفضوحة”، لبسوني الخمار الأسود”.

وخلال حديث نسب لحميدة محمد مسؤولة العدالة الاجتماعية للمرأة التابعة للإدارة الذاتية ضمن التقرير قالت إن نسبة تزويج القاصرات في عفرين حتى عام 2013 بلغت 50% وتضيف “إلا أنّه بعد إعلان الإدارة الذاتية في عام 2014 وسن قوانين من قبلها تمنع تزويج القاصرات انخفضت نسبة تزويج القاصرات إلى 10% حتى عام 2018.

وقالت نضال جوجك عضو الحركة السياسية النسوية السورية أنّها حصلت على أرقام دقيقة من منظمات تهتم بشأن المرأة داخل عفرين وأفادت أن نسبة الظاهرة هذه قد ارتفعت، حيث بلغت عام 2019- 40% أي ما يقارب 4500 فتاة، أغلبهم من النازحين.

العنف الممارس في عفرين ضد النساء، وكذلك كحال الشمال السوري المحتل، يتخطى حدود العنف إلى الجريمة الممنهجة بحق الإنسانية، ووفق ما سبق من قوانين تدخل الأفعال التركية ومرتزقتها هذه في خانة الإبادة العرقية الممنهجة لدفع سكان عفرين الأصليين للهجرة عن منطقتهم وترسيخ التغيير الديمغرافي، فالنساء هنّ خط الدفاع الرصين عن بقاء الشعوب والحفاظ على لغتها الأم وعاداتها وتقاليدها، لذا كان استهدفهن في المقام الأول بعد الاحتلال.