سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

قفزة 15 آب… قبس من نور الحرية

سوزان علي –
لم يكن هدف حركة التحرر الكردستانية حمل السلاح، حيث اتخذت من السلم غاية لاسترداد حقوق الشعوب المظلومة، وإنما سلكت نهج الكفاح المسلح للدفاع عن الوجود واتخاذ الحماية كأحد مقومات الحياة؛ فكانت قفزة نوعية؛ غيرت الكثير من المنعطفات في تاريخها وتاريخ الكرد، بل وفي تاريخ الشرق الأوسط…. إنها قفزة الخامس عشر من آب التي أضحت شعلة من نور الحرية..
استمدت حركة التحرر الكردستانية قوتها من الشعب، حيث كانت حركة شعبية في بداية تأسيسها؛ ابتدأت ببضع رفاق جامعيين، منطلقين من مقولة «كردستان مستعمرة» وأرادت بناء إنسان حر، وكذلك بناء مجتمع ديمقراطي في الشرق الأوسط يحتضن جميع الشعوب دون النظر إلى قومياتهم وأديانهم، وكذلك النهوض ضد الأنظمة الفاشية ولا سيما النظام التركي وذهنية المجتمع الذكورية، فقام هؤلاء الطلبة بتنظيم أنفسهم وتشكيل حركة التحرر، إلا أن قيام دولة الاحتلال التركي بملاحقة كوادر الحركة الأوائل وتعذيبهم في معتقلاتها، ولا سيما بعد استشهاد الشهيد مظلوم دوغان، وإبداء الرفاق الأربعة (خيري دورموش، عاكف يلماز، كمال بير، وعلي جيجك) مقاومة بطولية في زنزانة آمد في الرابع عشر من شهر تموز عام 1982م، دفعت بالقائد أوجلان بأخذ القرار في البدء بالكفاح المسلح في 14 تموز عام 1983م إلا أن تطبيق ذلك تأخر سنة وأعلن عنها في 15 آب 1984م، حيث أطلق القيادي معصوم قورقماز (عكيد) الذي كان مثالاً للإيثار والتضحية والروح الرفاقية أول طلقة ضد الدولة التركية.
غيرت قفزة 15 آب تاريخ حركة التحرر الكردستانية وشكلت منعطفاً هاماً في تاريخها إلى جانب مقاومة السجون (مقاومة زنزانة آمد)، حيث انضم المئات إلى الحركة، وكانت رداً حاسماً على النظام التركي وطرح القضية الكردية في المحافل الدولية، وانضمام المرأة إلى صفوف الحركة، وبالتالي الإعلان عن تشكيل الجيش ولا سيما بعد استشهاد عكيد نتيجة مؤامرة عليه، والعمل لبناء دولة كردستان، وطرح مشروع الأمة الديمقراطية فيما بعد.
كان لتشكيل الجيش نتائج هامة في حياة الحركة، حيث استطاع الكوادر سلك الدفاع المشروع وخوض حرب الكريلا (حرب الأنصار) في حماية الوجود الكردي من حملات الإبادة والذهنية السلطوية الرامية إلى إنكارها وإبادتها، وكذلك الدفاع عن الشعوب المظلومة، والتصدي للنظام التركي الذي أراد إبادة الكرد وصهرهم في القومية التركية، كما وأدى التنظيم في الجيش إلى استقلالية المرأة وتشكيل جيش خاص بها، حيث غدت المرأة مناضلة، وقائدة، تقود الحملات بنفسها، إضافة إلى القيام بالتخطيط والتنظيم والهجوم. وأدى استقلاليتها إلى التصدي للذهنية الذكورية السائدة في المجتمع، وكذلك مناهضة النظام الدولتي العدو الأول للمرأة، وكانت بذرة لتنظيم المرأة اليوم فكرياً وعسكرياً في شمال سوريا وشنكال، حيث نظمت المرأة ذاتها في وحدات حماية المرأة، ووحدات المرأة الشنكالية، إضافة إلى قوات الأمن الداخلي (الأسايش)، واتخاذهن الحماية وسيلة للدفاع والتشبث بالأرض.
وكان من ثمار هذه القفزة؛ انطلاق ربيع الشعوب في شمال سوريا التي غيرت الكثير من المفاهيم الخاطئة، وحققت منجزات عظيمة، والتصدي لمرتزقة داعش وذهنيته الرامية إلى إبادة الشعوب، وتحرير المناطق المحتلة منها وعودة الأمان إليها.