قامشلو/دعاء يوسف –
صنع الفنان أكرم بكر من لوحاته مرآة للواقع، مضيفاً إليها لمساته الخاصة، فتراقصت الريشة بين يديه؛ لتمتزج روحه مع الخطوط، والمنحنيات التي أبدعتها أنامله فركز على الداخل بأدق أحاسيسه.
يجلس في مرسمه الذي يقضي فيه جل وقته بين لوحاته، وأقلامه وألوانه، وأفكاره، ليصور لنا الواقع بدقة لامتناهية يضعها على قطعة من الورق، لتجمع لوحاته بين جماليات الإبصار، وبعد الاستبصار بصياغة الواقع المرئي الملموس عبر التركيز على أدق تفاصيله.
تأسره الألوان لتأخذ به لعالمه الخاص، فالألوان كالندى الذي يبرق على وجنة الورق، يصنع أنهاراً من التألق في ثنايا اللوحات، تندفع برقة لتشكل تضاريس المشهد، فيمتاز أسلوبه الفني بالواقعية الشديدة لدرجة أن لوحاته تكاد تكون تصويرا فوتوغرافياً عن الواقع، لينقل إلينا الفنان أكرم بكر الواقعية مضيفاً إليها حسه وشعوره.
من إبداع في الصغر لملاحقة حلم في الكبر
بدأ أكرم الرسم منذ نعومة أضفاره لميله إلى الشكل واللون، فالموجودات من حوله، كانت أشكالها وألوانها تستهويه، فرسم الحيوانات والطبيعة رغم صغر سنه، فأبدعت أنامله الصغيرة في رسم خطوط اللوحات لتنال التميز بين أقرانه، وهذا ما دفع معلميه تشجيعه على تنمية هذه الموهبة، وصقلها لتصبح هواية تسري في عروقه.
وفي لقاء لصحيفتنا مع الفنان أكرم بكر حدثنا عن بداية ولادة الشغف لديه: “كنت أحاول نقل بهجة الواقع بعد أن تنطبع في مخيلتي على أي سطح قابل للرسم، كالورق، والجدران، فهذا الجمال كان يأسرني لأحاول الاحتفاظ به على أوراقي”.
وأكمل الفنان مسيرته الدراسية فدرس الإعلام في جامعة دمشق ليتخرج منها في عام 2007، وبقي حاملاً حبه للفن بين ثنايا قلبه، ليتابع ملاحقة الحلم في أحد مراكز تعليم الفن في مدينة الحسكة: “درست الرسم والتصوير الزيتي في مركز صبري روفائيل للفنون التشكيلية لمدة سنتين من عام 2011، لتعلقي الشديد به”.
وأشار الفنان أكرم بكر إلى عمله في مجال تخصصه الدراسي: “عملت في مجال الإعلام في رسم الكاريكاتير، وكتابة المقالات، ولكني لم أكمل في هذا المجال بشكل رسمي لحبي للفن التشكيلي أكثر”.
الفن يأخذك لآفاق أوسع
وليس فقط الفن التشكيلي ما يجيده أكرم بكر، فالفن ليس مهنة يقوم بها الفنان لأن خبايا روحه تعبق بالفن، ليجيد البكر النحت، والعزف على الآلات الوترية لتضيف الموسيقا لوناً للهدوء الذي يسري في مرسمه.
وتطرق أكرم إلى أهمية الفن في حياته: “الفن هام؛ لأنه جزء من القصة، التي نرويها عن أنفسنا، ولوحاتي الواقعية تحتوي روحي مهما كانت درجة نقلها للمشهد دقيقة”.
وأطلعنا البكر على بعض اللحظات، التي مر بها وهو يرسم في بداياته: “عندما تعلقت بالفن كنت كمن يمسك بقشه ويحاول بها النجاة من الغرق، وكل ما يدور في ذهني، وأنا أنظر لإبداعاتي، هو ملاحقة حلم راودني من الطفولة، لتختلط مشاعر الصبر والإصرار والعزيمة مع الحب والأمل لتطوير موهبتي”.
وتابع البكر: “وكلما كبرت كبر الحلم وزاد الاصرار لأتسابق مع أصدقائي الفنانين، واضع بصمتي الخاصة في مجال الفن، فتولّد لدي دافع التغلب على المشاكل التي تواجهني في كل لوحة، فعندما أرسم أنسى العالم من حولي، وأذهب إلى عالمي الخاص بين ثنايا الخطوط في لوحاتي فالفن يأخذ المرء لأفاق أوسع”.
ودائماً لكل مبدع هناك دور لمن يحيطون به، وشعورهم بشغفه، الذي لا بدّ وأن يظهر بطبيعة الحال ومقدار تفاعلهم مع ما يقوم به بشكل إيجابي من تشجيع ومساعدة، وتوفير لما يحتاجه، وكان الفنان أكرم بكر محظوظاً بوجود أشخاص دعمته في مسيرته الفنية من أصدقاء ومعلمين، وأهل وهذا مانوه إليه الفنان بقوله: “تلقيت الدعم الكبير من المعلمين الذين كانت لهم بصمة واضحة على لوحاتي، وأصدقاء مقربين شكلوا شخصيتي الفنية، ولا أنكر تأثري الشديد بالفنانين العالميين، والمحليين الذين دفعوا إصراري للأمام فلم يسمحوا لي بالتوقف عند نقطه معينه من الإبداع”.
الغوص في أعماق الصعاب والظروف
الفنان أكرم كالكثير من الفنانين غاص في أعماق أحلك الظروف التي واجهته، وأبرَز بموضوعية، وببساطة كواليس هبوطه وصعوده في عالم الفن التشكيلي بقوله: “مررت بالكثير من الصعوبات التي تتعلق بنواحي عديدة منها (المادية والاجتماعية والشخصية)، ومن توفير مواد وخامات الرسم، والمكان الملائم للرسم، فالفنان يحتاج لجو من الهدوء ومكان واسع ليخلق أبداعه، ومواد الرسم كثيرة كالزيوت والأقمشة، والأقلام والنفط والكثير من المعدات وهذه المستلزمات تحتاج إلى موارد مادية كبير”.
تمتاز لوحات الفنان بدرجة عالية جداً من الاتقان سواء بقلم الرصاص أو بالألوان الزيتية، وهذه الأعمال التي تتبع للمنهج الواقعي تحتاج للصبر وللمعرفة، والإدراك البصري، وبين لنا البكر كيف وصل إلى هذه الدرجة العالية من الدقة: “الإتقان يأتي بامتلاك أدوات المعرفة النظرية، والعملية للوصول إلى درجة الاحتراف، فعلى رسام الواقع أن يكون صبوراً مراقباً جيداً لما يريد أن يرسمه ويجب عليه أن يتعلم كيفية النظر الصحيح، وفهم هندسة أي تكوين أو شيء يود رسمه، فالإتقان لا يأتي اعتباطياً بل هو نتيجة لتراكم الخبرات والتجارب الكثيرة والطويلة”.
معارض ولوحات للواقع بلمسات مميزة
شارك الفنان أكرم بكر خلال مسيرته الفنية العديد من المعارض الجماعية في الحسكة وقامشلو مع العديد من زملائه الفنانين ومعلميه في مركز تعليم الفنون التشكيلية، كما ولديه معرض فردي في مدينة الحسكة أقامه عام 2017 في أماكن متعددة من المنطقة.
وأطلعنا البكر عن أعماله الفنية: “أرسم ما أراه، وأقدمه للمتلقي ليحللها ويقرأها بحسب ثقافته وكينونته”، وأعطى الفنان مثالاً لإحدى لوحاته التي غير فيها لون البطيخ من الأحمر للأزرق، وقد يكون هذا اللون غريباً وغير واقعي للناظر.
يعلق البكر على الرسالة المراد إيصالها من هذه اللوحة: “قضية الرسائل، وما يريد الرسام إيصاله للمتلقي مضمونة في العمل الفني، وعلى المتلقي أن يقرأها بحسب ثقافته وحسب ما يراه هو، وهذه اللوحة تحكي عن علاقة الألوان بالأشياء فما الذي سيفكر فيه المتلقي عند النظر إليها بألوان مغايرة للطبيعة، وما هو شعوره إذا رأى الأشياء بلون مغاير لحقيقتها، هل سيشعر بطعم البطيخ نفسه، أم تولد لديه الكثير من التساؤلات، ومنها اختلاف اللون هل سيجعل الطعم مختلفاً من حلو لمر أو حامض، أو سيظنها بارده من لونها الأزرق”.
جهود الجهات المعنية خجولة
