الطبقة/ عبد المجيد بدر ـ بعد سنوات من اضطرار الطلبة للسفر خارج مناطقهم لتقديم الامتحانات، توصّلت هيئة التربية في الإدارة الذاتية، ووزارة التربية السورية إلى اتفاق تاريخي يُمكّن آلاف الطلبة من تقديم الشهادتين الإعدادية والثانوية في ست مدن داخلية، أبرزها الطبقة.
يشمل الاتفاق تأجيل الامتحانات أسبوعًا وافتتاح مراكز تسجيل مؤقتة، ويعدّ خطوة لاحتواء التلاميذ ومواجهة التسرب، بعيدًا عن التجاذبات السياسية.
كنّا على وشك الانسحاب
في أحد أحياء الطبقة، كانت تجلس الطالبة آمنة العبد الله (17 عامًا) وهي تراجع دروس الفيزياء استعدادًا لامتحان الثانوية العامة (البكالوريا)، فمنذ أيام فقط، كانت فكرة التقديم للامتحان الرسمي لها تعني السفر إلى مدينة أخرى، وتحمل مشقة الطريق، وتكاليف الإقامة، والمخاطر الأمنية، لكن ما إن أُعلن عن الاتفاق التربوي الجديد، حتى تبدّلت ملامح مستقبلها تمامًا.
وفي السياق، قالت “آمنة العبد الله” خلال لقاء مع صحيفتنا “روناهي”: “الخبر جاء مثل الحلم، لما تأكدنا إنو الامتحان رح يصير بالطبقة، شعرت إنو همّ كبير انشال من قلبي، الطريق كان مش بس مكلف، كان مرعب كمان، أهلي كانوا رافضين يسافروا معي، وما كنت قادرة روح لحالي”.
“اتفاق تربوي نوعي”
وبتاريخ الخامس والسادس من حزيران 2025، توصّلت هيئة التربية والتعليم في إقليم شمال وشرق سوريا ووزارة التربية السورية إلى اتفاق رسمي يتضمن تأجيل امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية العامة من 14 حزيران إلى 21 حزيران، وإجراء الامتحانات في ست مدن رئيسية داخل مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، وهي “الطبقة، الرقة، دير الزور، الحسكة، قامشلو، وكوباني (صرين)”.
وتضمن الاتفاق أيضاً “تشكيل لجان تربوية مشتركة للإشراف على سير العملية الامتحانية، افتتاح مراكز تسجيل مؤقتة داخل هذه المدن، تبدأ من 11 حتى 17 حزيران، وتسهيل إجراءات نقل تسجيل الطلبة المسجلين خارج مناطقهم، ضمان نزاهة الامتحانات وفق المعايير التربوية المتفق عليها”.
وفي السياق نفسه، أعلنت وزارة التربية والتعليم السورية، يوم الاثنين التاسع من حزيران 2025، عن إصدار البرامج الامتحانية الجديدة للعام الدراسي الجاري، بما يشمل شهادتي التعليم الأساسي والثانوية العامة بفروعها العلمي، الأدبي، والشرعي.
ووفق بيان الوزارة، تبدأ امتحانات الشهادة الثانوية العامة بفرعيها العلمي والأدبي، والثانوية الشرعية، في الثاني عشر من تموز المقبل من العام 2025، على أن تنتهي امتحانات الفرع الأدبي في الحادي والثلاثين من الشهر ذاته، بينما تنتهي امتحانات الفرع العلمي في الثالث من آب، والثانوية الشرعية في الرابع من آب.
كما حددت الوزارة موعد بدء امتحانات شهادتي التعليم الأساسي والإعدادية الشرعية في الحادي والعشرين من حزيران من العام الجاري، لتستمر امتحانات التعليم الأساسي حتى التاسع من تموز، وامتحانات الإعدادية الشرعية حتى العاشر من الشهر نفسه.
“الطريق لم يعد يعيق مستقبلنا”
أما “عبد الرحمن عبد العزيز“، من طلاب الشهادة الثانوية الفرع الأدبي في مدينة الطبقة، “أنا من قرية قريبة من الطبقة، كنت رح أضطر سافر لمعدان التي تبعد 135 كم عن مدينتي، وما في مواصلات، ولا في مكان أنام فيه،
الاتفاق عطانا أمل كبير، وحسيت إنو التعليم صار إلنا فعلاً”.
والشاب “عدي عرب“، من طلاب الصف الثالث الثانوي العلمي، روى جانبًا من معاناة هذا العام بقوله: “من أجل التقدّم للامتحان خارج الطبقة، كنّا نضطر لتأمين تكاليف النقل والمبيت، وهو عبء يفوق قدرة معظم العائلات، حيث بلغت أجرة الطريق هذا العام من الطبقة إلى ريف الرقة الشرقي، وتحديدًا
إلى معدان التي تبعد نحو 135 كيلومترًا، ما يزيد على 110 آلاف ليرة سورية، كان ذلك مرهقًا ماديًّا ونفسيًّا، خاصة مع بُعد المسافة والمخاطر”.
وتابع: “أما الآن، وبفضل الاتفاق الجديد، أصبح بإمكاننا التقدّم للامتحان في مدينة الرقة، التي لا تبعد سوى 25 كيلومترًا، وتكلفة الوصول إليها لا تتجاوز 20 ألف ليرة، إنه فرقٌ كبير، وشعور بالارتياح لا يوصف، لقد شعرنا أخيرًا أن هناك من يستمع لمعاناتنا، وأن التعليم بات أقرب إلينا من أي وقت مضى”.
ومنذ سنوات، عانى طلبة الطبقة ومناطق إقليم شمال وشرق سوريا من غياب مراكز امتحانية رسمية داخل مناطقهم، ما اضطرهم للذهاب إلى مناطق خارج إقليم شمال وشرق سوريا، وهو ما شكّل عائقاً نفسياً وأمنياً واجتماعياً ومادياً، خاصة للفتيات.
والتنسيق الجديد بين الطرفين لم يأتِ من فراغ، بل جاء استجابة لمطالب الأهالي، وتأكيدًا على ضرورة فصل العملية التربوية عن الخلافات السياسية، كما أنّ إجراء الامتحانات داخل المنطقة يسهم في تخفيف نسبة التسرب من المدارس، ويعزز شعور الطلبة بالانتماء للمؤسسة التعليمية.
وأضاف “عدي عرب” مختصراً المشهد بالقول: “قبل الاتفاق، الطريق كان يفصلنا عن مستقبلنا، والآن الطريق اختصر، وأحلامنا قربت”.
يشار، أنه لم يكن اتفاق الخامس والسادس من حزيران مجرد تفاهم إداري، بل محطة فارقة أعادت لطلبة إقليم شمال وشرق سوريا ثقتهم بحقهم في التعليم، دون مشقة الطريق، ولا مخاوف السفر، خطوة اختصرت المسافة بين الطالب ومركز الامتحان، لكنها أيضاً اختصرت المسافة بين القلق والأمان، وبين التهميش والاحتواء.
