حملة تحرير منبج.. فجر جديد أعاد الحياة لمنبج ونفض غبار الظلم عنها

تقرير/ آزاد كردي –

شكّل تحرير مدينة منبج وريفها من مرتزقة داعش الإرهابيين نقطة فارقة في عمليات تحرير شمال وشرق سوريا، فلولا تحريرها؛ لبقيت الكثير من المناطق الأخرى تئنُ تحت وطأة الإرهاب لأمد بعيد.. حملة تحرير مدينة منبج صفحة ناصعة من الملاحم والبطولات التي كتبها أبناء المدينة؛ من أجل بزوغ فجر الحرية وطي صفحة الذل والهوان، لتبقى عصيّة على قاتلي الإنسانية والإنسان.

مع كل عام وفي أوائل شهر حزيران؛ لا بد للتقويم أن يتوقف ولو لبرهة من الوقت عند تاريخ ذهبي صنعه أبناء مدينة منبج وريفها حينما أطلقوا العنان لأنفسهم لنفض غبار العبودية عن كاهلهم ويقفوا يداً واحدة بشعوبهم كافة لصناعة مجد وعز يفتخر به كل واحد منهم، وهي حملة تحرير مدينة منبج.

 الدعم التركي الكبير للمرتزقة ساهم في بقائهم لمدة أطول

ولمعرفة المزيد؛ التقت صحيفتنا بأحد قياديي ومؤسسي مجلس منبج العسكري؛ وقائد بارز في حملة تحرير مدينة منبج وريفها مصطفى منبج، وحول بدايات بدء حملة تحرير مدينة منبج، حدثنا؛ بالقول: “في الأول من نيسان من عام 2016 برزت الحاجة إلى تأسيس مجلس منبج العسكري لتحرير منبج من مرتزقة داعش الإرهابي، وعقد عدة اجتماعات تنظيمية في منطقة سد تشرين، تشكّل على إثرها؛ مجلس منبج العسكري من اتحاد ثلاث فصائل مقاتلة مع بعضها البعض وهي؛ كتائب شمس الشمال ولواء جند الحرمين وكتائب ثوار منبج. ورُفِع عدد القياديين في مجلس منبج العسكري إلى أحد عشر فضلاً عن بعض الأسماء الأخرى لقياديين من التحالف الدولي وأسماء أخرى لقياديين في قوات سوريا الديمقراطية أيضاً، وبعد ذلك كان القرار من قبل التحالف الدولي، وبمساهمة فعالة من قوات سوريا الديمقراطية الذين لم يبخلوا بأي شيء لتحرير المدينة”.

وأضاف مصطفى منبج قائلاً: “وصلت القناعة لدى التحالف الدولي وقواتنا على الأرض؛ بضرورة بدء حملة التحرير بسرعة عاجلة؛ بسبب تردي الأوضاع المعيشية وسوء الأحوال المدنية للسكان، لا سيما أن قواتنا العسكرية كانت على جاهزية تامة من التجهيز والإعداد والتدريب بعد مضي شهرين. لكن؛ إدراكنا أن مرتزقة داعش الإرهابي لن يتهاون أبداً في البقاء بالمدينة أطول وقت ممكن، وكانت المؤازرة من قوات سوريا الديمقراطية بمقاتليها من وحدات حماية الشعب والمرأة، وغيرها من التشكيلات العسكرية في شمال وشرق سوريا. كانت معنويات مقاتلي مجلس منبج العسكري عالية جداً طوال حملة التحرير؛ لأن معظمهم تعرض للتهجير لمدة سنتين أو ثلاث سنوات، كما أن غالبيتهم خاضوا حروباً ضروس مع المرتزقة الإرهابيين في مدينة كوباني. انطلقت حملة تحرير منبج على محوريين اثنين، هما المحور الجنوبي؛ بقيادة كتائب ثوار منبج وقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب المنضوية تحت راية قوات سوريا الديمقراطية، أما المحور الثاني؛ فكان بقيادة كتائب شمس الشمال مع قوات سوريا الديمقراطية، أما قوات لواء جند الحرميين، فتمركزوا على الخط الواصل من سد تشرين إلى قرية خربة الروس”.

وعن خطوات حملة تحرير منبج؛ أشار القيادي في مجلس منبج العسكري؛ مصطفى منبج بقوله: “كان التقدم باتجاه منبج متسارعاً وتزداد وتيرته مع عمليات تحرير المدنيين العالقين لا سيما من النساء والأطفال، وزاد معها حالات الانتساب إلى صفوف قوات مجلس منبج العسكري بصورة لم ندركها في ذلك الحين بهذا الشكل. بذلت قواتنا الغالي والنفيس لمقارعة شراسة مرتزقة داعش الإرهابي؛ الذي كان يري في فقدانه لمنبج، عاصمته المثلى لعناصره “المهاجرين”، أنه سيموت سريرياً لا محالة وأجله قد اقترب، اللافت، إن مرتزقة داعش كان قد وعد الاحتلال التركي ومن يموله ويسانده بالنصر. لذا؛ بقاءه في منبج وتخليه عنها بسهولة؛ ما يعني نهاية محتومة مبكرة. لذا؛ فلن يستكين في دفاعه عنها مهما كانت نتائجها، وهو ما يبرر التشبث بها، حاول مرتزقة داعش أن ينتقموا لما حدث له في مدينة كوباني حين انتفضت من تحت الركام واستيقظت من رقادها كالعروس أكثر جمالاً وبهاء، وتزيد من أوجاعه وخسائره المتوالية المرة، إذاً لا غرابة أن دولة الاحتلال التركي تقدم له شتى أشكال المساعدات والتسهيلات، بما في ذلك، سماحها له بدخول مدينة كوباني عن طريق الحدود التركية، وكذلك الأمر من جرابلس إلى مدينة منبج”.

وتابع مصطفى منبج؛ قائلاً: “كان مرتزقة داعش يخططون للانتقام أكثر بعد خسارتهم للسيطرة على مدينة كوباني، إضافة إلى فشلهم في السيطرة على مناطق أخرى في شمال وشرق سوريا، فقد حاولوا توجيه ضربة قاضية لقواتنا. لكنه؛ باءت بالفشل مرة تلو الأخرى. فلم يكن من بد، اتخاذ قرار حملة تحرير منبج لضمان إنهاء عزلته في مدينة لطالما سخرها قاعدةً لضرب المناطق الأخرى، تم أخذ الحيطة بكل شيء من أجل بدء حملة التحرير التي امتدت لنحو شهرين ونصف الشهر، غير أن الوقائع على الأرض جعلتها تمتد إلى أكثر من ذلك؛ بسبب الحرب الضروس نتيجة دعم الاحتلال التركي وإمداده له؛ بالأجهزة والتقنيات المتطورة؛ كما كشفت الحقائق أن دولة الاحتلال التركي، مارست دوراً فعالاً بدعمه استخبارياً وتجلى ذلك من خلال اتفاقنا المبرم مع التحالف الدولي؛ وفحواه أن يكون خط نهر الساجور؛ الحد الفاصل لأي من هذه القوات، بما في ذلك جيش الاحتلال التركي أو مرتزقته نحو الأراضي السورية. لكن؛ ذلك، حدث بمباركة الاحتلال التركي الذي أدرك دنو أجل مرتزقة داعش وباتت أيامه قريبة جداً، حينئذ لم يتوانَ عن دعمه بالذخيرة والصواريخ الحرارية المضادة للدروع فضلاً عن مساعدته في تجهيز عرباته المفخخة وشرائه للفيول من الأراضي السورية عبر عملائه، إضافة إلى الاستفادة استخباراتياً ولوجستياً من أجل تدريب عناصره على يد الضباط الأتراك من أجل شن عمليات الاقتحام والهجوم ضد قواتنا المقاتلة. كان إيماننا أن ندفع عن أنفسنا الظلم أكبر من عزيمتهم في البقاء والاستمرار”.

 لم تبخل شعوب منبج في المشاركة بتحرير المدينة

وحول التجانس ومشاركة جميع شعوب منبج بالدفاع عن مدينتهم من مقاتلي مجلس منبج العسكري؛ نوه القيادي في مجلس منبج العسكري مصطفى منبج وقال: “لقد ساعد الخليط المتجانس من شعوب منبج كافة على صمود قواتنا أكثر؛ لأن دمنا جميعاً سوري، وهو ما أدى بالفعل أن يقوم الأهالي بدور الاستخبارات على تموضع المرتزقة الإرهابيين وتم تزويدنا بأدق المعلومات والتفاصيل إزاء تحركاتهم وتحصيناتهم في سير الحملة لا سيما في إشارتهم لنا بضرورة افتتاح معبر عند فرن” النورس” على طريق الجزيرة الذي مكن من إخراج ما بين 50 -100عائلة يومياً، إضافة إلى ضرورة افتتاح معبر آخر عند صوامع” التنك” ومعبرين آخرين؛ تابعين لقوات مجلس منبج العسكري. كان دور أهالي منبج هام للغاية؛ لأن ذلك، ساهم في تقديم معلومات دقيقة، مكنتنا من معرفة تموضع ثلاث أو أربع نقاط لعناصرهم في مناطق مختلفة من المدينة بشكل يومي. كانت معنويات مرتزقة داعش تتحطم وسط شجاعة قواتنا وانهيار فظيع في معنوياتهم، فلجأوا إلى الاختباء بين صفوف المدنيين؛ ما جعل تكتيك المعركة يختلف من وقت إلى آخر وضرورة عدم إعطاء أي قراءة واضحة لسير نتائج المعركة. ومن أجل تشتيت شملهم وتمزيق عروتهم في قلب المدينة، تم تشكيل ثلاث حملات متفرقة، الأولى؛ كانت عند صوامع التنك والثانية؛ كانت على دوار الجزيرة والثالثة؛ كانت على جسر جرابلس أمام مبنى المالية الحالي، على إثرها تحرر 600 شخص من المدنيين العالقين الأبرياء”.

وفي حديثه عن صور وذكريات من وحي المعارك؛ بيّن القيادي مصطفى منبج بقوله: “دفع الشهداء الذين استشهدوا في هذه الحملة دمهم ثمناً لنيل الحرية، أما بعضهم الآخر، ففقد بعضاً من أعضائه، وغاب النوم عن أجفاننا طوال الشهرين والنصف. نعم، كان الكثير من الشهداء والجرحى في صفوف القياديين أو حتى في صفوف الأفراد المنظمين حديثاً فور تحرير القرى والأحياء، وكان لبعضهم الفضل في إعلامنا بتفاصيل ومعلومات حساسة حسمت سير حملة تحرير مدينة منبج بشكل دقيق وسريع. بذل المقاتلون تضحيات كثيرة، خاصة من قبل القيادات العامة لمجلس منبج العسكري؛ كالشهيد نيراس والشهيدة كوجرين الذين قاتلوا بكل بسالة في الصفوف الأمامية بنقطة الصفر، وكان شعارهم عدم حصول أي خسائر بشرية بين المدنيين وعدم وقوع ضحايا من النساء والأطفال. حملة تحرير منبج لم تكن عادية على الإطلاق كون بعض مقاتلينا لا يزالون حديثي العهد بالقتال، ولم ينالوا تدريباً كافياً لا سيما الذين انضموا حديثاً. لذلك؛ كانوا يستشهدون، هذا الأمر كان حساساً للغاية بالنسبة لنا؛ لأن المقاتل لم يأخذ حقه بعد بالتدريب معنوياً وعسكرياً وتنظيمياً وأيديولوجياً حتى يصل إلى مستوى الشهادة. نعتصر ألماً كبيراً لكافة الشهداء الذين رحلوا في ربيع حياتهم وزهوتها، وعهد علينا أن نصون الوصية، وأن نصون هذا التراب، ونتمسك أكثر بالحياة، حتى يعيش من تبقى أحراراً وأن تعلو راية مجلس منبج العسكري في سمائها عالية وتتزين شوارعها بصور الشهداء”.

على العهد باقون سندافع عن أرضنا وشعبنا بكل طاقاتنا

وعن الوضع الراهن؛ أكد القيادي في مجلس منبج العسكري مصطفى منبج؛ قائلاً:” لقد شارك مقاتلو مجلس منبج العسكري منذ أربع سنوات وحتى هذه اللحظة بالعديد من الحملات العسكرية في ربوع شمال وشرق سوريا، كما افتتحت ثلاث أكاديميات، منها أكاديمية الشهيدة كوجرين للقياديين في منبج، وأكاديمية الشهيد فيصل أبو ليلى. لقد خضع مقاتلونا بعد عام من التحرير للإعداد والتجهيز العقائدي والفكري فضلاً عن تدريبات ممنهجة للقوات الخاصة وفوج الكوماندوس، لينضموا على إثرها لمؤازرة قوات سوريا الديمقراطية في حملتي تحرير الطبقة والرقة، وحتى آخر حملة مع مرتزقة داعش في الباغوز بدير الزور. ولاقت مشاركتنا صدى طيباً في نفوس أهالي شعبنا وحصدت الثناء والشكر من قبل قوات سوريا الديمقراطية لا سيما وأن سير المعارك قد غيّر مصير رقعة سوريا عموماً. أصبح تشكيل مجلس منبج العسكري نموذجاً لمقاتلي المجالس العسكرية في شمال وشرق سوريا كاملة، وحذت حذوه بقية المناطق الأخرى؛ بتشكيل مجالس عسكرية في الطبقة وكوباني؛ لما حققه مجلس منبج العسكري من نجاح وتنظيم كبيرين. كما وتم إنشاء كوادر للقوات العسكرية، بما في ذلك الشرطة العسكرية، وأيضاً إنشاء محكمة عسكرية. وعلى العموم؛ تمكن مجلس منبج العسكري من إيجاد موطئ قدم له متجذرة في تراب منبج ولن يتخلى عنها، فأسندت له أدواراً بارزة في التخفيف من المشاكل الداخلية وتجهيز نفسه للقتال في أي مكان يطلب منه”.

واختتم القيادي في مجلس منبج العسكري؛ مصطفى منبج حديثه بالقول:” أتوجه برسالتي إلى أهالي منبج الكرام، إننا ما زلنا على قرارنا الذي قطعناه على أنفسنا بأننا ماضون خلف نبراس دماء شهدائنا الأبرار، وحتى آخر قطرة دم من جسدنا، نحن سنحمي مدينة منبج، وكل شبر من ثراها الطاهر، نحن حررناها بالدم وكتبت علينا بذلك الشهادة أو النصر، ولن نبخل أبداً في الذود عن حمى مدينة منبج أو حتى أي بقعة طاهرة من شمال وشرق سوريا”.