No Result
View All Result
المشاهدات 1
رجائي فايد-
لم يكن من اللائق أن أنعى شخصية تاريخية هامة في بضعة سطور، كما حتمتها الظروف، لأن شخصية نضالية عراقية وكردية (كبهاء الدين نوري أبو سلام)، لا يجوز أن يكون وداعه في بضعة سطور، إذ يجب عليّ أن أتطرق إلى فكره ومواقفه النضالية، وبشكل موضوعي، لقد التقيت به أول مرة خلال فعاليات مؤتمر الحوار العربي الكردي عام 1998، ضمن وفد الاتحاد الوطني الكردستاني، وأهدى إليّ مذكراته، وأذكر أنها كانت من أمتع المذكرات الشخصية التي قرأتها. والتي تتضمن تسجيلاً نقدياً لمرحلة تاريخية هامة في تاريخ المنطقة والحركة الكردية في العراق والحركات اليسارية، فبعد أن تلقى الحزب الشيوعي ضربات موجعة من النظام الملكي، أسفرت عن إعدام أهم كوادره حينئذ، وعلى رأسهم السكرتير العام للحزب (يوسف سلمان)، نشأت حاجة التيار الماركسي إلى شخصية لديها المقدرة على إعادة بناء الحزب من جديد، فاستدعوا (أبو سلام) من المنطقة الكردية إلى بغداد، ليتقلد مسؤولية سكرتارية الحزب الشيوعي العراقي في الفترة من 1949 و1953. ورغم أنه في تلك الفترة كان في العشرينات من عمره، إلا أنه نجح في مهمته، يقول “كان عمري 22 عاماً عندما استلمت قيادة الشيوعي العراقي، وكان الحزب مثخناً بالجراح بسبب إعدام مؤسسه، كان الحزب محظوراً ومطارداً، ونجحت الشرطة في سحق تنظيماته، والقبض على مركزه القيادي السري خمس مرات متتالية، في أقل من سنة وسط انهيار بعض كوادره الذين لم يصمدوا تحت التعذيب الوحشي”. كان يتساءل “ترى ماذا أستطيع عمله وسط كل هذه الصعوبات، وبجيوب خاوية، لا تدخل إليها سوى دريهمات من اشتراكات أعضائه، وتبرعات أصدقائه”. إلا أنه تمكن وفي هذا العمر الغض من الإسهام بشكل فعال في بناء الحزب الشيوعي العراقي من جديد والحفاظ عليه، حتى صقلته هذه التجربة المبكرة، مما جعلته مبدئياً بشكل ربما يتناقض مع ما يمليه عليه العمل السياسي أحياناً.
فقد كان معارضاً لكافة نظم الحكم في العراق (بدءاً من النظام الملكي وصولاً إلى النظام الجمهوري وبالذات النظام البعثي والنظام الحالي حيث غلبت عليه الفوضوية بشتى أنواعها)، وفضلاً عن ذلك كان الراحل كاتباً مرموقاً ويكتب باللغتين العربية والكردية، (بالرغم من أنه في شبابه لم يتقن اللغة العربية الذي اجتهد وأجادها فيما بعد)، واستمر في الكتابة حتى آخر يوم من حياته، وكانت له مؤلفات عديدة، منها روايته الشهيرة (قرية في سفح جبل)، إضافة إلى مئات المقالات والدراسات والأبحاث السياسية والفكرية. ورغم تقدمه في العمر وما حمله على كاهله من تبعات النضال الطويل، إلا أنه كان نشيطاً وموجهاً، وفى الحراك الشعبي الأخير في العراق احتجاجاً على تدني مستوى المعيشة ومظاهر الفساد، فقد حرص رغم تراجع وضعه الصحي على توجيه رسائل تأييد للمتظاهرين، لكن رغم تاريخه النضالي الطويل، وحرصه على ألا يبتعد في شيخوخته عن مشاكل العراق، إلا أن آلية التصويت في الانتخابات الأخيرة التي تعتمد على البصمة، حرمته من المشاركة فيها، وكأن القدر كان يقول كفى يا أبا سلام ما قدمته من نضال للعراق وقد آن أوان راحتك، وللحديث بقية مادام في العمر بقية.
No Result
View All Result