دلشاد مراد
لم يكن في حسبان مدينة “الرقة” في أول أيام العيد (في السادس من حزيران الجاري) أنها ستخسر الأستاذ “محمد العزو” أحد أبرز قاماتها الثقافية وحارسها التاريخي والحضاري، إلا أن “القدر فعل فعلته” كما يقال.
محمد العزو “أبو آثار” قامة ثقافية قولاً وفعلاً، موسوعة تاريخية وتراثية عن مسقط رأسه “الرقة”، صاحب مبدأ، طيب اللسان والروح، ويشهد على ذلك كل معارفه، وقد التقيته مع الأديبة الراحلة فوزية المرعي على هامش فعالية الأسبوع الثقافي الأول في الرقة في شباط 2021، وتناقشت معه وقتها حول كتاباته ومساهمته في مجلة شرمولا الأدبية، وقد رشحناه فيما بعد لعضوية الهيئة الاستشارية للمجلة.
لم يكن من العبث إطلاق “العزو” اسم “آثار” على ابنته الكبرى، وكان ذلك نتيجة عشقه للإرث التاريخي والأثري، ومدى ارتباطه الروحي والجسدي بأرض وإرث الآباء والأجداد، فكان يقضي جل وقته – منذ صغره – في المواقع الأثرية بالرقة، وقد درس الآثار أكاديمياً وعمل مع البعثات الأجنبية، وأصبح أميناً لمتحف الرقة الأثري، وصدر له كتاب بعنوان (حضارة الفرات الأوسط والبليخ) والذي يعد إضافة نوعية للمكتبة الأثرية والتاريخية. وبعد تحرير المدينة من مرتزقة داعش عمل مع الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا خبير آثار، فشغل لاحقاً منصب مدير المتحف الأثري في الرقة حتى وفاته.
كان “أبو آثار” واحداً من المثقفين القلائل الذين أكدوا التعايش المشترك بين المكونات والشعوب السورية، وتأييد حقوقهم، فيذكر في أحد منشوراته أن “سوريا بلد العرب والكرد والسريان والآشوريين وغيرهم”، وبالتالي لا بد أن يكون اسمها (الجمهورية السورية). كما بارك الكرد عيدهم القومي “النوروز”، مؤكداً أنها “عيد متجذر في ثقافة الشعب الكردي”.
الحدث الثاني الذي نبرزه هنا هو ترخيص جمعية ثقافية كُردية في الشام، والذي حمل اسم “جمعية عثمان صبري للثقافة والتراث” تخليداً للمناضل الكردي المعروف “أوصمان صبري” الذي أمضى جل حياته في العمل النضالي خدمةً لشعبه، وهو الذي افتتح أول مدرسة كردية في حي الكرد الدمشقي (في بيت علي بوظو؛ بزقاق سعدون آغا)، وفي الحي ذاته أسس نادي كردستان الثقافي عام 1936.
الجمعية التي أُشهرت بتاريخ 19 أيار المنصرم من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التابعة للإدارة السورية الانتقالية، يتضمن برنامجها “الحفاظ على التراث الثقافي وعلى دعم التعليم والثقافة والفن واللغة الكردية في سوريا، وإرساء التعايش المشترك وثقافة الحوار ودعم المبدعين”. وقد شكل مؤسسوها البالغ عددهم (50) عضواً مجلس إدارة من أبناء كرد الشام وعفرين والجزيرة، وانتخب الكاتب الصحفي حسن ظاظا رئيساً لمجلس الإدارة.
لابد هنا من التذكير أنها المرة الأولى التي يجري فيها ترخيص جمعية ثقافية كردية من الحكومات السورية منذ الاستقلال عام 1946، علماً أن مؤسسي هذه الجمعية رغبوا في بادئ الأمر أن يكون اسمها (جمعية كُرد الشام للثقافة والتراث) إلا أن الإدارة السورية الانتقالية رفضت هذه التسمية، فاضطر المؤسسون إلى تغيير الاسم لـ (جمعية عثمان صبري للثقافة والتراث). ورغم ذلك فإن حصولها على الترخيص هو أمر مرحب به، ويساهم في تعزيز الحوار والتعايش الكردي العربي في سوريا ودعم الثقافة الكردية، وكلنا أمل في أن تنجز هذه الجمعية أعمال وأنشطة لافتة في هذا المضمار.