السلطة في سياقات مختلفة … ومفهوم المفكر أوجلان للسلطة والإدارة الذاتية

قاسم إبراهيم –

إن المئات من المفاهيم والمصطلحات السلطوية؛ قد تولدت عبر السياق الزمني ذلك السياق المرتبط بمواكبة التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والحضارية، وبالتالي أصبحنا أمام سيل جارف من أنواع السلطة هذه المعضلة الضاربة جذورها في أعماق التاريخ، لذلك أصبح من الصعب الحصول على تعريف دقيق وموضوعي لمفهوم السلطة يجمع أو يتفق عليه إذاً سنكون أمام تعريفات عدة لمفهوم السلطة نذكر منها:

السلطة هي حق اتخاذ القرارات التي تحكم تصرفات الآخرين، وقد تطلق على الجهة التي تملك هذا الحق أو مفهوم أخلاقي يشير إلى النفوذ المعترف به كلياً لفرد أو نسق من وجهات النظر، وقد تكون سياسية أو أخلاقية أو علمية أو… وتعاريف كثيرة لا تعد ولا تحصى.

مع تطور نمط الحياة من الرعي إلى الاستقرار فالزراعة والصناعة وما بعد الصناعة وإلى الحاسوب والحقائق الافتراضية؛ حافظت السلطة على جوهرها، مع تزايد في معانيها وأنواعها وتعتبر السلطة الفلسفية هي من أقدم أنواع السلطة والتي ارتبطت بالمفاهيم الفلسفية القديمة. ونتيجة التطور الذي حصل أصبحت السلطة السياسية السلطة الأعلى في المجتمعات البشرية وأداتها الرئيسة الدولة، هذه السلطة هي التي كرست اتفاقيات تدميرية بحق الشعب الكردي وتقسيم كردستان وفلسطين، وهي التي اعتقلت المفكر أوجلان وجلبت الويلات والآلام لكثير من الدول، وهي المسؤولة عما آلت إليه طموحات الشعوب وهي خاطفة ربيع الشعوب كما جعلت هذه السلطة المجتمع يعيش نفيرا مستمراً، وهي تدق طبول الحرب والسلم والبحث يطول ويطول في هذا السياق. وليس هذا موضوع بحثنا إنما النقطة الهامة والأساسية في هذا البحث طرح المفكر أوجلان أحد عمالقة الفكر في العالم لمفهوم السلطة، والذي وضع يده على قلب هذا المصطلح ليقدم صورة واضحة المعالم للسلطة غاية في الدقة والوضوح والضبط العلمي والفلسفي وهذا مسلك المفكرين فيقول في تعريف السلطة بأنها: “مجموع العلاقات التاريخية والاجتماعية والمؤسساتية؛ تتربع على الميادين والأنسجة الأكثر حيوية في مسار التاريخ وسياق التطور الاجتماعي وتعمل على جعل نفسها تقاليداً وأعرافاً لا تتزعزع”

ويصادق أوجلان على التعريف الأنسب للسلطة تأسيساً على المدنية بقوله: “عبارة عن توظيف جميع أنواع النشاطات الاجتماعية؛ بهدف جني فائض الإنتاج ومضاعفته والاستيلاء عليه”.

 كما نجد المفكر أوجلان أكثر حرصاً ودقة وموضوعية في نظرياته بتصنيفه للسلطة إلى سياسية واقتصادية واجتماعية ووطنية وأيديولوجية وعسكرية وكونية، حيث قدم دراسة واسعة وقام بخلع الضبابية وكل عناصر الإعاقة عن مفهوم كل صنف من أصناف السلطة بلغة بالغة الإحكام وبوعي عميق لحركة التاريخ يقول: “إن أخطر أنواع السلطة تلك السلطة المركزية المهيمنة والمجسمة في شخص تطاع كل أوامره ومن المستحيل قيام أية سلطة مهيمنة دون مركز اقتصادي، ويستحيل أن يعزز نفسه على المدى الطويل دون التوجه صوب إكمال ذاتها بالهيمنة الأيديولوجية التي هي تعادل الاقتصاد في الأهمية، كما أن السلطة الاجتماعية فحين تتجسد الطاقة الكامنة للسلطة غيبياً فإنها تشكل دولة ما بطبقتها الاستغلالية الاجتماعية التي ترتكز إليها نخبها الحاكمة”.

هكذا حلل المفكر أوجلان بنية السلطة والأصناف التي يتألف منها ويمكن تلميح عدة نماذج من السلطة كما عرفها وصنفها أوجلان:

ـ السلطة السياسية: الشكل الأكثر رواجاً وشيوعاً (كنماذج الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني).

ـ السلطة الاقتصادية: وتعبر عن القوى الرأسمالية التي تحتكر فائض الإنتاج والتحكم في العالم عبر رأس المال.

ـ السلطة الاجتماعية: وتعبّر عن عملية وتقاليد القوة الاحتكارية القائمة على تنفيذ عملية سلب فائض الإنتاج والقيمة والاستيلاء عليه. وتشكيل الطبقات الاجتماعية وفق ذلك.

ـ السلطة الإيديولوجية: وتعني الذهنية الحاكمة لدفة الحكم، الشخصيات، والمجموعات الرفيعة المستوى في العلاقات العلمية والثقافية هي في منزلة السلطة الإيديولوجية.

ـ السلطة العسكرية: وهي المؤسسة الأولى في تكافؤها مع السلطة وهي شكل السلطة الأكثر تطرفاً والأكثر اللا اجتماعية والأكثر اللا إنسانية. إنها أم جميع السلطات أو بالأحرى أمها.

ـ السلطة الوطنية: وهي السلطة المركزية السارية ضمن إطار الأمة وتحرص على التعبير عن ذاتها على أنها وحدة لا تتجزأ يمكن نعتها بالهيمنة الوطنية.

ـ السلطة الكونية: وتعبر عن مستوى هيمنة المدنية أو الحداثة أو إمبراطوريتها.

 وعن السلطة والإدارة الذاتية يلقي المفكر أوجلان الضوء على موضوع كان غامضاً في ذهن الكثير من المفكرين والسياسيين، في تحدي الإدارة الذاتية للسلطة وإغلاق فم منظومة السلطة فيقول: “إن السلطة تتسلل إلى البنية الاجتماعية كورم سرطاني. لذا؛ ينبغي الانتباه جيدا للحنين إلى السلطة بين صفوف المجتمع فيقدر استفحاله ويتكاثر المستبدون الاجتماعيون الصغار؛ وهذا يعني استهلاك واستنزاف الديمقراطية”.

ويضيف المفكر أوجلان قائلاً: “بقدر ما يكون حكم السلطة مناهضا للديمقراطية في المجتمع؛ فإن الإدارة الذاتية مرتبطة بالإدارة الديمقراطية بالدرجة نفسها”.

يعطينا المفكر أوجلان مثالاً حياً في هذا الصدد يقول: “العشائر والقبائل عبر التاريخ قد عاشت في جوهرها الإدارة الذاتية وفضلت أن تكون مجتمعاً رحالاً في الجبال والوديان، على أن تُذعن للحكام السلطويين؛ لأن الإدارة الذاتية لا تتحول إلى سلطة ولا تتيح المجال أمام ولادة القمع والاستغلال، كما أن المجتمع لم يتخلَ قط عن رغبته في الإدارة الذاتية، بل صعّد دوماً عن مطالبه في الإدارة الذاتية في وجه الحكم السلطوي”.

 ويبني أوجلان موقفاً تضامنياً مع عبارة تلفظ بها ميخائيل باكونين الفيلسوف والعبقري الروسي، والذي يعتبر من أكبر الثوريين الروس في القرن التاسع عشر مفادها أو ما معناها: “ضعوا تاج السلطة على رأس الرجل الأكثر ديمقراطية فيتحول إلى أكبر ديكتاتور خلال أربع وعشرين ساعة أو سوف تفسد أخلاقه”.

ومن المفيد الإشارة إلى دراسة أمريكية جديدة عن السلطة التي وجدت أن السلطة تولِّد النفاق وتجعل الناس أكثر صرامة حيال تصرفات الآخرين الأكثر ليونة مع الذات، وحسب الدراسة أن السلطة والنفوذ قد يؤديان إلى انفصال تام بين الحكم العام والسلوك الخاص. لذلك؛ فإن الأقوياء أكثر صرامة مع الآخرين وأكثر تساهلاً تجاه تصرفاتهم الخاصة وان اولئك الذين يحتلون أكثر الوظائف نفوذاً هم الأكثر نفاقاً في تصرفاتهم الشخصية وأشد صرامة عند الحكم على الآخرين.

 أما الفئة الأقل نفوذا؛ فكانت الأكثر خرساً مع النفس من الآخرين والأقوياء يفرضون القواعد والقيود على الآخرين، بينما يتجاهلون هذه القيود على أنفسهم ولا يشعرون بالاستحقاق ذاته وهكذا نجد أن السلطة تعتبر من أكثر الأشياء تأثيراً على حياتنا، ونحن لم نلملم جراحنا بعد من آثار هذه السلطة. ولكن؛ مع الأسف السلطة للمال مع ان الواجب أن تكون للعلم والأخلاق. ش