من قصص الواقع المرير نحكي حكاية وطن

مثنى عبد الكريم –

يجلس طفل في حضن والده ويلاعبه ويبتسم ويضحك ويناغيه وربما ناغى الملائكة ولكن الوالد لا يبدي أي رد فعل لأنه شارد الذهن يسرح في بحر الأحلام وهو يتأمل مياه البحيرة وأمواجها المتلاطمة.

رياح تهب لتلفح وجهه ها هي الشمس تبدأ بالمغيب، خيوطها الذهبية ترسم الأمل على صفحات الماء ليتهادى بعنفوان وإباء. يضم الوالد ابنه يقبله ويبتسم ويرفعه نحو السماء ويدور … ويدور ويضحك الطفل وتعلو ترانيم ضحكته الملائكية لتعزف لحن الحياة وأي حياة هي؛ إنها حياة الخلود يضع الوالد وردة فوق ضريح الطفل ويضمه ويهمس في تراب قبره: كنت أخبرك يا ولدي أن الحياة جميلة وأن الحب يملؤها وأن الخير يخلق معنا واأن التسامح شيء بديهي وأني ادخرك لمشيبي لكن لم أكن أعلم يقيناً أنه من المحال دوام الحال وأن الدنيا دوارة وتلك الأيام نداولها بين الناس، لم أكن أعلم أن المغول لم يموتوا وأن التتار عائدون وأن الروم كالنار في الهشيم ينتشرون وأن الفرس حرباء تتلون وأننا ثغاء ورغاء وزبد. أخبرتك أن الطيور تغرد والبلابل تصدح في كل صباح لتعلن ميلاد يوم جديد ولكني لم أخبرك أن التنين ليس أسطورة وأن طيور الظلام تنشر حقدها في كل بقاع أرضي الطاهرة في أرض الزيتون حرقوا كل حبات الزيتون وجلسوا يتفرجون ويصمت العالم، لم أخبرك يا ولدي أن الرعد ليس سوط ميكائيل بل هو صوت هدير طائرات الحقد المدفون بلا تمييز ترمي بشرر كأنه جمالات حمر لا يفرق يا ولدي بين صغير أو كبير أو ذكر أو أنثى وها هو أنت يا ولدي …ترقد في جنتك وعالمك أرجو أن يكون خيراً من عالمنا المملوء بالكره والدم العب  يا ولدي مع أطفال بلادك، اركضوا في ظلال الزيتون وبين سنابل القمح واشربوا فراتاً سائغاً لذة للشاربين ثم نم وتعال لأغني لك أغنية ما قبل النوم … اوووه يلا تنام يلا تنام … وأهديلك طير الحمام روح يا حمام لا تصدق … بحلم بوطن كله أحلام، ويضم الوالد قبر ولده ويغفو وتهب الريح لتحمل حلماً وأغنية وأمنية وحكاية وطن.