No Result
View All Result
المشاهدات 27
جيندا مستو –
باتت العقيدة الزرادشتية الأصيلة في عصرنا في حكم الموروث الإنساني؛ لأنّها لم تعد من الديانات التي تنخرط في الصراعات الدينية التي تعصف بمنطقتنا، وذلك لقلّة أتباع هذه الديانة التوحيدية الأولى بالمقارنة مع غيرها، فأتباعها موجودون بنسب قليلة في روجهلات كردستان والهند (مومباي).
ومن لا يعرف، فإنّ هذه الديانة قدّمت أول محاولة كونية (كوسمولوجية) تفسّر أصل الخلق والتكوين، وهي المصدر الرئيسي للأديان التوحيدية اللاحقة أو الديانات الإبراهيمية (اليهودية، المسيحية والإسلام) وهي بعكس ما هو شائع عقيدة خالية من عبادة النار، بل مكرّسة لعبادة الإله الواحد (آهورامزدا)، وهو إله النور والخير، أما المعابد الزرادشتية المسمّاة خطأً بـ(هياكل النار) فهي أماكن لممارسة الشعائر والطقوس، كما هو الحال في كنائس المسيحيين ومساجد المسلمين. لكنّ؛ الزرادشتية تقدّس النار كما تقدّس الضوء؛ لأنهما يرمزان للإله الواحد بمواجهة الإبليس (أهريمان)، والذي يسكن الظلام. وقد كانت المعابد الزرادشتية وكذلك بيوت أتباعها تُنار بمواقد كانت تسمّى (الشعلة الإلهية) لطرد الأرواح الشريرة التي تلزم الظلام، والغريب أنّ الناس حتى يومنا يخشون الظلام والأماكن المهجورة لاعتقادهم بوجود الجنّ والعفاريت، فيوقدون فانوساً أو شعلة حين يجتازون الأماكن المظلمة. لذا؛ كانت المعابد الزرادشتية تضمّ فتحات تسمح للنور بالتسرّب إلى داخلها.
كان الكهنة الميديون يناولون الرعيّة خمراً مقدّسة في نوروز
ـ قصة الخلق الآرية (الزرادشتية الكردية): خلق الله آهورامزدا الثور المقدّس (هوما ــ سوما) مع الكائن الأول جيومرد، أما الإبليس (أهريمان) فقد خلق الوحوش الضارية والقوارض والحشرات، لكنه يقوم فيما بعد بقتل ما خلقه الله، بيد أنّ دم هوما وبذرة جومرد كانا في الأرض، فانبثق منهما أول زوجين من البشر: (مشياك، مشيانك) ويقابلهما في قصة الخلق التوراتية (آدم وحواء).
وهكذا اكتسب دم هوما الخلود، لأنه يسري في عروق البشر على مرّ الزمن. وقد كان الكهنة الميديون (الموغان، المجوس) يناولون الرعيّة خمراً مقدّسة في أعياد النوروز والمهرجان، في ترميز لدم هوما المقتول بيد إبليس، وانتقل هذا الطقس الزرادشتي إلى الديانة المسيحية ــ باعتراف المنصفين من المؤرخين الغربيين ــ عبر الرومان، فأصبح الخمر رمزاً لدم المسيح يسوع الفادي.
وثمّة لوحات معروفة تصوّر الإله الشاب ميترا وهو يطعن الثور المقدّس هوما ليقدّم دمه قرباناً للناس خمرةً في المناسبات الدينية، وذلك بعد أن أصبحت عبادة ميترا الزرادشتية منافسة للمسيحية في الشرق الأوسط وحتى قلب أوروبا، ففي حمامات كاركلا الرومانية اكتشفت أقبية لعبادة ميترا، وفي مدخل متحف دمشق لوحة فسيفسائية وكذلك في داخله لوحة حجرية تمثلان ميترا وهوما، وفي متحف إستوكهولم جدارية مرمرية لهما.
اقتبس المسيحيون فكرة الصليب من الزرادشتيين
وقد اقتبس الميديون الزرادشتيون صورة الشمس المجنّحة من الميثولوجيا الهورية ــ الميتانية العائدة للألف الثاني قبل الميلاد، لكنهم أضافوا إليها معاني تطوّرية وذلك بتصوير الله (آهورامزدا) على شكل إنسان (زرادشت) منبثق من قرص الشمس المجنّحة، وهذا النقش ما زال موجوداً على أضرحة أباطرة ميديا في كعبة زرادشت (نقش رستم) في روجهلات كردستان (جنوب غرب إيران). وهي مصفوفة على شكل صليب، فاقتبس المسيحيون فكرة الصليب بعد ذلك بقرون ليزيّنوا به أضرحتهم وكنائسهم ويجعلوه رمزاً لفداء يسوع.
ـ الموطن الأصلي لزرادشت: يتحدّث الكتاب المقدّس للزرادشتيين (الآفيستا) أنّ زرادشت ولد في آريانا أي موطن الآريين في روجهلات كردستان، وهي بلاد الإمبراطورية الميدية، ثمّ هاجر إلى منطقة باكثيريا (إقليم بلخ في خراسان إيران)، فأقنع ملكها كشتاسب بالدخول في دينه، بيد أنّ زرادشت قُتل بعد فترة من إقامته لدى كشتاسب في إحدى المعارك مع القبائل الطورانية البدوية، فأحرق برقٌ جسده وصعدت روحه إلى السماء، وهي القصة نفسها لدى المسيحيين عن مقتل يسوع مع اختلافات طفيفة.
وقد كان رجال الدين الزرادشتيون حتى العصر الساساني الفارسي ينتمون إلى طبقة الأشراف الميديين الذين كان يُطلق عليهم اسم (ماغي) وجمعها موغان. ويؤكد المؤرّخ الكردي محمد أمين زكي أنّ كلمات (ماغي، ماهي، مار، مادي)، تحريف لكلمة (ميدي)، ومكتوب على ضريح الإمبراطور دارا الأكبر (أنا الماهي)، وما زال الأرمن يستخدمون كلمة (مار) مرادفاً للكرد، و(مار) تعود إلى ماريان الآرية التي تعني طبقة الأشراف الميتانيين الذين كانوا يقاتلون على عربات خفيفة، وتفوّقوا فيما بعد على أشقائهم الهوريين، وأسّسوا معاً الإمبراطورية الهورية ــ الميتانية في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد.
الزرادشتية شريعة ميدي وفارس التي لا تنسخ
ووصفت التوراة الديانة الزرادشتية بأنها (شريعة ميدي وفارس التي لا تنسخ)، وفي تدقيق لخريطة الشرق الأوسط لن تجد مدينة تحمل اسم النبي الميدي زرادشت إلا مدينة وحيدة جنوب غرب بحيرة أورميا في روجهلات كردستان، وهو المكان الذي حدّدته آفيستا ــ كما ذكرنا سابقاً ـ كموطن لزرادشت، ولهجة الكرد هناك ما زالت حتى يومنا من أنقى اللهجات الكردية وأقربها إلى لغة الكتاب المقدّس (آفيستا) التي دوّنت بها شريعة زرادشت. وكانت الزرادشتية من الديانات التوحيدية التي انتشرت في يوم من الأيام ولقرون مديدة من حدود الهند شرقاً إلى قلب أوروبا وصولاً إلى المحيط الأطلسي غرباً.
ــ بصمات الزرادشتية في الديانات التوحيدية الإبراهيمية:
ـ فكرة المخلّص المنتظر (المسيانية).
ـ فكرة حرية الإنسان وأنه مخيّر وبالتالي لا بدّ من الثواب والعقاب في يوم للحساب، والانتقال من الدنيا الفانية إلى الآخرة السرمدية.
ـ الصلوات الخمس والوضوء انتقلت إلى الإسلام.
ـ قصة المعراج إلى السماء وتلقّي أوامر الله انتقلت إلى الإسلام (قصة الإسراء والمعراج).
ـ فكرة راعي الشرّ (أهريمان) أخذتها الديانات التوحيدية الأخرى باسم (إبليس أو …).
ـ وكانت الزرادشتية أول ديانة قدّمت مفهوماً صافياً عن وحدانية الله.
No Result
View All Result