د. فاطمة مصطفى عبد الرحمن
تُعدُّ ملوحة التربة من أبرز التحديات التي تواجه الزراعة في العديد من مناطق العالم، خاصةً في المناطق الجافة وشبه الجافة، وتؤدي هذه الظاهرة إلى تدهور إنتاجية الأراضي الزراعية وفقدان خصوبتها. في هذا السياق، برز نبات الساليكورنيا (Salicornia) كحلٍّ بيئي واقتصادي واعد لاستصلاح الترب المالحة وتحسين جودتها.
نبات الساليكورنيا، هو جنس من النباتات العصارية ينتمي إلى الفصيلة القطيفية (Amaranthaceae)، ويُعرف أيضاً باسم “الهليون البحري” أو “نبات الزجاج”، بسبب استخدام رماده الغني بالصودا في صناعة الزجاج قديماً. يتميز بقدرته العالية على النمو في البيئات المالحة مثل الأراضي الساحلية والمستنقعات الملحية، ويُعد من النباتات الملحية (halophytes).
الخصائص البيئية والبيولوجية
تحمّل الملوحة العالية: ينمو الساليكورنيا في تربة تحتوي على تركيزات مرتفعة من الأملاح، ويمكن ريه بمياه مالحة أو حتى بمياه البحر.
نبات الساليكورنيا (Salicornia) يُعد من أكثر النباتات الملحية (halophytes) تحملاً للملوحة، ويتميز بقدرته على النمو في ظروف بيئية قاسية، بما في ذلك تربة ومياه ذات ملوحة مرتفعة جداً. يمكن أن ينمو باستخدام مياه البحر مباشرة، والتي تحتوي على ملوحة تقارب 35–40 dS/m أو حوالي 35,000 إلى 40,000 جزء في المليون من الأملاح الذائبة.
الساليكورنيا لا يزيل الملوحة تماماً من التربة، ولكنه يمتص جزءاً كبيراً من الأملاح ويخزنها في أنسجته، ما يساعد على تحسين التربة تدريجياً.
كلما زادت الملوحة فوق حد معيّن (أكثر من 40 dS/m)، قد ينخفض معدل النمو والإنتاجية، لكن النبات لا يموت مثل النباتات التقليدية.
جذور قوية ومنتشرة: تساعد في تفتيت التربة وتحسين بنية الأرض.
دورة حياة قصيرة: غالباً ما يُزرع كمحصولٍ موسمي، وينمو بسرعة.
إنتاج بذور زيتية: تحتوي بذوره على زيت نباتي يُستخدم للأغراض الغذائية والصناعية.
دور الساليكورنيا في استصلاح الترب المالحة
- امتصاص الأملاح: الساليكورنيا قادرة على امتصاص كميات كبيرة من الأملاح من التربة عبر جذورها، وتخزينها في أنسجتها الخضرية، مما يقلل من تركيز الملوحة في التربة مع مرور الوقت.
- تحسين بنية التربة: نظامه الجذري يساعد على تهوية التربة وتحفيز النشاط الميكروبي، ما يساهم في إعادة التوازن الحيوي للتربة المالحة.
- زيادة الغطاء النباتي: يغطي الساليكورنيا التربة المكشوفة، ما يقلل من التبخر السطحي ويحد من تراكم الأملاح على السطح، ويحمي التربة من التعرية.
- استخدامه كمحصول اقتصادي: يُزرع الساليكورنيا ليس فقط لأغراض بيئية، بل أيضاً لجدواه الاقتصادية، مما يشجع المزارعين على تبنيه ضمن استراتيجيات الاستصلاح.
الاستخدامات الاقتصادية
إنتاج الوقود الحيوي: تُستخرج زيوته لاستخدامها في إنتاج وقود الديزل الحيوي.
الغذاء: يُستخدم في بعض المطابخ كمكون في السلطات والمأكولات البحرية، خاصةً في أوروبا.
علف للحيوانات: أوراقه وبذوره تدخل في تركيب بعض أنواع الأعلاف.
المنتجات الصيدلانية والتجميلية: يحتوي على مضادات أكسدة طبيعية ومركبات مفيدة للبشرة.
التحديات
رغم فوائده العديدة، فإن زراعة الساليكورنيا تحتاج إلى إدارة جيدة، ومن أبرز التحديات: صعوبة حصاده يدوياً بسبب طبيعته النضرة، ومحدودية المعرفة الفنية لدى بعض المزارعين، وبحاجة إلى أبحاث مستمرة لتحسين أصنافه وتوسيع استخدامه.
تجارب ناجحة…
الإمارات العربية المتحدة: نجحت في زراعته باستخدام مياه البحر لإنتاج الوقود الحيوي.
مصر: أُجريت تجارب ناجحة على زراعته في شمال الدلتا لاستصلاح الأراضي المالحة.
السعودية: استُخدم في مشاريع زراعية ضمن رؤية المملكة للاستدامة الزراعية.
نبات الساليكورنيا يُعد نموذجاً حياً على التعايش بين البيئة والاقتصاد، فهو لا يسهم فقط في استصلاح الترب المالحة، بل يوفر أيضاً منتجات ذات قيمة مضافة. مع التوسع في الأبحاث والدعم الزراعي، يمكن أن يصبح الساليكورنيا ركيزة أساسية في برامج التنمية الزراعية المستدامة، خصوصاً في البيئات الهشة والمعرضة للتملح.