أجراس عام تُقرع للسلام

مثنى عبد الكريم

قُرعت أجراس الكنائس وزُينت الساحات وأشعلت الشموع أملاً بأن يكون القادم أفضل، أملاً بأن يحمل معه حفنة من السلام وبعض المحبة وشيئاً من ترانيم وصلوات وتراتيل لعله يكون عام خير ومحبة وأخوّة، لعله يكون عام النصر وسيكون كذلك….

لعل مهجري الوطن الجريح يعودوا ليحتضنوا ترابه وبقايا الذكريات.

ودعنا عاماً مضى يحمل معه الكثير من الذكريات آلام وأمال وبعض الصلوات للسلام في ربوع وطن يحن ويأن تحت وطأة المعتدين والمحتلين والمتاجرين بالدم السوري والقضية السورية.

يحكي هذا الوطن بترابه وهوائه ومائه وسمائه وزيتونه وبيادر القمح قصص عشاق وأحلام أطفال وطموحات مناضلين تعانق بشموخها جبال زاغروس، يروي لنهر الفرات والخابور والعاصي أحزان بردى وشوق قاسيون.

ودعنا عاماً عانق فيه زيتون عفرين قمح كري سبي (تل أبيض) وضحكات سري كانيه (رأس العين). عام مضى قُرعت فيه أجراس الكنائس في تل تمر مناديةً كل قديسي السماء أن يستقبلوا قوافل الأبطال والبطلات الذين علموا العالم معنى أن تضحي من أجل أن يحيى غيرك, أن تفترش الأرض وتتدثر بالسماء وأنت تبتسم مخاطباً كل المحتفلين أن إهنئوا فنحن هنا, أن يمسك مقاتل صورة طفله ليطبع على جبينه قبلة وهو يحارب أعتى أنواع الإرهاب بكل صنوفه وصفوفه ليذرف دمعة شوق ويمسحها بقوة إرادة وإصرار وتصميم على المقاومة، أن تقف فاتنة كالقمر تحمل بين ذراعيها سلاحها وهي تغني للحرية مخاطبة حبيبها بأن الدرب طويل والحمل ثقيل ولكننا لها فهذا يا حبيبي العشق الحقيقي … إنه عشق الوطن.

أن يجلس جريح خاض معارك الكرامة والشرف والتحرير والمقاومة مفترشاً الأرض ليملئ البنادق برصاص الإرادة والتصميم وهو يبتسم لتأتي جريحة كأنها الشمس في بهائها لتحمله بعد ذلك وتضعه على كرسيه المتنقل وتدفعه بابتسامة أمل وبرجلها العرجاء نحو الأمل.

يحكى أن وطناً أحبه أبنائه فوهبوا له أنفسهم وجهدهم ووقتهم وكلهم، فأحبهم ولكن كعادة الحياة خرج من رحم هذا الوطن عاقون له خانوا أصالتهم وحضارتهم وشعبهم ودماء الآلاف من الشهداء باعوه بحفنة من الدولارات لمغتصب يبكي عند باب المسجد؛ دموع تماسيح ويحمل في رقبته وزر شعب يُهجر ويُقتل ويُحرق بالفوسفور هم ليسوا عاقين فقط بل خانوا هذا الوطن الذي تربوا به.

أكلوا من خيراته ليتحولوا إلى مرتزقة مأجورين مرتهنين بكل معاني الكلمة وها هم يطعنون الوطن مرة أخرى بجلب العار لاسمه في ليبيا واسمه بل وكله منه براء.

قتلوا الياسمين غدراً وذبحوا الزيتون حقداً ومثّلوا بالقديسين حسداً وبغضاً حتى كرههم كل شجر وحجر ومدر في هذا الوطن الجريح، تركوا أرضهم وعرضهم تنهشه الضباع العثمانية ومن معهم من اللاوطنيين فعن أي قضية يدافعون وأي فكر أسود يحملون.

ولكن ….. انظروا ها هو الوطن يرفع رأسه مفتخراً متباهياً ومباهياً نجوم السماء وشموسها وأقمارها قائلاً: ها هم أبنائي حقاً وبناتي صدقاً ها هي هفرين الياسمين وآفيستا وبارين وآمارا، ها هو عكيد وسيبان ورشو وسلطان وغيرهم من يستحقون أن يحملوا اسمي وضعوني وساماً وقضية ووضعتهم أوسمة شرف.

مضى عام وأقبلَ عام نرجوا فيه السلام والأمان والنصر لوطن الياسمين والقمح والزيتون ولنبدأ معاً نروي كل يوم في سهراتنا وعلى الجبهات وفي مزارات الشهداء.