هيفيدار خالد
حددت السلطة في دمشق ما أسمته “ضوابط جديدة على اللباس” في الشواطئ والمسابح العامة، في انتهاكٍ صارخ يعكس العقلية الذكورية البحتة التي تحكمها، وتدخّلها المباشر في شؤون المرأة والمجتمع على حد سواء. وقد أثار هذا الإجراء حالة من الغضب والاستياء الشديدين في أوساط النساء السوريات، كما قوبِل بردود فعل غاضبة ومنددة، لما ينطوي عليه من تعسف ومساس بالحقوق الشخصية.
وبحسب القرار المبني “على مقتضيات المصلحة العامة”، كما جاء في التصريح الرسمي، يُطلب من النساء ارتداء البوركيني أو “ملابس سباحة تغطي الجسم بشكلٍ أكبر”، مع ارتداء رداء فضفاض عند التنقل خارج مناطق السباحة. كما يُفرض على الرجال عدم الظهور مكشوفي الصدر خارج أماكن السباحة، كالمطاعم أو بهو الفنادق.
مقياس النجاح لدى السلطة الجديدة في دمشق يبدو أنه يمر عبر اضطهاد المرأة، وقمعها، وإقصائها، وبالتالي القضاء على دورها الريادي والفاعل في المجتمع الإنساني. وهي تسعى إلى إنكار وجودها وجوهرها من خلال فرض ضوابط وقواعد مجحفة على لباسها وحياتها وخصوصيتها، بل حتى على مشيها وأكلها وشربها، مروجة لهذه التشريعات تحت ذريعة “حماية النسيج الاجتماعي”، بينما تستهدف بذلك كيان المرأة وروحها. في هذه البلاد، كل شيء ممنوع على المرأة، وكل شيء مباح للرجل.
العقلية الذكورية المتحجرة، النابعة من نزعة رجعية وطائفية، لا يمكن لها أن تساهم في بناء سوريا ديمقراطية تكون المرأة في طليعة جهود إعادة إعمارها، فإقصاء المرأة بشكلٍ متواصل من الحياة العامة أمر يصعب على العقل استيعابه، ويكشف بوضوح حجم الظلم الذي تتعرض له المرأة السوريّة في ظل سياسات السلطة الحالية، كما يعيق سعيها لدرء هذا الظلم عنها، هذا الواقع يعكس مدى الجهل الذي يحيط بحيوات النساء، والتعتيم الذي يعانينه، والتدمير الممنهج لهويتهن الثقافية والاجتماعية.
القرارات الصادرة عن السلطة في دمشق تذكّرنا بمقولة الكاتب والروائي المصري نجيب محفوظ: “المسألة تتخلص في كلمة واحدة: إن من يملك القوة يملك كل شيء”. ويمكن القول في سوريا اليوم: إن من يحتكر السلطة يملك كل شيء، ولذلك يصدر قرارات غير مدروسة، لا تستند إلى أي أسس قانونية، وتتنافى مع البنية الاجتماعية السورية، من دون الاعتراف بإرادة المرأة التي تُعد ركناً أساسياً في المجتمع وعنصراً فاعلاً في تطويره وتقدمه
السلطة في دمشق تفتقر إلى الوسائل الفعالة لإدامة نفسها في هذا الظرف الصعب، حيث التحديات كبيرة، والمشكلات بحجم الجبال تنتظرها، وهي غير جاهزة لمواجهتها. وتبقى المرأة الضحية، ما لم تستطِع تنظيم صفوفها وتصعيد نضالها في جميع الساحات والميدان، وترفع صوتها عالياً في وجه سياسات السلطة الجديدة. نعم، هذه سوريا، حيث لا مكان لاستعباد المرأة، بل للنضال من أجل تحررها والنهوض بواقعها المأساوي، أما “الضوابط الجديدة على اللباس”، فهي محاولة لطمس هوية سوريا الحقيقية، ويجب الوقوف في وجهها.