داعش انتهت وتبدّدت

منان خلباش –

بعد تمدد مرتزقة داعش وسيطرتها على الموصل والرقة ودير الزور، والوصول إلى مشارف بغداد ودمشق وكركوك وسواها، كانت جدران الموصل والرقة وغيرها من المدن، المليئة بكتابات وشعارات داعشية، من قُبيل “الخلافة الإسلامية باقية وتتمدد”.

وربما كانت الأوضاع والظروف قد تغيرت بشكل كبير في العراق وسوريا، تزامناً مع ظروف الخراب والدمار والأوضاع المأساوية التي حصلت في أغلبية الدول العربية بعد ما تمخضت من ظروف وأجواء، جراء أحداث “الربيع العربي” وظهور داعش بخطابه وشعاراته وأساليبه وجذبه لفئات تحت عناوين الدين والخلافة، وتجييشهم لمعاركه وأعماله التوسعية.

وكان الخطأ الكبير الذي وقع فيه المرتزقة هو توجههم إلى مدينة كوباني الكردية، لجعلها “عين الإسلام” ليواجهوا وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، حيث مُنيَت هناك بهزيمة ومن ثم بدأ العد التنازلي ومرحلة الخسارة بالنسبة لها، وتتالت هزائمها في الموصل والحسكة ومنبج وشنكال وتل أبيض والرقة ومؤخراً في دير الزور، ولولا تلك المقاومة البطولية؛ لكانت داعش قوة لا يستهان بها في الشرق الأوسط؛ الأمر الذي كان بعض الأطراف ومنهم الرئيس الأمريكي السابق أوباما، ذهب إلى توقعات بشأن القضاء على داعش بأن القضاء عليها يتطلب عقود عديدة بحيث لا يمكن لقوة بمفردها القضاء على هؤلاء المرتزقة بعد سيطرتها على أجزاء واسعة من دول مثل سوريا والعراق، وكذلك بعد توفر الإمكانيات الضخمة لديها من عتاد وأسلحة ومقاتلين مستعدين للتضحية تحت تأثير الأموال والشعارات البراقة.

حيث كانت قوات سوريا الديمقراطية هي التي تصدت لهؤلاء المرتزقة، وأطلقت عدة عمليات عسكرية، للتخلص من داعش بعد أن بات خطراً كبيراً يهدد مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية والاستقرار والسلام في المنطقة بأكملها؛ ما أدى إلى دخول التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على الخط ولتبدأ بالقضاء على المرتزقة، وتزامن ذلك التهديدات التركية لمناطق شمال سوريا، والحجة هي حماية الأمن القومي التركي وحدود الدولة التركية من “التنظيمات الإرهابية” وهي تقصد بذلك قوات سوريا الديمقراطية والقوات المنضوية تحت لوائها. لهذا؛ أطلقت تركيا عملية درع الفرات في جرابلس والباب، وبعدها غصن الزيتون، حيث اُحتلت من خلالها عفرين بعد التفاهم الروسي الإيراني التركي عام 2018 وكأنها كانت رداً على دحر داعش في منبح وتل أبيض والرقة وسواها. احتلال عفرين من قبل الجيش التركي ومرتزقته من الجماعات المعارضة المتأسلمة، وبمشاركة بعض بقايا المجلس الوطني الكردي كشف زيف الأقنعة لدى الأطراف المختلفة الواحدة تلو الأخرى، وعلى الرغم من ذلك لم تُقدم قوات سوريا الديمقراطية على وقف الحرب على جبهة دير الزور، ولم تقع في المصيدة التي نُصِبت لها من قبل أطراف مثل تركيا. ولكن؛ التهديدات التركية لم تتوقف، بل ازدادت، حيث هددت باجتياح منبج ومن ثم شرقي الفرات، وخلقت الكثير من المشاكل للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة للحد من دعم قوات سوريا الديمقراطية. ولكن؛ استمرار قوات سوريا الديمقراطية في دحر الإرهاب وظلامه، فوتت الفرصة لإيقاعها في حبال السياسة التي حيكت لاحتلال عفرين ولبعثرة الأوراق كما طلب وتم توزيع الأدوار. وصدور القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا، وظهور حالات التشفي والتهديد والوعيد من الأطراف المختلفة وكأن الإرهاب لا يعني أحداً، لا وانحصرت الأولويات في خلق حالة غريبة تميزت بالارتباك والتوتر لدى جميع الأطراف. وانتفاء الانسجام والتركيز وظهور حالة من التخبط غطت على الأولويات والأهداف الرئيسية، والتي كانت لها تأثير على مستقبل المنطقة ومصيرها، بعد الصفقات والأدوار والرهانات المشبوهة والغريبة التي جرت بين الدول الإقليمية والدولية على الساحة السورية.

والآن وقد وصل داعش إلى نهاياته المحتومة في الباغوز، حيث النهاية لكل طامع ومعتدٍ، ومرة أخرى يظهر أن هناك محاولات مشبوهة لعرقلة ما تحقق من انتصارات، ولخلق أجواء جديدة لدفع المنطقة نحو حروب جديدة، وإشعال فتن بين المكونات السورية وشعوبها، وما تسعى إليها الدولة التركية من تحقيق أحلامها، ستفشل بتكاتف شعوب المنطقة ودفاعها عن أرضها.