محمد عباس: “هدفنا الحفاظ على حقوقنا وحقوق شعوب المنطقة قاطبة”

حوار/ رفيق ابراهيم –

أجرت صحيفتنا حواراً مع رئيس حزب التجمع الوطني الكردستاني محمد عباس تمحور حول التهديدات التركية لشرق الفرات، والقرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا، واللقاءات التي تجري بين الإدارة الذاتية والنظام السوري، والنشاط الملحوظ بخصوص الوحدة الوطنية الكردية وبعض المواضيع الأخرى التي تتعلق بما يجري في الشمال السوري وسوريا بشكل عام، حيث قال: “إن المسؤول الأول والأخير عن عسكرة الثورة السورية هي تركيا وبعض الدول الأخرى، وهي تسعى إلى احتلال الشمال السوري بالإضافة إلى الموصل وكركوك وشنكال”.

وأكد عباس على أنّ تركيا لو أقدمت على حماقةٍ ما في مهاجمة الشمال السوري سيكون ذلك  بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لها، وأن على النظام السوري أن يدرك بأنه لا يمكن العودة إلى ما قبل 2011 وأظن أنه يعي هذه الحقيقة تماماً، وأن القرار الأمريكي بالانسحاب لم يكن قراراً مفاجئاً وربما يكون تكتيكاً لخلط الأوراق في المنطقة، وأشار إلى أن هذه المرحلة التاريخية تتطلب من جميع الشعوب التوافق والوحدة وتحمل المسؤولية كاملةً.

وإليكم نص الحوار كاملاً:

ـ لا تزال التهديدات التركية مستمرة على شمال وشرق سوريا، هل ستنفذ تركيا تهديداتها بمعزلٍ عن المحيط الإقليمي والدولي؟

تركيا ومنذ الأيام الأولى من الأحداث التي جرت في سوريا تدخلت فيها، وحرضت الإخوان المسلمين ومدت يد العون لهم. ولكنها؛ لم تنجح كثيراً فيما كانت تفكر به، وظنت بأنها قادرة في السيطرة على سوريا عبر الإخوان الذين حولوا مسار الثورة من سلمية إلى ثورة القتل والتدمير، والسبب باعتقادي هي تركيا وبعض الدول الأخرى.

وبالطبع عندما فشلت تلك المشاريع والمخططات التركية، أدخلت المجاميع المسلحة الإرهابية كداعش والنصرة وغيرها من الفصائل الراديكالية إلى الداخل السوري جهاراً نهاراً، وبينما كان الإرهاب يلفظ أنفاسه الأخيرة أحست بأن الموالين لها قد خسروا على الأرض السورية، تدخلت في عفرين واحتلتها، بينما كان المجتمع الدولي يتفرج على ما ترتكبه تركيا من جرائم بحق الكرد، وهم من دافع عنهم بكل إخلاص من خلال محاربتهم الإرهاب العالمي.

ولأن تركيا لديها أطماع قديمة في المنطقة ونتيجة تغاضي المجتمع الدولي عن الأعمال التركية وانتهاكاتها، عملت على توسيع تلك المناطق التي تحتلها. ولذلك؛ تسعى إلى احتلال الشمال السوري وصولاً إلى الموصل وكركوك وشنكال. وتهدد هذه المناطق وتعقد الاتفاقات والصفقات مع الجميع مع الروس وإيران وحتى مع النظام السوري، وتحاول الآن مع الولايات المتحدة وبخاصة بعد قرار الانسحاب الأمريكي، لتحل محلها وتفعل ما تريد. نعم إن سنحت الفرصة لتركيا بالتدخل في الشمال السوري فهي لن تدخر أي جهد في ذلك وستنفذ تهديداتها. ولكن؛ يجب أن يتوافق الجميع على هذا التدخل. هي لا تستطيع الهجوم على الشمال السوري بمفردها ما لم يكون هناك توافق دولي في ذلك، وكلنا نعلم أن الأزمة السورية دُوّلت وهناك صراع المصالح في سوريا بين الدول والقوى الفاعلة، فالروس لهم مصالح والأمريكان والأوروبيين لهم أيضاً مصالح وبين هذا وذاك هناك تركيا وإيران أيضاَ تسعيان للسيطرة على ما أمكن من الأراضي السورية، بالإضافة إلى أن وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية، استعدت جيداً لمواجهة العدوان إن حدث. وبالمعنى الأصح تركيا وإن هاجمت هذه المناطق بمفردها ستخسر الكثير، ولن تكون نزهة كما تتخيلها؛ لأن القوى الدولية لن تسمح لها بذلك وأنا أقول بأنه سيكون هناك نوع من التفاهمات بين هذه القوى، على كيفية الخروج من هذا المستنقع، وأعتقد إن أقدمت تركيا على حماقةٍ ما ستكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لها.

ـ في هذه الفترة حدثت لقاءات بين ممثلي الإدارة الذاتية والنظام السوري، ما نظرتكم لها وإلى ما ستؤدي وبخاصة إن قوات التحالف الدولية متواجدة على الأرض؟

نحن سوريون بالدرجة الأولى ولا أحد يشك بانتمائنا الوطني، وتلك الادعاءات التي تقول بأن الكرد يحاولون الانفصال وتجزئة التراب السوري ما هي إلا كذب وافتراء، وكل هذه التأويلات عارية عن الصحة ولا أساس لها، ونحن ننفي هذه الاتهامات التي نُتهم بها جزافاً، وعلى العكس تماماً نحن الذين حافظنا على وحدة الأراضي السورية، وإلا لماذا ذهبنا إلى الرقة والطبقة ودير الزور. ولكن؛ لدينا حقوق سنطالب بها وهناك طرق كثيرة للمطالبة، ليس هذا فحسب فنحن نطالب بحقوق الآخرين الذين يعيشون معنا منذ آلاف السنين من العرب والسريان والأرمن والشيشان والتركمان وغيرهم. ولهذا؛ كان لا بد أن تفتح قنوات للتواصل مع النظام السوري لأنه وفي النهاية ستكون هناك مفاوضات بين الطرفين الأكثر تواجداً على الأرض، ونحن نؤمن بأن الحوار السوري ـ السوري هو الحل للأزمة السورية إن شئنا أم أبينا، ونسعى إلى إيجاد حل سياسي سلمي للقضية السورية. ولهذا؛ فالحوار مع النظام سيستمر وليس مع النظام فقط، بل مع جميع السوريين؛ لأنه وفي النهاية السوريون هم المعنيون بإيجاد الحلول التي ترضي جميع السوريين ومن دون استثناء. بالطبع على ألا تكون هذه اللقاءات على حساب المكاسب التي تحققت بدماء آلاف الشهداء، لدينا حقوق وعلى النظام الاعتراف بها وتحقيقها، ومطالبنا واضحة ولا لبس فيها وهي الديمقراطية وسوريا لا مركزية تعددية، الجميع فيها متساوون في الحقوق والواجبات، وتحقيق العدالة والمساواة بين المكونات كافة وعلى كل الجغرافية السورية، إن تحققت هذه المطالب الشعبية ووافق عليها النظام السوري في دمشق وأقرها ضمن دستور سوري جديد فلِما لا، وعلى النظام أن يدرك بأنه لا يمكن أن تعود مناطقنا إلى ما قبل الأحداث، وأظن أنه يعي هذه الحقيقة تماماً.

ـ الموقف الروسي متذبذب حول الضمانات لتلك اللقاءات وكلنا شاهدنا كيف تخلت روسيا عن عفرين وباعتها لتركيا من أجل مصالحها، فهل مِن الممكن الوثوق بروسيا؟

بصراحة نحن لا نثق بأحد؛ لأن الدول التي دخلت إلى سوريا كلها أصحاب مصالح، وروسيا تبحث عن مصالحها في سوريا، وأمريكا تبحث عن تلك المصالح والاتحاد الأوروبي هكذا وأيضاً البقية الباقية. الكل جاء لتحقيق مصالحهم وهذا ما لا نقاش فيه. ولكن؛ العيب فينا كسوريين لماذا نحن أيضاً لا نبحث عن مصالحنا، ونضع حداً للخلافات القائمة ونسعى لتذليل العقبات التي تقف في طريق إيجاد الحلول، ولماذا لا يكون بيننا كسوريين حل توافقي سياسي كي ننقذ الإخوّة التاريخية القائمة منذ القِدم وحتى يومنا هذا، والتي يجب أن تبقى وتستمر إلى ما لا نهاية، ونحن لا نلوم الروس ولا الأمريكان ولا غيرهم وكما قلت كل هؤلاء أصحاب مصالح وجاؤوا لتحقيقها. ولكن؛ لدينا إيمان بجدلية المقاومة التي لا بد منها إن تعرضنا لأي خطر وهذا ما لا مفر منه، فمن يأتي ويقتلني في عقر داري من الأولى أن أقاومه وأقف في وجهه، وليس من الخطأ أن أتحالف مع هذا وذاك في سبيل الحفاظ على المكتسبات التي تحققت، وإن كانت لهؤلاء مصالح كما قلت فنحن أصحاب هذه الأرض والثروات التي جاؤوا من أجلها هي لنا جميعاً، ولنا الحق بالدفاع عن أنفسنا وبكل الوسائل المتاحة والممكنة، ولا أحد يلومنا على التعاون مع الروس أو الأمريكان أو دول الاتحاد الأوروبي أو حتى مع النظام السوري، إذا كان ذلك  من أجل تجنيب مناطقنا كوارث قد تحدث إذا ما هاجمتنا الدولة التركية المارقة.

ـ بعدما فشل اتفاق إدلب بين الروس والأتراك، ما هي نظرتكم للواقع وكيف ستصبح عليه الأمور في الأيام المقبلة بإدلب؟

هناك صراع مفتعل في إدلب واليوم جبهة النصرة هي التي تسيطر على معظم المدينة وريفها وحتى ريف حماه وحلب، والأمور معقدة في تلك المحافظة لا نعلم حقيقةً ما ستؤول الأوضاع هناك. ولكن؛ ومن خلال تواتر الأحداث يبدو أن الروس والنظام يخططون لشن علمية عسكرية هناك. وأنا أرى أن الحلول العسكرية لن تأتي بنتيجة، بل ستؤدي إلى المزيد من الخراب والدمار والتهجير، ومن الأفضل أن يكون هناك تواصل بين القوى الوطنية السورية هناك، وبين قوات سوريا الديمقراطية من أجل تحرير تلك المناطق من تركيا والفصائل المرتزقة الموالية لها، وإن لم نصل إلى الحلول السياسية في سوريا ما قد يؤدي إلى إطالة أمد الحرب فيها إلى أجل غير مسمى، وقد تكون هناك حرب عالمية ثالثة على الأرض السورية، ستؤدي إلى دمار شامل لسوريا ولشعبها الذي ينتظر الحلول منذ ما يقارب الثماني سنوات.

ـ كيف تقرؤون الواقع السوري ومواقف دول التحالف فيما يخص الانسحاب الأمريكي من سوريا؟

السياسة الأمريكية تتبع مصالحها وإن اختلفت في بعض الأمور الثانوية، وأمريكا لها مصالح كبيرة في الشرق الأوسط ويجب أن تحافظ عليها، وهي تسيطر على موارد المنطقة ولها تحالفات كبيرة فيها وبخاصة مع دول الخليج. وقرار الانسحاب لم يكن مفاجئاً بالنسبة لنا، وربما يكون قراراً تكتيكياً اُستخدم لخلط الأوراق، ومن المؤكد أن الأمريكان يهمهم البقاء في هذه المنطقة لأسباب عديدة، وخروج القوات الأمريكية لا يعني بالضرورة أنها ستتركها؛ لأن لها قواعد هنا وفي الدول المجاورة ويمكنها الانطلاق منها متى ما أرادت. وأعتقد بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عن تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير، إرضاءً لسياساتها في المنطقة؛ فهي الدولة الأولى في العالم اقتصادياً وعسكرياً، ولا يمكنها ترك المنطقة لمصير مجهول وتسلمها على طبق من ذهب لإيران وروسيا وتركيا، ومواقف الدول الأخرى أيضاً تتبع مصالحها التي يجب أن تحافظ عليها، وما يهمنا أننا لا نعتمد على الآخرين. ولكن؛ يجب أن تكون هناك علاقات كما قلت مع الجميع للحفاظ على حقوقنا ككرد وحقوق جميع المكونات الأخرى.

ـ في هذه الأوقات هناك نشاط ملحوظ بخصوص وحدة الصف الكردي، وكما تعلمون شُكِّلت في الآونة الأخيرة لجنة لمتابعة هذا الأمر مع القوى الكردية كافة، ما هي موجِبات الوحدة الوطنية الكردية، وهل هناك أمل في رأب الصدع بين القوى والأحزاب السياسية الكردية؟

لم نقطع الأمل يوماً ما من أن تتوحد صفوف الحركة الكردية منذ نشأتها وحتى يومنا هذا. ولكن؛ نتيجة الجهل الذي نعانيه والأنظمة الديكتاتورية والقمعية التي تحتل كردستان، فأن هذه الأنظمة خلقت فينا الفكر المتخلف وحاولوا بشتى الوسائل إبعادنا عما يجب أن نفكر به، وكرسوا التفرقة والكره والحقد بين الكرد أنفسهم، ونحن إلى يومنا هذا نعاني من نتائج هذه الأعمال العنصرية التي مارسوها ضدنا. وبعد ثورة تموز في روج آفا ومنذ قيام الإدارة الذاتية ونحن نحاول تحقيق حلم الوحدة بعدما حققنا الكثير من المكاسب، وما يحز بالنفس هو وقوف بعض الأحزاب جانباً ولم تعر لهذا الجانب الهام أي اهتمام، وعمل البعض منهم على معاداة ما قمنا به والاصطفاف إلى جانب من وقفوا أضداداً لنا، وحرضوا الكثير من أبنائنا إلى الهجرة وترك الوطن ونحن كنا بأمس الحاجة لهم. وحصلت بيننا وبينهم عدة اتفاقات وشُكِلت المرجعية الكردية، ولأسباب غير مقنعة وشخصية أو حزبية أو إرضاءً لبعض الدول تخلوا عن هذه الاتفاقات التي وقّعناها معاً، وبعد ذلك دعوناهم إلى مؤتمر وطني كردستاني ولكنهم رفضوا الحضور، دعوناهم إلى اللقاء التشاوري في السليمانية ولم يستجيبوا. واليوم نحن بأمس الحاجة إلى عقد مؤتمر وطني كردستاني؛ لأن الأخطار كبيرة علينا والتهديدات كثيرة علينا، ومع ذلك ندعوهم اليوم أيضاً ولكنهم لم يردوا علينا. وما أريد قوله هو أن على الرئيس مسعود البارزاني أن يسعى للقيام بما يجب أن يقوم به في هذا الجانب، وأن يكون ورقة ضغط عليهم ليقوموا بالموافقة على قبول مبادرتنا والجلوس على طاولة الحوار، وهو قادر على تحميلهم المسؤولية الكاملة بفشل هذه المساعي. ونحن من جهتنا أبوابنا مفتوحة للجميع وترتيب البيت الكردي يجب أن يكون من أولويات الجميع، والإدارة الذاتية مستعدة أن تتحاور معهم في كل الجوانب، ويمكن أن نصل معاً إلى توافقات فيما يخص مصيرنا كشعب كردي يعيش على أرضه التاريخية، وهذا المرحلة التاريخية تتطلب منا التوافق والوحدة وعلى الجميع أن يتحمل مسؤولياته، وألا يتهرب ويترك هذه الخلافات تنهش في الجسد الكردي الواحد، فتكون مطيّة للآخرين لاستغلالها لصالحهم.