جمال عبد السلام… الواقع الثّقافي بحاجة لتطوير والمسؤولية عظيمة!

حاوره/ حسام إسماعيل –

روناهي/ عين عيسى: لطالما كان الأديب والمثقف من أكثر النخب تأثراً وتأثيراً بالواقع المُعاش، وأحد أهم المعبرين عن هموم المجتمع وآماله وآلامه، فتفيض قريحته بألوان شعرية وأدبية راقية، فهو الناطق باسم شعبه وأبناء جلدته، وهو الشخص الذي بفكره وتثقيفه لهم يحميهم وينورهم ويخرجهم من الظلمات الى النور

تزخر مناطقنا بالغنى الثقافي والحضاري الفريد من نوعه، ولكنها تُعاني من حالة من السكون في الوقت الحالي، بسبب الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها منطقتنا من حرب ودمار، وتهجير، لذلك كان لزاماً على هذه النخبة الانطلاق من جديد، والمساهمة الفعالة بنهوض الحركة الأدبية والفكرية من جديد، وتوحيد جهودهم للنهوض بالمجتمع وتطويره.

وللحديث عن هذا الموضوع التقت صحيفتنا بالأستاذ جمال عبد السلام (عضو لجنة الثقافة والفن بإقليم الفرات) وأجرت معه حواراً عن واقع الحياة الأدبية وسبل تطويرها.

ـ كيف ترون واقع الحياة الأدبية والشعرية بشكل عام وما الذي تحتاجه للمضي قدماً نحو تطوير الواقع؟

أعتقد بأن الواقع الأدبي والثقافي لمكونات المنطقة غني للغاية، وهنالك شخصيات أدبية وثقافية بارزة في المنطقة، ولكن لم تجد من يعطيها حقها من الاهتمام والتبني، حيث كانت الحياة الأدبية والثقافية لشعوب مناطق شمال وشرق سوريا عبارة عن بروز لقامات أدبية استطاعت فرض شخصيتها وثقافتها على الواقع الذي لم تكن السلطة آنذاك تريد تنميته أو تبنيه.

لدينا قدرات وشخصيات وأدباء وشعراء ومثقفون على مستوى متقدم جداً، بالإضافة إلى الطبيعة الخصبة التي تساعد على إثراء هذا الواقع، والمطلوب فقط هو تنظيم الحركة الأدبية وتخصيبها بعيداً عن أي تأثير، أو التأطير الذي يدفع نحو التقييد، ويقود إلى التوقف النهائي عن الإنتاج الثقافي على العموم.

ـ ما تأثير الألوان الأدبية والشعرية المختلفة والطبيعة والحياة الاجتماعية على الكاتب؟

أريد أن أكرر ما قلته سابقاً بأن منطقتنا غنية أدبياً وثقافياً، لا أحد يستطيع أنكار هذا الأمر، واستطاع الإنسان في منطقتنا التكيف مع كافة الظروف وقهرها، تلك الطبيعة الريفية الجميلة، والتي تتداخل بها أيضاً قساوة المناخ مع طبيعة أهلها الدمثة والمعطاءة، فكان هنالك ألوان وأفكار متنوعة تراود مثقفينا وأدباءنا في أعمالهم فكانوا تارةً يصفون الربيع والأزهار والطبيعة، ويشبهونها بالحبيبة، وطوراً تراهم يذكرون الأطلال التي رحل أهلها عنها، أو يذكرون ملاحم المعارك، وبطولات الفرسان الأشداء في حماية أرضهم وشعبهم بوجه الغزاة الطامعين.

لا شك بأن منطقتنا وشعوبنا تزخر بطاقات أدبية وثقافية مميزة وفريدة من نوعها، وتحتاج إلى المزيد من التطوير الذي يتزامن مع توفر الأمان والاستقرار في المنطقة.

ـ التجربة المريرة التي مرَّ بها الأدباء والمثقفون في المنطقة، واضطرار الكثير للهجرة، كيف يمكن تجاوز هذه التجربة؟

أظن بأن الأزمة السورية التي بدأت منذ 2011م قد تركت تأثيراً بالغاً، وتراجعاً في الإنتاج الأدبي والثقافي في سوريا على العموم، والأمر الخطير الذي حدث خلال السنوات الأولى من الحرب المدمرة التي بليت بها مناطقنا هي هجرة الكثير من الأدباء والمثقفين والمتعلمين، مما أثر بشكل كبير على الواقع الثقافي على العموم، في حين كان الظهور الحقيقي للشخصيات الأدبية والثقافية بعد ثورة روج أفا، وتحرير المنطقة من الإرهاب والجماعات المسلحة المرتزقة التي كانت أداة المحتل للإضرار بالموروث الثقافي والحضاري لشعوب المنطقة، وصولاً إلى التدخل المباشر من قبل الدول المحتلة للأرض السورية على الساحة، كما حدث خلال العدوان الأخير من قبل الدولة التركية المحتلة بعد عدوانها الأخير في العام الماضي، وتعمد جرف المعالم الأثرية، وجعلها نقاطاً عسكرية.

ـ “دور المثقفين والأدباء تنويري”، كيف يمكن إسقاط هذا الدور على المجتمع للنهوض به من جديد، وماذا تحتاجه التجربة الأدبية والثقافية بهذه المرحلة الهامة والحساسة؟ 

ثمة مهمة ليست بالسهلة تقع على عاتق النخب الثقافية في منطقتنا، وخاصة مع انتشار الأجندات والعمل على تلويث العقول، وإفراغ مجتمعاتنا من الموروث الثقافي والأخلاقي الفريد، لذلك لطالما كانت شريحة المثقفين هي الأكثر تأثيراً وتنويراً للمجتمع ومنع اختراقه من قبل أعداء الشعوب لتنفيذ أجنداته ومخططاته الخبيثة التي ينوي من خلالها السيطرة والهيمنة على مقدرات الشعوب وتدمير هويته أو صهره بشكل كامل في بوتقته، وخدمه له.

أعود وأكرر مرة أخرى بأن التجربة الأدبية والثقافية التي تقودها النخب ضمن مناطقنا تحتاج الكثير من العمل للنهوض بها، فيجب أن يكون هنالك ندوات ومحاضرات ثقافية وأمسيات، وتواصل منسق بين لجان الثقافة والفن وبين الإدارات الذاتية والمدنية، والاستفادة من التجارب والأفكار التي يحملونها لتطوير هذا العمل، إلى جانب زيادة الدعم وافتتاح المعارض الفنية ودور النشر في كافة المناطق فهي إلى الآن تقتصر على مناطق معينة، وهنالك حاجة ماسة لتعميمها في المناطق الأخرى، وتفعيلها بالشكل المطلوب إلى جانب توفير الدعم من قبل الجهات المعنية.