No Result
View All Result
المشاهدات 0
عبير عبدالرحمن دريعي –
للرؤية طرق وللون مباهجه وأحزانه، مسراته وأتراحه، فالأبيض لون والأسود أيضاً، ولتداخل البياض مع السواد رؤية، أليست العين سواد وبياض، أليس الليل والنهار أيضاً؟
للطبيعة ألوانها ولكل لونٍ سحر ولتناغمها روعة الحياة والطبيعة، فلكل شيء لونه المحدد زمنياً، فالسماء زرقاء صافية حيناً، وكالحة رمادية كئيبة أحياناً أخرى، وللعشب اخضرار في بداية الربيع واصفرار بعد رحيل النسغ..
فن البورتريه من أقدم أنماط الفن التشكيلي ممارسة، ولازالت لوحات البورتريه الأشهر عالمياً، تم إنجاز البورتريه بالغرافيك على سطوح بيضاء أو بالألوان الزيتية أو المائية وغيرها واعتمدت على رسوم شخصيات حقيقية مثل المسيح والعذراء، أو الملوك والأمراء وقادة الجيوش والأبطال والمشاهير، بالإضافة إلى رسوم وجوه عامة الشعب في نظرة ثورية انتهجها الفن الثوري فنجد وجوه العمال والفلاحات والمحاربين وفي اتجاه آخر نجد في سجلات الفن التشكيلي العالمي وجوه الشحاذين والمقامرين والمدمنين والمرضى، ولعل فن البورتريه يعد الأصعب لأنه يعتمد في بيانٍ وتوضيح المزاج العام عبر رسم الوجه وانفعالات الشخصية.
هنا نجد عملين فنيين تشكيليين لفنانين من الجزيرة السورية ينتميان لبيئة واحدة، اللوحة الزيتية من أعمال الفنان التشكيلي الكردي زهير حسيب من مواليد 1960 وهي بورتريه لوجه امرأة كردية سبق أن رأينا وصف هذا النمط من الجمال الأنثوي في الشعر الكردي و عبر الأغاني الكردية، العيون الجميلة وخطوط الحاجبين والنظرة الجريئة والشفاه المطبقة تمتد لابتسامة خجولة، نكاد نرى بعض خصلات من شعرها المنفلت من تحت غطاء الراس، والوجه مستدير ودافئ.
وفي اللوحة الثانية المنجزة بقلم الفحم فقط ذات الملامح الكردية وبخطوط دقيقة اعتمدت الجرأة والوضوح، أبدعها الفنان التشكيلي الراحل عبدالرحمن دريعي (1938-2001) في أوائل ستينيات القرن الماضي.

ومن خلال مقارنة بصرية نستطيع الوصول إلى مقاربة تشكيلية من ناحية حجم اللوحة والمساحة الجسدية (الراس والعنق) والقدرات التعبيرية والمزاحية ونجد أن كل تلك التصنيفات قريبة إلى حد التطابق مع فروقات لونية فاللوحتين تلتقيان في عدة نواح الحجم والعمر التقريبي لكل من الصبيتين وكذلك تفاصيل الخطوط كالحاجب والنظرة حجم الفم والجبهة..
ثمة لوحة اشتهرت ويكاد لا يخلو بيت كردي منها خلال سنوات القرن الماضي عرفت عند العامة باسم فاطمة المغربية، دون أن يعلموا انها لوحة لفتاة كردية تدعى كجا كافروش (ابنة بائع التبن)، والتي وقع في غرامها ضابط بريطاني اوائل القرن العشرين وخطفها وعاشا في بريطانيا، رسمها فنان إنكليزي مغمور وانتشرت نسخ مقلدة منها، ووصلت إلى كل مكان وبيت في عموم كردستان والعراق، وهي جزء من الذاكرة الفنية الجمالية ومثال للجمال الأنثوي قد عرفت أيضاً بموناليزا الكردية، وبمعرض المقارنة مع اللوحتين الحاليتين لكل من الفنان الراحل عبدالرحمن دريعي الذي سبق الفنان زهير حسيب في ممارسة التجربة التشكيلية وتأسيس حالة مناخية لبناء ركائز ممارسة الفن في الجزيرة السورية، فاللوحتان ربما لا تبتعدان عن خطوط تلك اللوحة والتي كانت التوب موديل لبورتريهات مدرسية تعليمية، البدء برسم وجه مدور أنف صغير وفم جميل وعينان مدهشتان مع خصل للشعر منفلتة من تحت غطاء الرأس، وهكذا كانت البداية في رسم لوحة تمثل وجه امرأة جميلة.
وفي كلا اللوحتين نجد قدرة الإبداع في تلقف الحالة التعبيرية والجمالية، وترجمتها كصورة لامرأة باذخة الجمال، ربما كانتا شخصيتان حقيقيتان تعيشان كل منهما في مكان ما وبزمن ما.
ربما التقى الفنانان يوماً ما، وربما البيئة اوحت لهما بإنجاز لوحتهما، وتأكيداً لم تلتقي هاتين الامرأتين إلا في خيال وإبداع الفن الخالد المقاوم للزمن… كما أن التأثيرات الفنية الوافدة لرسم البورترية لم تكن إلا حاجة تكميلية، وكان البورتريه امتحاناً للفنان ولمقدرته الفنية وعلامة فارقة على إتقانه فن الرسم ومحاكاة الواقع والطبيعة، حيث كان الانطباع النقدي الأول والبسيط لدى العامة “اواه كأنها صورة حقيقية، أنها فعلاً تشبه الأصل”. وكأنه على الفنان أن يتقن الرسم كناسخ فقط، لا أن يبدع في توليد الحركة التشكيلية التعبيرية ورفد اللوحة بالدفء ونقل الإحساس الداخلي للشخصية ومزاجها من فرح أو حزن.. من تملق أو تيه.
ويبقى للبياض لغته وللخطوط أبجديتها وللّون عمقه ودرجاته كما للسواد والبياض وضوحه وصراحته ودقته..
No Result
View All Result