د. علي أبو الخير
تُعتبر سوريا ساحة للتنافس والصراع بين تركيا وإسرائيل، ومع تفاقم الخلافات، لجأ الطرفان إلى إجراء مباحثات لتجنب وقوع صدام بينهما داخل الأراضي السوريّة، وأُجريت جولة أولى من هذه المباحثات في دولة أذربيجان في يوم 11 نيسان 2025؛ بهدف التوصل إلى صيغة تفاهمات واضحة لتفادي تصعيد التوتر بين البلدين.
وهذا يعني لنا أمرين، الأمر الأول هو أن تركيا لا تعطي أولوية لاستقرار سوريا ومصالحها الداخلية، وكل يهدف إليه الرئيس أردوغان هو إضعاف سوريا ومعها باقي دول المنطقة، خاصةً العراق ولبنان.
أما الأمر الثاني هو أنه لا يوجد حالة عداء بين تركيا وإسرائيل، بل يوجد تفاهم لتقاسم النفوذ بينهما على حساب الأرض والشعب السوري، بعد أن صارت سوريا غنيمة، أو صارت كاليتيم على مائدة اللئيم.
أهداف تركيا
تتباين أهداف الطرفين التركي والإسرائيلي في التعامل مع الوضع في سوريا. فمن جهتها، تسعى تركيا إلى تحويل سوريا إلى عمق استراتيجي لها؛ ومحاربة الكرد في سوريا حتى لا يصبح النموذج الكردي السوري ملهماً للكرد في تركيا، أي محاربة السوريين وفتح سوريا للجيش التركي للتوغل في كافة الجغرافيا السورية لمحاربة الكرد؛ وهي تساعد سلطات دمشق لقتل العلويين والدروز والإيزيديين؛ دون خجل من دين أو إنسانية؛ كما تضع أنقرة عينها على عملية إعادة الإعمار، التي تنطوي على استثمارات هائلة لإنعاش الاقتصاد التركي، ولا تخفى العلاقة الوثيقة التي تجمع الأتراك بسلطات دمشق الحالية سواء المدنيين أو العسكريين، خاصةً أن قطاعاً مهماً من الجيش السوري تَشَكلَ من عناصر الجيش الوطني السوري، الذي أسهمت تركيا في تأسيسه عام 2017 وتولت تمويله وتدريبه وتوجيهه، واليوم يتولى المتزعمين السابقين في الجيش الوطني مناصب عسكرية رفيعة، وبعضهم ينتمي إلى الشعب التركماني، مع العلم أن تركيا تحتفظ حتى اليوم بقواعدٍ عسكرية في الشمال السوري، ومن المُقرر أن يزيد وجود العسكريين الأتراك، عبر تولي مهام تسليح وتدريب الجيش السوري الجديد، فأنقرة أقرب حليف للدولة السورية الحالية منذ سقوط نظام بشار الأسد، وتبدو سلطة دمشق الحالية في أمسِّ الحاجة إلى الدعم الخارجي لإعادة بناء قوتها العسكرية المنهارة، وهناك خطة لإبرام اتفاقية دفاع مشترك بين تركيا وسوريا، مع الأخذ في الحسبان رؤية إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتعاون مع الدولة الإسرائيلية، وهو ما يحتاج مقالاً مستقلاً.
أهداف إسرائيل
في مقابل الدور التركي نجد أن إسرائيل تملك أوراق قوة تعمل على توظيفها لتحقيق مصالحها وإضعاف نفوذ تركيا ودفعها شمالاً بعيداً عن الجنوب السوري، فخلال ما وُصفت بأنها “أكبر عملية في تاريخ سلاح الجو الإسرائيلي”، تم تدمير القدرات العسكرية السورية عقب سقوط نظام بشار الأسد، وحتى اليوم تتواصل الهجمات العسكرية، بهدف ترسيخ واقع استمرارية استباحة الأجواء السورية، كما تعمل إسرائيل على توسيع مساحة الأراضي التي تحتلها حتى صارت قريبة من العاصمة دمشق، وكذلك تتواصل الهجمات البرية وعمليات المداهمة والتفتيش في المناطق الجنوبية القريبة من الجولان، وأعلنت إسرائيل منطقة أمنية بعمق 15 كيلومتراً تضم تسع قواعد عسكرية، فضلاً عن منطقة نفوذ بعمق 65 كيلومتراً داخل الأراضي السورية حسب تقرير في موقع المستقبل https://futureuae.com/ar- AE/Mainpage/Item/10119 وذلك يوم 22 نيسان 2025.
أيضاً وظفت إسرائيل علاقاتها الدولية النافذة للضغط على دمشق، وعمدت إلى الاستقواء بأمريكا، والدفع باتجاه إبقاء العقوبات الدولية بعد سقوط نظام الأسد، كما تريد إسرائيل الحوار المباشر مع الحكومة الانتقالية في سوريا، وذلك يتضمن إنهاء حالة الحرب، والاتفاق على مجالات التنسيق في منطقة الجنوب السوري، والتعاون ضد محاولات إيران وحزب الله للعودة إلى سوريا ولبنان.
ويسيطر الجيش الإسرائيلي بالفعل على 460 كيلومتراً مربعاً خلف خط الفصل، وتعهد نتنياهو بفرض نزع السلاح على منطقة شاسعة تمتد حتى طريق دمشق – السويداء السريع، على بُعد 65 كيلومتراً من موقع انتشار جيشه حالياً، أيضاً حسب تقرير موقع المستقبل المذكور أعلاه.
بعد هذا العرض السريع لموقفي تركيا وإسرائيل، لا نرى فارقاً كبيراً للدولتين في محاولة الإجهاز على سوريا أو ما تبقى منها، والمأساة أنه في ظل حرب الإبادة، التي تقوم بها إسرائيل ضد غزة، لم نسمع إدانة حقيقية من تركيا، وكأن تركيا لا تحارب سوى المسلمين من الكرد وغيرهم، ولم تدعم الفلسطينيين بشيء، ولنا الله من قبل ومن بعد..