دجوار أحمد آغا
منذ نشوء البشرية، المجتمعات والشعوب تعيش جنباً إلى جنب دون حروب أو صراعات. لكن؛ مع سيطرة فكرة الدولة والملكية وإنشاء الجيوش والقوات العسكرية لحماية هذه الدولة والملكية من الدول المجاورة، تحولت حياة المجتمعات والشعوب إلى جحيم عبر الحروب والصراعات التي نشبت بين هذه الدول من أجل بسط السيطرة ومدّ النفوذ، ودوماً كانت الشعوب هي التي تدفع الضريبة ويسقط الآلاف من أبنائها في أتون هذه الحروب العبثية.
ومن أجل شحذ الهمم وخلق نوع من التكاتف الداخلي ورفع للمعنويات، كانت هذه السلطات تقوم بالترويج لفكرة الكراهية وتشويه الطرف الآخر، وإلصاق كل شيء غير أخلاقي وسيء به والحضّ على مواجهته والانتصار عليه باعتباره الشر بينما الطرف الآخر هو الخير، وهكذا كان يتعامل الطرفان فيقومان بالدعاية المغرضة وتشويه سمعة بعضهما. هذا الخطاب المشحون بالتحريض على الحقد والكراهية هو موضوع مقالنا اليوم في الذكرى السنوية لليوم الدولي لمناهضة خطاب الكراهية والذي يصادف 18 حزيران من كل عام.
تعريف خطاب الكراهية
خطاب الكراهية، هو استهداف أي شخص أو مجموعة من الأشخاص بسبب لون البشرة، أو العرق، أو الدين والمذهب الطائفي، أو الجنس، بنوع من أنواع التواصل سواء مباشر، أو بسلوك ما، أو بالنشر بمواقع مختلفة، ويعد خطاب كراهية. أي أن أي تحريض على العنف والتمييز أو حتى ظاهرة التنمّر التي انتشرت مؤخراً كثيراً بين المجتمعات، إنما هو يسيء إلى الأشخاص وهو يعدّ بالتالي نوعاً من التحريض ضد هذا الشخص أو ذاك، وبالتالي فهو يندرج تحت مسمى خطاب الكراهية، الذي يهدد السلم الأهلي في المجتمعات.
اليوم الدولي لمكافحة خطاب الكراهية 18 حزيران
وخلال الاجتماع الذي عقدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بتاريخ تموز 2021، أبدت خوفها وقلقها بشأن الانتشار المتسارع لخطاب الكراهية وتفشيه حول العالم وأقرّت الجمعية في ذلك الاجتماع، ضرورة تعزيز الحوار ونشر ثقافة التسامح والمحبة، من خلال حوار الأديان والثقافات في سعي منها للحد من انتشار هذه الظاهرة والوقوف في وجهها. كما أكّدت الجمعية العمومية بضرورة وأهمية مناهضة التمييز العنصري وخطاب الكراهية، وناشدت الدول والحكومات بتكثيف الجهود في مواجهة هذه الظاهرة الشاذة في المجتمعات. وعلى هذا الأساس واستناداً إلى خطة العمل والاستراتيجية، التي كانت الجمعية قد أطلقتها سابقاً بهذا الخصوص في 18 حزيران 2019 فقد أقرّت بالإجماع إعلان يوم 18 حزيران يوماً دولياً لمناهضة خطاب الكراهية، وتطالب الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني والأفراد بتنظيم فعاليات وأنشطة تعمل على تعزيز التعاون وتشرح خطورة خطاب الكراهية ودوره في تفكيك المجتمعات وتدميرها.
خطورة خطاب الكراهية
يتّسم خطاب الكراهية بخطورة كبيرة وهو مغاير تماماً لمسألة حرية التعبير، التي يتغنى فيها البعض لتبرير ما يقومون به، خطاب الكراهية يتم من خلال صياغة أسس وقواعد تضعها السلطات الفاشية من أجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، ولعل نموذج السلطات التركية ومسألة ابتزازها الدول الأوروبية في مسألة اللاجئين السوريين وتهديدها المستمر بفتح الحدود أمامهم للتوجه إلى الدول الأوروبية، خير مثال على ذلك.
وتكمن خطورة هذا الخطاب لأنه بالدرجة الأولى يأتي من السلطات الحاكمة التي تنسج خيوط نظريات المؤامرة، وحتى الأحكام المسبقة، وتوجهها إلى داخل مجتمعاتنا من أجل تفكيكها وبالتالي سهولة السيطرة عليها. بالإضافة إلى خلق حالة من الصراع وعدم الاستقرار داخل المجتمع ليكون دوماً واقع تحت سيطرتها.
دور وسائل الإعلام في نشره
التطور والتقدم الهائل الذي جرى في وسائل التواصل الرقمي خاصة في الربع الأول من القرن الحالي وظهور منصات (الفيسبوك، وتيك توك، وإنستغرام، ويوتيوب، وواتساب، وتيليجرام، وغيرها) فتح المجال على مصراعيه أمام أصحاب خطاب الكراهية والحض على القتل والعنف بشكل لا يوصف. يومياً نشاهد مئات المقاطع المصورة التي يبثها أصحاب هذا الفكر المتطرف والداعي إلى ممارسة العنف وصولاً إلى القتل بحق المخالفين لهم سواء في الرأي أو العرق أو الدين.
وقد انتشرت في سوريا المئات من مقاطع الفيديو التي أظهرت مدى الحقد والكراهية التي توجد لدى البعض تجاه البعض الآخر. فعلى سبيل المثال كانت هناك الكثير من مقاطع الفيديو التي تُظهر أعضاء المجموعات المتطرفة وهم في قرى الأخوة العلويين في الساحل السوري، ويسألون الشخص هل أنت علوي؟ ولدى إجابته بنعم يتم إطلاق الرصاص عليه مباشرة دون سؤال ولا جواب. وكلما كان المشهد بشعاً، كلما زاد عدد المشاهدين. ولعل من أصعب المشاهد تلك التي يطالب فيها القتلة إحدى الأمهات السوريات باستلام جثمان ولديها المقتولين أمامها.
كيفية نبذ خطاب الكراهية والحد من انتشاره
مكافحة خطاب الكراهية ومنعه واجب على كل شخص يقول عن نفسه بأنه إنسان بغض النظر عن مكانه وعمله ومسؤولياته، ولكن بالدرجة الأولى هو مسؤولية السلطات الحاكمة، والتي تكمن مهمتها في حماية المجتمع والأفراد على حد سواء. لكن؛ هذا لا يعني أن نترك هذه المسؤولية الأخلاقية بالدرجة الأولى على عاتق السلطات وحدها، بل لا بد لنا من أفراد ومنظمات مجتمع مدني، ومؤسسات حقوقية أن نقوم بالعديد من الإجراءات التي تساهم إلى حد كبير في نبذ خطاب الكراهية، والحد من انتشاره. من جملة هذه الإجراءات هناك مثلاً:
إعطاء دروس تدريبية لأفراد العائلة والأصدقاء بخصوص مخاطر خطاب الكراهية بحيث تؤدي إلى رفع وعيهم بشأن التعصب والتمييز.
توزيع منشورات عبر مواقع التواصل الرقمي وحتى الوسائل الإعلامية التقليدية كالتلفاز والإذاعة والصحف والمجلات تدعو إلى المحبة والتسامح والسلام والعيش المشترك.
الانتباه إلى الحالة المجتمعية من خلال عمل استبيانات حول خطاب الكراهية وأخذ عينات عشوائية من مختلف شرائح المجتمع وفئاته، وبالتالي معرفة الوضع العام للمجتمع والعمل وفق ذلك في محاربة خطاب الكراهية.
خطاب الكراهية ضد الشعب الكردي
ليس بالأمس ولا قبله، بل منذ زمن بعيد وخطاب الكراهية ضد الشعب الكردي يسير وبشكل منظم من جانب سلطات الدول القومية سواء تلك التي احتلت أقسام من كردستان (تركيا، إيران) أو تلك التي أُلحقت بها أجزاء من كردستان (العراق، سوريا). هذه الكراهية نابعة من أن هذه السلطات تعلم علم اليقين بأنها تحتل وطن الكرد وتستفيد من ثرواته الطبيعية، وبالتالي فهي تريد صهر هذا الشعب وانحلاله بحيث لا يبقى له وجود.
رأينا كيف أصدر الخميني فتوى باستباحة دم الكرد وبأنهم من “الشجرة الخبيثة” وقتلهم حلال بعد مجيئه إلى سدة الحكم في إيران 1979. كما أن السلطات التركية الفاشية وخلال عقود من الزمن كانوا ينكرون وجود الكرد ويقولون بأنهم “أتراك الجبال” وهذه قمة الكراهية والحقد الدفين. حتى أنهم قاموا بتغير أسماء المدن الكردية التاريخية ديرسم أصبحت تونجلي، الرها أضحت أورفا، ديلوك أصبحت غازي عنتاب، آمد أسموها ديار بكر، وهلم جرا. ولم يقل عداء وكراهية سلطات العراق وسوريا عن إيران وتركيا خاصة مع استلام حزب البعث العنصري الحكم في البلدين. رغم اختلافهم فكرياً وعقائدياً إلا أنهم كانوا متفقين بخصوص الشعب الكردي وضرورة إنهاء وجوده. مجازر الأنفال وحلبجة الشاهدة على جرائم بعث العراق، بينما الأجانب ومكتومو القيد والحزام العربي وحريق سينما عامودا وسجن الحسكة كلها شواهد على مدى كراهية وظلم وطغيان البعث السوري وحربه ضد الشعب الكردي.
وفي النهاية، نختتم بمقتطفات من البيان الذي أصدره مركز عدل لحقوق الإنسان في السادس من كانون الثاني 2025 والذي عبر عن القلق البالغ من خطاب الكراهية الموجه ضد الشعب الكردي وجاء فيه: “ففي حين أن الرئيس التركي حرَّض بشكل صريح على إبادة الكرد ودفنهم مع سلاحهم وإن كان كلامه موجَّه إلى قوات “قسد” فإن التحريض كان موجها إلى كامل الشعب الكردي في سوريا من خلال تعبئة المجتمع السوري وخاصة الموالون لفكرة الكراهية والتحريض تجاه الشعب الكردي في سوريا، وتلاه خطاب وزير خارجيته “هاكان فيدان” والذي لم يقلَّ عن خطاب رئيسه تحريضاً تجاه الشعب الكردي، ومن ثم خطاب الدكتور “كمال اللبواني” من خلال مطالبته بإعدام كل من يطالب بالنظام الفدرالي في سوريا واعتباره خائناً وضرورة محاكمته وإعدامه في إشارة واضحة إلى الشعب الكردي في سوريا، ومن ثم خطاب الإعلامي السوري جميل الحسن بالتحريض تجاه الشعب الكردي واتهامه قسد بتدمير ٤٠٠ قرية عربية بشكل مخالف للحقيقة والواقع وبهدف واضح وهو التحريض على العنف والكراهية تجاه الشعب الكردي في سوريا”.
“إننا في مركز عدل لحقوق الإنسان، وفي الوقت الذي نبدي قلقنا البالغ من خطاب الكراهية، والحض على العنف تجاه الشعب الكري في سوريا الذي ينتهجه بعض الدول والشخصيات الداعمة والمؤيدة للحكومة السورية الانتقالية، فإننا نجد أن هذا الخطاب والتحريض المقيت لا يخدم مستقبل سوريا، ولا يخدم السلم الأهلي والأمان المجتمعي وينذر بعواقب لا يحمد عقباها، وخاصة في مجتمع متنوع مثل سوريا”.