أوجلان.. والحوار بين الشعوب

رجائي فايد-

خلال اجتماعات اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار العربي – الكردي الذي عقد في القاهرة أيار 1998طُرح سؤال يتعلق بالطرف الكردي الذى سيشارك في الحوار، وكنت أرى كعضو في اللجنة أن يقتصر الحوار على الكرد العراقيين فقط، على أساس أن مشكلتهم تتشابك مع مشاكلنا، وبالتالي هم الذين يهموننا (عربياً)، في حين أن الأجزاء الأخرى في تركيا وإيران وسوريا، ليست بنفس الأهمية (عربياً)، وانتصر موقفي بالاقتصار على دعوة كرد العراق لهذا المؤتمر.

رغم أنه بعد شهور قليلة من انعقاد هذا المؤتمر، اكتشفت بأن موقفي كان خاطئاً، إذ كان من الأفضل أن يشمل الحوار كافة الأطراف الكردية، لأنه ما من مشكلة قائمة في المنطقة تعيش بمعزلها عن باقي المشاكل، فكل مشكلة صغرت أو كبرت تدخل في حوار (ديالكتيكى) مع باقي المشكلات الأخرى، وتأكد ذلك عندما توترت العلاقات بين تركيا وسوريا بسبب وجود حزب العمال في سوريا والجنوب اللبناني. وأسفرت التهديدات التركية إلى تدخل بعض الأطراف العربية لنزع فتيل تلك الأزمة، وانتهت بتحقيق مطلب تركيا، وسط ما يشبه رضوخ عربي وسط تناسيهم لمطامع تركيا الدائمة في الأرض العربية، وخير مثال (لواء اسكندرون)، وحققت تركيا بتوقيع اتفاقية أضنة احتمالات تحقيق مطامع مستقبلية، وذلك باجتياح الأراضي السورية بحجة حماية أمنها القومي (كما حدث في عفرين بالشمال السوري).

 ولو كان الحوار قد توسع كما يجب ليشمل كافة المناطق الكردية في (سوريا وإيران وتركيا) لكان من الممكن توضيح الأطماع التركية في الأرض العربية، وكان من الواجب أن يشكل الكرد إضافة لنا لا خصماً، ولأن المطامع التركية والإيرانية ليس لها حدود فقد استخدمت اتفاقية أخرى مع العراق (الملاحقة الساخنة)، لتحقيق نفس الأطماع في العراق. وفيما يشبه الاعتذار عن موقفي السابق، وربما الاعتذار أيضاً عن موقف بعض الأنظمة العربية، كان كتابي الذي شاركت فيه مع الصديق أحمد بهاء الدين شعبان رئيس الحزب الاشتراكي المصري فيما بعد (أوجلان الزعيم والقضية)، واجتهدنا فيه معاً من أجل تقديم صورة واضحة للحركة الكردية في تركيا وموقفها المعادي للاستعمار العالمي، وسعيها لنيل حقوقها المشروعة.

بل اتضح لنا من خلال التحضير لهذا الكتاب، بأنه لم يتوقف نضال هذا الحزب عند حدود الحركة الكردية فقط، بل توسع نضاله ليشمل حقوق كل الشعوب المنتهكة ومنها الشعب الفلسطيني، وكان هذا سبباً لتحالف القوى الاستعمارية من أجل (اعتقال أوجلان)، وسجلنا في الكتاب معركة قلعة شقيف واستشهاد 12 مقاتلاً كردياً في تلك المعركة، لنثبت للقارئ العربي أن هذه الحركة النضالية كانت في حقيقتها إضافة لنا. لكننا أهدرناها من خلال توقيع اتفاقيتي (أضنة) و(الملاحقة الساخنة)، ووصلت رسالة من (أوجلان) إلى اللجنة التحضيرية، تمنت النجاح لهذا المؤتمر الهام شرح فيها بشكل مقتضب أبعاد الحركة الكردية في تركيا بمواجهة النظام الفاشي التركي، وفيما بعد حبس العالم أنفاسه ليتابع المطاردة المثيرة بين قوى الشر الدولية للظفر بهذا المناضل (أوجلان) الذي يناضل من أجل الشعوب المضطهدة في محاوله لاستنهاض همم تلك الشعوب، وهذا درس لنا بضرورة الحوار، ربما تحقق بعض هذا الفهم من خلال اللجنة العربية المطالبة بحرية أوجلان، وإننا نتمنى لمسعاها النجاح والتوفيق.