كانت تجارة الأغنام على مدى قرونٍ عديدة أحد أهم أوجه النشاط الاقتصادي في هذه المنطقة ويبقى المربي و”الدلاَّل” وسوق الغنم هم العناصر الأكثر أهمية في هذه التجارة.
ونادراً ما يكون المربي على علاقة مباشرة بالسوق إذ أن الذي يصله بالسوق هو “الدلاَّل” و”الدلاَّل” وسيط خبير بالمساومة وتأتي خبرته في التجارة تبعاً لخبرته بالماشية وهو يملك سلطة لا تجادل كما أنه ضامن لأخلاقيات السوق.
وأكبر سوق في منطقة الطبقة موجود في الزاوية الجنوبية الشرقية من مدينة الطبقة نفسها ويسمونه “الماكف” أو “البيزار” ويتم التجمع في هذا المنطقة يوم الجمعة حيث يأتي مربو المواشي من جميع أنحاء منطقة الطبقة ويوجد فيه أيضاً قسم لتجارة أعلاف المواشي.
وثاني أكبر سوق للغنم يقام يوم السبت من كل أسبوع في بلدة المنصورة التي تبعد 20 كم جنوب شرق مدينة الطبقة، وسوق الجرنية التي تبعد 60 كم شمال غرب مدينة الطبقة الذي يتجمع فيه التجار أيضاً كل يوم أحد.
يذهب المربي إلى سوق الغنم “البيزار” باكراً مؤملاً أن ينهي أعماله فيه بسرعة كي يتحاشى نفقات توقُّفٍ طويل في المدينة لذلك يعتمد على “الدلاَّل”، وهناك في بعض الأحيان “حاكم” وهو قاضٍ يقوم بمهمة الوساطة في حالات النزاع ويكون من الشخصيات المعروفة في سوق الغنم وموضع ثقة لدى الجميع.
وبعكس “الحاكم” يتقاضى “الدلاَّل” عمولة على كل عملية تجارية وتتراوح نسبتها حسب السوق ويقوم الشاري بدفعها.
وتبدأ طقوس الاتفاق بمصافحة طويلة بالأكف تجري في أثنائها تعديلات على السعر بصيغ مخصصة لذلك ومتى افتكت قبضة الأيدي فإن الكلمة الأخيرة لا يمكن أن تتبدل.
ويجري البيع تقليدياً بالرؤية والمس فرداً أو زوجاً، أما الآن فإنه أصبح يجري في الغالب بالوزن وخاصة عندما يكون خروف لأن الخروف غالباً ما يكون غذائه “شعير” وتسمى “خراف ربط”.
ويمتد عمل “الدلاَّل” إلى أبعد من السوق المحلي وإذا دخل في شراكة مع مموّل فإنه يدعى “كتِّيف” وهذا يعني الرجل الذي يحمل العمل على كتفيه أي من يستخدم مال الآخر فهو يكلف من قبل مموّل لا يملك علاقات محلية كافية بأن يعدَّ ويدبر قطيعاً ويعهد به إلى مربِّ أو إلى
راعٍ يتولى هو دفع أجرته مباشرة.
ويحصل “الكتِّيف” لقاء دوره كوسيط على عمولة على المبيعات ويجب أن يكون خبيراً بالبادية مثل خبرته بالسوق وعليه أن يتوقع ما يحمله المستقبل من تغيرات في السوق لذلك فعليه أن يُكثر من التنقُّل في البادية ليكتشف المراعي أو ليشتري الأغنام التي تكون أفضل من أغنام المدينة المربَّاة بالمال (خرفان الربط).
ويمكن للكتّيف كذلك أن يستعين بمخبرين يكونون غالباً أقارب له سكنوا المدينة وأغلب أعماله تتم عن طريق الهاتف النقال وعن طريقه يعرف أسعار الأغنام في “بيروت” وفي الأردن وفي المملكة العربية السعودية وكل الأماكن التي تستورد منها الأغنام.
وفي تجارة الأغنام هناك نوعان من الشراكة التي قد تبرم وهي “شركة الأرباح” و”شركة العظم وفي هذا المجال تظل “شركة الأرباح” هي الشراكة الأكثر تمثيلاً لتسارع نشاط المعاملات المتصلة بتجارة الأغنام ومع كونها أكثر بساطة من شراكة “العظم” فإنها لا تقل عنها ارتباطاً بدورة الإنتاج ودورة الفصول.
وشراكة “العظم” تربط تاجراً من المدينة بالمربي حيث يكوِّن التاجر قطيعاً ويسلمه إلى المربي ليهتم به ونتاج القطيع “الولادات، الحليب ومشتقاته والصوف” يأخذها التاجر حتى سداد رأس المال المبدئي وعندما يستوفى رأس المال يُقسم القطيع بالتساوي بين التاجر والمربي.
والأمر بالنسبة لمالك رأس المال يكون بأن يتعامل مع تقلبات السوق كأنها حركة بورصة وهنا كثيراً ما تسجل الحسابات كتابة فصاحب رأس المال يكوّن قطيعاً يتولّى أمره المربي في “البادية” لبضعة شهور وغالباً ما تكون الماشية خرافاً صغيرة وعندما ترتفع أسعار اللحم يباع القطيع بالكامل ويتقاسم الشريكان الأرباح حسب حصة كل منهما من رأس المال.
أما في حالة الخسارة فإن على صاحب رأس المال إذا أراد أن يعيد التمويل وأن يتحمل هو النفقات ويمكن أن تعتبر العملية هنا مجرَّد مضاربة ففي نهار واحد أو في عدَّة أيام يمكن أن يشتري ويبيع القطيع.
وهناك ما يسميه شعب المنطقة بـ “المنيحة” وهي جزء من القطيع كان يُمنح إلى الأكثر عوزاً مساعدةً له على العيش وإن لم يكن له فيه سوى حق الانتفاع ولا تتجاوز في الغالب الـ 20 رأس لأن ما يزيد على ذلك يسمى “قطيع”.
كذلك جرت العادة عند مربيي الأغنام في منطقة الطبقة أن يميز كل واحد منهم أغنامه عن طريق إشارة يضعها على جميع الأغنام وتسمى”دمغة” وهي عبارة عن بقعة دهان تتموضع في مكان معين من جسم الخاروف أو النعجة وغالباً ما تكون على الذيل “الإلية” وهي التسمية المتعارف عليها في منطقة الطبقة، وأيضاً تكون الدمغة بألوان مختلفة بحيث لا تشابه دمغة مربي دمغة مربي آخر من حيث اللون أو الموضع حتى لا تختلط الأغنام مع بعضها وخاصة عندما تكون المراعي مشتركة.
