أحمد شيخو: السبب الرئيسي لفشل أهداف مجزرة كوباني هو التنظيم

جمعة محمد – زانا سيدي –

في حوارٍ للرئيس المشترك لمجلس حركة المجتمع الديمقراطيّ في مقاطعة كوباني أحمد شيخو حول المجزرة التي ارتكبها مرتزقة داعش في كوباني وقرية برخ باتان حيث تصادف هذه الأيام ذكراها السنويّة الثالثة، قال: إنّ مجزرة الخامس والعشرين من حزيران كانت محاولة لضرب ثورة روج أفا لوأدها في مراحل البدايات، وعليه يجب الاستفادة من ذلك الدرس وتقوية نظام الحماية والأمن لمنع تكرار مثل تلك السيناريوهات. وفيما يلي نص الحوار:

هناك الكثير من الدول والسلطات الديكتاتوريّة تلجأ لاستخدام سياسة ارتكاب المجازر ضد الشعوب التي تعاديها، كيف ترون هذه السياسة وإلام ترمي؟
على طول مسار التاريخ كانت المجازر ترتكب بحقِّ العديد من الشعوب، وبشكل خاص الشعب الكرديّ، فالحكومات الديكتاتوريّة والمتسلطون رأوا أنّ الأساليبَ التي يستخدمونها باتت غير قادرة للحفاظ على وجودهم، لذلك يلجؤون لاستخدام هكذا أساليب. وكلما انتفض شعبنا واستنشق هواء الحرية وبدأ البحث عن هويته الحقيقيّة، كان العدو يستهدفه بلا رحمة ويرتكب بحقه المجازر البشعة والوحشيّة، التي يُعرف بها محتلو كردستان في أجزائها الأربعة، كما عرف الشعب الكرديّ بأنه ضحية مجازر عبر التاريخ، بدءاً من إسقاط امبراطوريّة ميديا ومروراً بعصر امبراطورية الفرس والعثمانيين وتركيا الحديثة وعهد نظام صدام حسين. وفي كلّ هذه الفترات تغيّر الحكّام، ولكن السياسات بقيت نفسها، والهدف منها قمع الشعب وكم الأفواه والتخويف بعدم المطالبة بالحقوق المغتصبة.

بما أنّنا وصلنا في الحديث إلى السياسة التركيّة التي تعتبر من أكثر الدول اضطهاداً للشعب الكرديّ؛ لماذا تنتهج تركيا سياسة المجازر ضد الشعب الكرديّ؟
إذا ما عدنا إلى الخلفيّة التاريخيّة فكراً والإرث التاريخي التركيّ سلوكاً الذي يشكّل الإرث العثمانيّ الاحتلاليّ التوسعيّ، والجميع يعلم بأن التوسّع العثمانيّ لم يكن إلا عن طريق السيف. والسيف أداة تنفيذ المجازر، كان يستخدم بهدف سلب الإرادة من الشعوب المحتلة وتسيّرها حسبما إرادة قوى الظلم والاستبداد. بمرور الزمن تشكّلت نسبة من الوعي لدى الشعوب المستعبدة في المنطقة، وباتت تشهد زيادة ملحوظة في الحراك الشعبيّ مطالبة بحقوقها وحريتها. وقد انهارت دولة العثمانيين وانكفأ الأتراك حتى وصلوا لحدود الدولة التركيّة الحالية، والقضية اليوم أنّ أشخاصاً على مستوى السلطة والمسؤوليّة في تركيا يعملون على الحفاظ على الإرث العثمانيّ وكذلك ميراث أتاتورك وغيره، وفي سبيل ذلك لا يتورعون عنم استخدام أي أسلوب من الأساليب القذرة لتحقيق هدفهم.
من إحدى هذه الأساليب الخبيثة التي مورست بهدف خداع الشعب الكرديّ هي إشراكه في مجلس إدارة الدولة ومسايرة الكرد باسم إخوة الدين ودولة المواطنة والديمقراطيّة حتى إذا ما ثبتوا أقدامهم في تلك الأرض زصارت لهم الدولة والسلطة تنكروا لوعودهم وانقلبوا على الكرد وبدؤوا بارتكاب المجازر بحقهم، لأنهم كانوا يعتقدون أنّ القوة الأكبر في المنطقة والتي تشكّل خطورة على وجودهم هم الكرد، وطبعاً اعتقادهم هو وهم محض، ففي الجغرافيا متسع لجميع الشعوب لتعيش بسلام. السياسة التركيّة تعيد أفعال الأجداد العثمانيين ومن خلال استعمال القوة والقتل في سبيل الحفاظ على سلطتهم، هم يريدون إعطاء رسالة لبقية الشعوب عبر ارتكاب المجازر بحق الشعب الكرديّ كي تفرض هيمنتها على المنطقة وتتوسع في آفاق مصالحها وهيبتها على حساب شعوب المنطقة ودولها.

الآن لنتحدث عن مجزرة كوباني؛ مع الأخذ بعين الاعتبار الأوضاع السياسيّة والعسكرية في المنطقة، ما الهدف الذي أُريد تحقيقه من تلك المجزرة؟
المجزرة لم تكن في كوباني وحدها وحسب، بل كانت استمراريّة لمجزرة شنكال التي تمّ ارتكابها قبل مجزرة كوباني. وبالطبع فإنّ هذه المجازر ليست بعيدة عن الوضع السياسيّ والوضع الميدانيّ وحالة الفوضى التي غرقت فيها المنطقة ، فالقوى الظلاميّة التي عبرت إلى منطقة الشرق الأوسط تحت مسمّى «داعش»، يمكن أنّ البعض ما يزال ينظر إليها وفق ظاهر شكلها الحالي «داعش» مستقلةً إلى حدٍ ما عن إرادة الدول، ولكننا قلنا في البداية وما زلنا مصرّين على رأينا إنّ الكثيرَ من القوى وخاصّة الدول التي تحتل كردستان يختبئ خلف هذه العباءة السوداء. وكما قلنا في حديثنا ذلك الوطن الذي يتفاخرون به تمّ توسيع حدوده بالسيف وفيه ارتكبت الكثير من المجازر، والآن مرّة أخرى ظهرت تلك الوحشيّة التي تمتد على مرّ التاريخ بشخصيّة واسم داعش في القرن الواحد والعشرين.

إذاً أنتم تقولون بأنه كان لتركيا يد في هذه المجزرة؟
ليست هذه المجزرة وحسب، دعني أوضح الأوضاع التي سبقت حصول المجزرة فعندما عبر مرتزقة داعش إلى المنطقة عبر البوابات التركيّة، ظهرت أهداف الدولة التركيّة، وجميع الدول التي تحتل كردستان تغاضت عن الحدث فرأتها فرصة للقضاء على المساعي الكرديّة للتحرر بقيادة حركة الحرية الكردستانيّة، وخاصة بعد ثورة روج آفا التي وصلت إلى مرحلة كبيرة وبدأ صداها يتردد في الأوساط العالميّة. أرادوا أن يلحقوا ضربة بهذه الثورة في خطواتها الأولى بهدف إعاقتها، لذلك هم جربوا أمثلة عدة مثل تحريض المجموعات المرتزقة ومرتزقة جبهة النصرة وأحرار الشام للهجوم على هذه الثورة والنيل من مكتسبات الشعب الكرديّ ومن خلالهم جميع شعوب المنطقة، لكن لم يستطيعوا، لذا لجأوا في الأخير إلى استخدام مرتزقة داعش، الذين كان ظهورهم في هذه المنطقة وبكلّ هذه القوة وتوجّههم إلى مناطق مثل كوباني وشنكال لم يكن محضَّ صدفة، هذه كانت الخطوات الأولى من المجزرة حيث بدأت المجزرة الكبرى؛ الأولى في شنكال ثم كوباني.
كانت العوامل التي ساعدت مرتزقة داعش على العبور إلى هذه المنطقة هي أساليبه الوحشيّة مثل قطع الرؤوس وتفجير السيارات وقتل الأبرياء، وهذا ما شابه تاريخ العثمانيين، وإن أثبت ودل هذا على شيء فإنه يدل ويثبت على تواجد الارتباط الأيديولوجي والفكري فيما بين الاثنين. وعلى الرغم من ذلك، مضى الشعب الكرديّ مصرّاً بقوة شبابه وحرّر كوباني وشنكال وبدأت حلقة التحرير تتوسع يوماً بعد يوم، وارتبطت آمال كبيرة بكوباني، لذلك وعندما رأت الدولة التركية بأن الخطط التي وضعتها ضد كوباني انقلبت جميعها، وبدأت ترى بأنّ كوباني ستصبح منبعاً لنشر الفكر الديمقراطيّ في كامل سوريا، لجأت لاستخدام سياسات أخرى أكثر قذارة، كانت إحداها مجزرة كوباني، وما هو مؤكّد مئة بالمئة أن تركيا شريكة في هذه المجزرة فالكثير من المرتزقة عبروا من أراضيها إلى كوباني، والجميع يعلم من هي الجهات التي خططت لتنفيذ تلك المجزرة. مثال الدولة التركية وأردوغان الذي كان يقول إبان معركة كوباني في كل حين بأن كوباني سقطت، كل القوى التي تحتل كردستان لها فائدة ومصلحة من إضعاف الكرد والحد من المكتسبات التي كان الشعب يحققها. وهذه المجزرة تم ارتكابها بيد الجميع، يمكن أن يكون مستوى حضور البعض في هذه المجزرة أقل لكن في النتيجة الجميع شريك فيها وفي مقدمتهم الدولة التركية التي حتى يومنا الحالي تقدم الدعم لداعش وتوجههم صوب مناطق روج آفا والشمال السوري.

– ما مدى تأثير المجزرة على المجتمع في كوباني؟
شئنا أم أبينا هنالك تأثير، ولكن لا شيء مطلق، وبالتالي هنالك تأثير سلبيّ وآخر إيجابي؛ من الجانب السلبي؛ هدف العدو لم يكن قتل 250 شخص، بل الهدف كان إفراغ كوباني والحدّ من تأثير المكتسبات التي تحقّقت فيها، وسلب المعنويات والإرادة من الشعب، وبالتالي لن يستطيع خطو خطوة إلى الأمام والتعبير عن نفسه والسعي لحريته. والهدف الآخر كان إلحاق ضربة بالقوى التي تكبر يوماً بعد يوم وإيقاف حملات التحرير التي كانت تقودها. لقد تأذت الكثير من العائلات وأصبح الكثير من الأطفال أيتاماً وتوقفت الحياة لأيام عدّة في كوباني وفقد فيها الأبرياء حياتهم، وحتى يومنا الحالي ما تزال بعض العائلات تعاني من تأثير تلك المجزرة التي لم تخطر على البال وجرت في ليلة غادرة.
وقد كانت هنالك جوانب إيجابيّة للمجزرة؛ فالشعب التف حول بعضه ووقف حاجزاً أمام محاولات توسيع المجزرة، والأهم من ذلك هو عدم تحقّق أهداف الدولة التركيّة التي أرادت أن توجه دفّة القوات مرة أخرى صوب كوباني وتنظيم حملة كبيرة ثانية ضدها لكسر ارادتها الحرة. ولم تحقّق المجزرة أهدافَها على العكس فقد تحوّلت المجزرةُ إلى دافعٍ ومحفّزٍ لنخطو خطوات أكبر انتقاماً لشهداء المجزرة، وقد تمّ الانتقام لهم بالفعل، ما زال الانتقام لهم مستمرّة حتى يومنا الحالي.

-برأيك ما العوامل التي ساعدت في عدم تحقيق أهداف المجزرة؟
لقد كان الشعب في كوباني منظماً من حيث العمل المؤسساتيّ، حيث تمّ تشكيل المجالس واللجان في الأحياء والقرى وكان العمل على مستوى عالِ، وهذا التنظيم بإمكانه العمل في أشد الظروف قساوة، بالرغم من النواقص الكثيرة والثمن الكبير الذي تم دفعه، لكن بالنتيجة كان هنالك أساس تنظيمي كان العامل الأبرز في افشال تحقيق الأهداف المتوخاة من تلك المجزرة البشعة.

-بغض النظر عن محاولات الأعداء الدائمة لاستهداف الشعب الكردي. يرى مراقبون بأن هناك ثمة ضعف من الناحية الأمنية وهذا ما سهل مهمة مرتكبي المجزرة، كيف تعلقون على ذلك؟
ذكرنا في حديثنا بأن النواقص كانت كثيرة ونحن كان يجب علينا أن نكون حذرين أكثر، ولكن تحدث مثل هكذا عمليات في البلدان المتقدمة كأوروبا وأمريكا وجميع الأماكن التي تصرف فيها المليارات لتقوية القوى الأمنية، وشهدنا في الآونة الأخيرة عدة عمليات إرهابيّة في أوروبا نفسها.
كانت هناك مجموعة من أعضاء الأسايش التي لحقت بالمتسللين من المرتزقة الدواعش الذين اعتمدوا على الحيلة، إن كان هنالك ضعف فتلك المجموعة لم تكن لتتواجد ولم يكن أعضاؤها الستة ليستشهدوا. ولولاهم لكان عدد ضحايا المجزرة أضعاف الذين استشهدوا، لكن يمكن القول إنه في تلك الفترة لوحظ نوع من أنواع عدم المسؤوليّة وعدم أخذ المسألة بالجديّة التي تستحق لدى لجان الحماية في الأحياء لأنّهم لم يتوقعوا مثل هذه الهجمة، لكن بالمجمل يمكنني القول بأنّ الضعف الأمنيّ هو السبب الرئيس الذي ساهم في حدوث المجزرة فإنّ هذا الأمر أتوقع بأنه بعيدٌ عن الحقيقة، ماذا تفعل إن كان هنالك أشخاص جهّزوا أنفسهم للموت، يمكن أن تتمكن من الحد من انتشار هكذا ظاهرة لكن لن تسطيع الوقوف بوجهها، ومع ذلك علينا العمل على تقوية نظام الحماية الخاص بنا أكثر لعدم تكرار مثل هذه المجازر بحق شعبنا.

– ما الذي يجب فعله لتنجب تكرار سيناريو مشابه لمجزرة 25 حزيران؟
بعد المجزرة بشكل مباشر بدأنا بخطوات هامة حيث توجّهنا للمجالس والكومينات وفعّلنا لجان الحماية الداخليّة فيها وشكّلنا قوى الحماية الجوهريّة التي تتواجد الآن في كلّ حي، بالإضافة إلى أنّنا تجاوزنا مشكلة نقص الأسلحة وأجهزة التواصل اللاسلكية. ولكنني أكرر بالرغم من أن جهوداً بذلت على أرض الواقع لمنع تكرار سيناريو مشابه، لكننا لم نتمكن من إتمامه على أكمل وجه ومن المؤكد أن نواقصاً ستظهر في إحدى الجوانب، لكن بشكل عام يمكننا القول بأن خطوات جيدة تم خطوها من ناحية الحماية وتم اتخاذ تدابير وتشكيل قوى أمنية، والأهم هو أن شعبنا بات على دراية بهذه الأساليب التي تنهجها العدو، ومدينة كوباني لم تشهد مثيلاً لهذه المجزرة من قبل، لذلك علينا التعاون جميعاً من قوى أمنية وأهالي لتلافي النواقص التي ظهرت واستغلها الأعداء ونفذوا تلك الجريمة النكراء.

هل من كلمة أخيرة تودون توجيهها للأهالي في كوباني بحلول الذكرى الثالثة للمجزرة؟
نقدّم أحرّ التعازي لذوي شهداء المجزرة. ونؤكّد بأنّ الانتقام لهم يتمّ بشكل يوميّ، ونقول بأنه من الضروريّ أن نستخلصَ الدرس من المجزرة ونعمل على تقوية نظام الحماية في مناطقنا، وألا نبقى بانتظار قوى لتأتي من الخارج وتحمينا، وليكن اعتمادنا على أنفسنا وكل شخص منا يجب أن يكون عنصراً أمنياً ويتحمل المسؤولية الامنية، وعلينا التدخل فور رؤيتنا لأي عمل قد يعرض شعبنا للخطر والتدخل أو أخبار الجهات المختصة بأي تحركات مريبة قد تشكل خطراً على أمن وسلامة المواطنين.