في دوائر عشق ثلاثي الأبعاد

آراس بيراني-

“تخفي ظلك بحقائب غريبة عنك/ وعن الدروب، تغلقها بأقفال الغربة/ فتعلن حضوري / بين عينيك وجدراني”. تكتشف تجربة الغربة في بلاد الصقيع.. الشمال الأوربي، فترتل أناشيدها بحزن شفيف تبتعد عن الإيقاع التقليدي وتبتكر صوراً جديدة، وتترك بعضاً من نصوصها بنهايات مفتوحة.. ربما تترك مهمة إقفال النص أو ختمه للقارئ: “في عتمة الصقيع/ في بلاد بعيدة/ في بلاد ولدت بلا حضن، بلا حبل مشيمة”، تجربة الأمومة والحب والعيش في كنف مدينة عتيقة مثل دمشق وظلال جدرانها وأريج ياسمينها المعرش على حجارتها، مشاعر فياضة ترتقي بنفسها إلى عتبات الوجع والألم، لتغدوا أكثر إشراقاً وأملاً..

وكونها تتعامل أحيانا مع المفردات بوضوح، ثم تلج عالماً سوريالياً مختلفاً، تمنح لغتها الشعرية طبقات عميقة من التكثيف ومن وعيها الداخلي، فتنشأ مشاهد وصور شعرية قريبة لعالم الفن التشكيلي، فتذوب في ألوان الوطن عشقاً وشوقاً، فهي مثل نورسة بيضاء تجوب الضفاف.. عبر كتابات تتسم بالحيوية اللغوية والقدرة على رسم الملامح الداخلية دونما افتعال أو مبالغة، فهي تلتزم الصدق في كل الأمور، وتتقن إضافة السمات الأنثوية كالبوح وروح الاعتراف وتلك اللمسة السرية للحرف وصوتيات مفرداتها، فإيقاع نصوصها المترعة بالشجن والحزن توكلها لتسمو بالموسيقا الداخلية التي تحمل أنفاسها، فهي تدرك أن هناك في الوطن عالماً صاخباً بالتحولات والقضايا العامة دون أن تغفل عن خصوصيتها وفردانيتها كإنسانة وكشاعرة، فهي تشعر برداءة الوقت وتشعر بجرعات الوجع والوحدة والبرد والغربة، لتنطق قصائدها في أفق ربيع جديد.. تغرد للجمال وللسلام وللحب:  “كدم غزالة / في عراء الله/ أنسج الغياب من بياض ياسمينة/ تغفو على كتف جدار دمشقي…”.

“عشق ثلاثي الأبعاد” كتابات شعرية مترعة بالغياب، طافحة بالحنين، مغموسة بالحب، مرايا مفتوحة الجهات والأبعاد تتركها لنا الشاعرة فيروز مخول علّ القارئ أو المتلقي يجد ضالته هناك في مساربها الشعرية نحو عشق حقيقي للحياة وللوطن وللروح.. “سأترك نوافذ الشوق مفتوحة /علٌك ذات وجد / تجهض حنين اشتياقي..”.

هذا الكتاب الأنيق يحمل عالماً من الصور الرقيقة، ودفقاً من المشاعر الدافئة انسابت على بياض لتمنح الحياة فيضاً من الجمال عبر بوح امرأة لقلبها نقاط التقاء ما بين النجوى والحَيرة الانفعال، بعشق ثلاثي الأبعاد نحو أزلية الحياة، وخلود الكلمة الحقيقية تمنحنا حكمتها ورغباتها بصدق، فالأديبة ومن خلال كتبها الصادرة تمنحنا أيضاً تجربة في الكتابة الشاقة، وتجربة حياة… “كيف أبدد عتمة برودك/ لست أيوب/ خلعت صدى الصبر/ ارتديت أثواب الحرب”.

من بلاد الصقيع في شمال أوروبا تكتب كل دفء دمشق، تكتب وجع دمشق، وعشق دمشق.. نصوص من الشعر تقدمها ابنة الشام المغتربة فيروز مخول التي أصدرت كتابها الشعري الأول (خربشات روح) ومجموعتها الشعرية الثانية (راقص الريح).. ليكون كتاب (عشق ثلاثي الأبعاد) كتابها الثالث، وبذلك يمكننا القول أن إصداراتها المتنوعة امتلكت روحاً مدهشة من الجمال واللغة التعبيرية المشحونة عاطفياً بموسيقا إيقاعية داخلية سكنت عمق المفردات الموحية إلى أبعاد أكثر توغلاً في النفس الإنسانية، حافظت دوماً على مد خيط هارموني ربط بين مواضيعها الشعرية وجهات بوحها الشعري لتمنح المتلقي مساحة استطاعت أن تضيئها من سيكولوجية المرأة، ولترسم خريطة طريق جديدة لصياغة النص الشعري وكتابته..