قامشلو/ دعاء يوسف – شهد معرض روج أفا السنوي التاسع للفن التشكيلي حضوراً لافتاً ومتميزاً للفنانات التشكيليات، حيث جسدت مشاركتهن عمق التجربة الفنية النسائية، وطرحن بلوحاتهن قضايا إنسانية، اجتماعية ووطنية، تنبض بالمشاعر وتعكس رؤية فنية ناضجة تتجاوز الأطر التقليدية، هذا وقد عبرت المشاركات أن المرأة في معرض هذا العام خرجت من مجرد مشاركة ثانوية إلى فنانة بارزة بريشة قوية.
منذ انطلاق فعاليات معرض روج آفا السنوي التاسع للفن التشكيلي المقام في مركز محمد شيخو للثقافة والفن في مدينة قامشلو، تحت شعار “بألوان روج آفا ترسم ملامح هويتنا”، برزت أعمال عدد من التشكيليات اللواتي قدّمن رؤى جمالية جديدة توازن بين الجرأة في التعبير والرمزية العميقة، وتنوّعت مشاركتهن بين الأساليب الواقعية والتجريدية والسريالية؛ ما أضفى على المعرض تنوعاً بصرياً وثقافياً ثرياً، وقد شاركت في المعرض 33 فنانة تشكيلية من مختلف المناطق.
صرخة فنية وهوية مقاومة
وإحدى الفنانات المشاركات، أثارت تفاعل الجمهور والنقاد بلوحتها المعنونة بـ “SOS”، والتي تعبر عن معاناة جماعية مغلّفة بالصمت، وتستحضر نداءً إنسانياً صريحاً وسط القمع والاضطهاد، جاءت اللوحة كتعبير عن الألم والنجاة في آنٍ واحد، بأسلوب بصري قوي وخامات متقنة.
ومن اللوحات الفنية التشكيلية لوحة تُجسّد شخصية “ميدوسا”، بطريقة نحتية ثلاثية الأبعاد، مثبتة على خلفية من الخشب الطبيعي، فيخلق تبايناً مثيراً بين المظهر العضوي للخشب والملمس الغامض الداكن للوجه والأفاعي، وهذه الشخصية تمثل رمزية مزدوجة بين الجمال المرعب والأنوثة القاتلة.
وقد تم استخدام مواد تبدو وكأنها مزيج من المعدن أو الراتنج لتشكيل الرأس والأفاعي، مما يمنح القطعة صلابة وواقعية، ومظهر الأفاعي وتفاصيلها الدقيقة (العيون، الحراشف، الحركات المتداخلة) الأمر الذي يعكس دقة فنية كبيرة، وإن الوجه الهادئ يحمل نظرة ثاقبة، توحي بالقوة والسيطرة، والحزن.
وقد عكس هذا العمل الفني توليفة بين الأسطورة، والجمال، والقوة البصرية. وليس مجرد تمثيل لميدوسا بل تأويل فني يُثير الأسئلة حول طبيعة القوة الأنثوية، والتحول، والنظرة المجتمعية للأسطورة. يمكن اعتباره قطعة فنية معاصرة تعبّر عن الصراع بين الجمال والخوف، الضحية والجلاد، والرؤية والتحول.
فيما تغنت العديد من اللوحات ببساطتها لتحاكي وجوه نساء في ريعان شبابها، أو تجاعيد امرأة تجاوزت الستين، وكان للوحات النسوية جانب من المقاومة والحروب، في بيان الجمال والطبيعة والحرب وآلامها التي مثلتها الفنانة التشكيلية “آية إبراهيم” في لوحة جندي يحمل رفيقه المصاب على ظهره والخلفية يسودها الدمار، ومن اللوحات البسيطة التي جمعت الحزن والألم لوحة مجموعة نساء يتكاتفن في وجه ظلم.
وقد طغى على المعرض الطابع النسوي بلوحاته كافة، لم تكتفِ اللوحات النسوية بالتركيز على الجمال أو العاطفة، بل تجاوزت ذلك إلى مستويات فكرية ونقدية، حيث استخدمت الفنانات الريشة أداة لمواجهة التهميش وكسر القيود المفروضة اجتماعياً وثقافياً.
تناولت بعض الأعمال الجسد الأنثوي ليس من منظور جمالي فقط، بل رمز سياسي وثقافي. فقد قدّمت بعض الفنانات لوحات جسّدت المرأة المكبّلة، والمرأة المتحدّية، والمرأة النازفة، وكل هذه المواضيع عُرضت بأساليب تعبيرية تستخدم اللون، والتكوين، والتشويه الرمزي للجسد كوسائل لقول ما لا يُقال بالكلمات.
قيمة المرأة الفنية في المعرض
ما ميّز هذا الحضور النسوي في المعرض، علاقته وتشابكه بالقضايا الوطنية والإنسانية. فالفنانات لم يتحدثن عن “المرأة” فقط، بل عن الوطن والهوية والحرية من موقع نسوي واعٍ، يرفض العزلة ويشارك في رسم ملامح الوعي الجمعي.
هذا وقد بينت “سوزان سيراج العباس“، أن المشاركات أثبتن في المهرجان أن الفنّ النسّوي ليس تياراً نخبوياً أو هامشياً، بل هو حركة فكرية وفنية تمتلك أدواتها ورؤيتها، تقدم باللوحة مرافعة مفتوحة عن العدالة والحق والتعبير.
وقد قيمت سوزان لوحات المرأة لهذا العام بأنها لم تعد ترفاً جمالياً، بل مساحة للمقاومة والبوح وكشف المسكوت عنه: “من خلال تلك الريشات، خرجت صرخات نساء كثيرات لا يُسمع صوتهن في الواقع، فصار الفن لسان حالهن، وفضاءهن الحر”.
فيما تابعت: “الفن هو صوت من لا صوت لهم، وفي مشاركتي سعيتُ إلى إيصال صرخة جماعية باسم الإنسانية، خاصة في ظل ما يشهده العالم من أزمات”.
وتناولت لوحة سوزان، امرأة تحمل جرة فخار في أطراف أصابعها معبرة عن قوة المرأة ونضالها بنظرة ثابتة تسلط الضوء على جمال المرأة وقوتها وعنفوانها، وعن اختيارها هذه اللوحة قالت سوزان: “لقد أردت أن أظهر جمال المرأة ببساطتها، واخترت ألواناً زاهية لتبعث الأمل والراحة في نفس المتلقي”.
جوهر الفن نقله للعالم
ومن جانبها، عبرت الفنانة التشكيلية “روجين أحمد محمد” عن لوحتها الفنية: “اخترتُ رسم منظر طبيعي، لأنه يمثل لي لحظة صفاء وهروب من الضجيج المحيط بنا. الطبيعة ليست مجرد جمال بصري، بل هي أيضاً ملاذ نفسي، ووسيلة للتعبير عن مشاعر داخلية قد لا تُقال بالكلمات”.
وعن مشاركتها في المهرجان: “مشاركتي في معرض الفن التشكيلي التاسع كانت تجربة ملهمة؛ شعرت أن لوحتي تواصلت مع الناس على مستوى وجداني عميق، وهذا هو جوهر الفن لي، أن تلمس شيئاً صادقاً داخل المتلقي، ولو من خلال شجرة أو غروب”.
كما عبّر زوار المهرجان عن إعجابهم بالقيمة الفنية التي قدّمتها التشكيليات، مؤكدين على أن حضور المرأة لم يعد تكميلياً، بل بات محورياً في إثراء الحركة التشكيلية.
والجدير بالذكر، أن معرض روج آفا التاسع للفن التشكيلي أقيم بتاريخ 17 حزيران الجاري، بمشاركة سبعين فناناً وفنانة من مختلف المناطق، ويُعد المعرض من أبرز الفعاليات السنوية الداعمة للفن البصري في المنطقة.