روديا عبدو
في كل بيت، هناك امرأة تُخفي خلف ابتسامتها قدرا كبيرا من التعب، وعالماً من المشاعر المختلطة، وقلقاً لا ينتهي. الأمومة ليست دائماً لحظةً شاعرية تُزينها الضحكات والورود، بل هي أيضاً سهرٌ، وخوفٌ، وتضحيةٌ، وانهيارات صامتة لا يراها أحد. فهل فكّرنا يوماً كم من أم تبكي بصمتٍ خلف الباب، ثم تمسح دموعها وتخرج لتُعدّ الطعام؟ كم من أم تشعر بالذنب لأنها لم تكن كما أرادت، رغم أنها أعطت كل ما لديها؟
الأمومة تبدأ حين تبدأ حياة جديدة في رحمها، لكنها لا تنتهي أبداً. فالطفل يكبر، لكن القلق لا يشيخ. تسهر حين يمرض، وتتألم إن تأذى، وتراقب ملامحه حين ينام كأنها تحفظ ملامحه للغد الذي لا تضمنه.
ورغم كل هذا، لا تُحتفى الأم كما يجب. يُنتظر منها أن تبتسم وتكون قويةً دائماً، أن تُربّي، وتُنظف، وتعمل، وتُحب، وتتحمل، دون أن تتذمّر. وإن تعبت، يُقال لها: هذا قدرك. وإن صرخت؟ يُقال لها: لا ترفعي صوتك. وإن بكت؟ يُقال لها: تماسكِي، أنتِ أم.
وراء كل أم صورة مثالية يفرضها المجتمع، لكنها ليست حقيقية. الصورة التي لا تسمح لها بالاعتراف أنها تتعب، أو تشتاق لحياتها القديمة، أو تشعر أحياناً بالوحدة وسط العائلة التي تحبّها. لماذا نخاف أن نُصدّق أن الأم إنسانة؟ لها حدود، وأحلام مؤجلة، واحتياجات صامتة.
تجلس الأم أحياناً في الليل، تُطالع صور أولادها، وتفكر: هل كنتُ عادلة؟ هل كنتُ حنونة بما يكفي؟ يؤنبها الضمير على كل لحظة صرخت فيها، وعلى كل مرة لم تنتبه لتفصيل صغير في حياة طفلها. لا لأنها مُقصّرة، بل لأنها تُحب حد الألم.
وهناك أمهات يُربين أطفالهنّ وحدهن، في غياب شريك أو دعم أو تقدير. يُصبحن الجدار والظلّ والسقف والحضن، ولا يسمع أحد أنين قلوبهنّ، ولا يلتفت أحد لتعبهن. الأم الوحيدة التي لا تنام، لأن الخوف ينام على وسادتها كل ليلة.
ورغم كل هذا، تبتسم. تُعد الفطور، وتُصلح الثياب، وتُساعد في الواجبات، وتُخبّئ انكساراتها تحت عطرٍ خفيفٍ وابتسامةٍ دافئة. هي لا تريد الشكر، بل فقط أن يُرى هذا التعب. أن يُقال لها: أنتِ تفعلين الكثير، ونحن نراكِ.
وفي الختام: الأمومة ليست ضعفاً ولا بطولة، بل رحلة. رحلة تُمزّق وتُرمّم، تُنهك وتُعيد البناء. وكل أم تستحق أن ترتاح، أن تُحتضن، أن يُقال لها من القلب: شكراً لأنكِ حملتِ هذا العالم دون أن يسقط.
وراء كل ابتسامة أمّ، حكاية لا تُروى. لكنها تعني كل شيء، فامنحوها لحظة صمتٍ، ويداً تُربّت على كتفها، وكلمة تُعيد لها النور حين يتعب قلبها من هذا الحبّ المتعب كله.