روناهي/ دير الزور ـ عُرفت الثقافة العربية بعاداتها وتقاليدها الأصيلة، ومن أبرزها “الفزعة”، تلك العادة الكريمة التي تُجسّد التكاتف والتضامن المجتمعي في مواجهة الشدائد، فالفزعة ليست مجرد مساعدة، بل تجسيدٌ لقيمٍ نبيلةٍ من الترابط الأسري والقبلي والجوار، حيث يتدافع الناس لمساعدة بعضهم البعض دون تردد أو انتظار مقابل، حيث تتعدد أشكالها، من بناء منزل إلى زراعة الأرض، ومن علاج مريض إلى مواساة متضرر.
تتغلغل جذور عادة الفزعة في عمق التاريخ، ففي الماضي القريب والبعيد، كانت الفزعة تُشكل ركيزةً أساسيةً للحياة الاجتماعية، خاصةً في المجتمعات الريفية حيث يعتمد الناس على بعضهم في كافة جوانب الحياة، ففي حالات الزواج أو الوفاة، أو حتى في مواجهة الكوارث الطبيعية، كانت الفزعة تُظهر قوتها وفعاليتها في التخفيف من وطأة الأزمات.
وفي الوقت الحاضر، وعلى الرغم من كل ما طرأ من تغييرات اجتماعية واقتصادية، لا تزال الفزعة تحتفظ بمكانتها الرفيعة في القلوب والعقول، خاصةً في الأوقات الصعبة.
معنى الفزعة
وفي حوار مع صحيفتنا “روناهي”، تحدث أحد أهالي ريف دير الزور “عبد الرحمن محمد”: “الفزعة هي استجابة جماعية سريعة لدعوة شخص أو مجموعة في حال حدوث أمر طارئ أو حاجة ماسة، وتكون الفزعة في الغالب بالصداقة، والمساعدة المالية، والحضور الجماعي، أو تقديم الخدمات”.
واستذكر أول مرة شارك فيها في الفزعة: “كنتُ صغيراً عندما شاركت في الفزعة حيث انهار منزل جيراننا بسبب عاصفة مطرية، ورأيت كل الناس في القرية يتدافعون للمساعدة، الرجال يحملون الحجارة والخشب، شعرت حينها بمشاعر الانتماء والوحدة رغم مساعدتي البسيطة”.
واختتم المواطن ” عبد الرحمن محمد”: “أتمنى أن تستمر هذه العادة، فالفزعة جوهر من هويتنا، وقد لا يستوعب الجيل الجديد معنى هذه العادة كما نفهمها نحن”.
التغيرات الملحوظة في عادة الفزعة بين الماضي والحاضر
وفي السياق ذاته، أوضح المواطن “محمد العبود”، هناك تغيرات ملحوظة في الماضي، حيث كانت تُمارس الفزعة بشكل تلقائي وبشكل واسع، أما الآن فقد أصبحت أكثر تنظيماً، مع وجود مبادرات خيرية وجمعيات تعمل على تنظيم حملات لمساعدة المحتاجين.
وأشار، أن الفزعة في دير الزور لم تقتصر على نطاق محلي ضيق، بل امتدت إلى بقية المحافظات السورية
واستذكر الفزعة، التي قام بها أهالي دير الزور عندما ضرب الزلزال شمال سوريا في شباط 2023، حيث أظهر أهالي دير الزور، بمبادرةٍ فرديةٍ وجماعيةٍ، تضامناً كبيراً مع المتضررين، حيثُ قاموا بحملةٍ واسعةٍ لجمع المساعدات العينية، بما في ذلك الفرش والملابس، ونقلها إلى المناطق المنكوبة.
واختتم المواطن “محمد العبود” حديثه: “هذه الفزعة، التي تجاوزت الحدود الجغرافية، هي خير دليل على عمق الروابط الإنسانية بين أبناء الوطن الواحد، وتجسيد حي لقيمٍ ساميةٍ من التعاون والتكافل الاجتماعي”.