جل آغا/ غزال العمر-
بجلود أغنامهم يحفظ أهالي ناحية جل آغا وريفها أثمن ما تجود به ثروتهم الحيوانية من الزبدة والسمن البلدي التي يؤمِّنون من خلالها احتياجاتهم ومؤونتهم
ناحية جل آغا وغيرها من مناطق شمال وشرق سوريا بقيت محافظة على تراثها مثل “الزبدة والسمنة البلدية”.
“شدي حيلك وقومي على عيالك”
تستذكر الأم هاجر الجدوع من ريف ناحية جل آغا الشرقي في شمال وشرق سوريا خمسة وخمسين عاماً كلمات لطالما سمعتها من والدتها التي تعشعش رائحة سمنها بأنفها حيث ترقرق بها أرغفة القراصة؛ لتطعمها لها عند ولادتها لأحد أولادها؛ لما لها من عظيم فائدة وما تمد به الجسم من طاقة قائلة: “تداعب رائحة سمن أمي ذاكرتي مع كلّ مزبد أملؤه مما أجنيه من حليب أغنامي”، فهي ورثت المزبد من والدتها التي علمتها كل ما يخص تربية الأغنام وصنع منتجاتها.
صناعة موروثة
تشرح الأم هاجر لصحيفتنا “روناهي” كيفية صنعها للعكة أو ظرف السمنة (وعاء جلدي تحفظ به الزبدة والسمنة البلدية) قائلة: “ورثتها عن أمي التي تعلمتها من جدتي؛ ربينا أغنامنا واستفدنا منها حية وميتة؛ فالعكة تقليد قديم يرجع لمئات السنين”. وتابعت: ما أن تُذبح الشاة حتّى تهرع صاحبة البيت مسرعة للبدء بتنقيع الجلد بطحين وماء وملح كخطوة أولية لتنظيفه والاستفادة منه لتجده في اليوم التالي جاهزاً ومعداً لإزالة الشعر منه قائلة: “تستغرق عملية التنظيف بالشتاء وقتاً أطول من الصيف. هذا ما يعرف بالخدام ثم نقوم بعصره بعد لفه بطريقة دائرية وضغطه بحجر ثقيل ليشهل منه الماء ويصفى”.
وابتسمت الأم هاجر مستذكرة سعادتها عندما تحصل على جلد الذبيحة في حال أعلن أصحابها عدم حاجتهم إليه.
كيف يكسب الجلد لونه الأصفر؟
أما كيف يكسب الجلد لونه فتقول: “أقوم بتصفير لون الجلد بدبس التمر لأحصل على لون بني داكن وقد تحتاج عملية دهنه وإشباعه بالدبس ثلاث إلى أربع مرات”.
كما أشارت الأم هاجر بالقول: “يترك عاماً كاملاً ثم يستعمل كظرف لحفظ الزبدة التي ترقد في مزبدها الأبيض بانتظار عملية التذويب؛ لتصبح سمنةً وتسكن بعكتها الجديدة”.
وفيما إذا كان هذا الوعاء الجلدي آمناً للحفاظ على السمن أكدت بأنّه: “يعتبر أفضل مكانٍ لحفظه منذ أقدم الأزمان ويعد مكاناً آمناً وأفضل من البراد”.
وعن الاختلاف بين المزبد وظرف السمنة “العكة” نوهت الأم هاجر بأنّ المزبد يختلف عن الظرف بلونه الأبيض فقط فكلاهما جلد.
الزبدة تتحول لسمن
“تذويب الزبدة ليس مجرد وضعها على النار بل تحتاج مهارة وخبرة” هكذا عبرت الأم هاجر التي تكلمت عن خطوات إذابة السمن؛ فما أن يتم وضعها على النار وإضافة الملح حتّى يتم ترسب المواد كالماء واللبن في أسفل الوعاء “أنتظرها لتصفى وتبرد وأقوم بعزلها وهذا ما نسميه “بالقطفة” الأولى من السمن، ثم هناك ما يسمى “الخلاصة” وهو نهاية عملية التذويب والتي تحتاج لقطع الثلج لتساعدها على جمعها ثم “الرجاعة” وبهذه الخطوة تستعين بقطع عجين صغيرة تضيفها لبقايا السمنة لتطبخ معها. وبالتالي لا تضيع الأم هاجر قطرة سمنة واحدة مما جنت يداها طوال موسم الربيع.
تبيع ما يزيد عن حاجتها
تبيع الأم هاجر ما يزيد عن حاجة بيتها ومؤونة أطفالها؛ فكيلو السمن البلدي الواحد يكاد يصل إلى ٢٥ ألف ليرة سورية في هذه الأيام العصيبة؛ كما أن مصاريف الأغنام والأعلاف باهظة، وتزيد مخاوفهم مع قلة الأمطار وقلة المراعي لمواشيهم هذا العام، حسب ما أوضحت.