روناهي/ الرقة ـ في ظل التطور التكنولوجي السريع وانتشار الأجهزة الذكية والمواقع الإلكترونية، أصبح الأطفال أكثر عرضة لمخاطر عدة تنعكس سلباً على صحتهم النفسية والجسدية والاجتماعية.
في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، تبرز هذه الظاهرة بشكل ملحوظ، ما استدعى جهداً توعوياً وتدريبياً من المسؤولين والمعنيين بحماية الطفل والتعليم، للحد من الأضرار المحتملة ولتعزيز الاستخدام الإيجابي لهذه التكنولوجيا.
المواقع الإلكترونية والأجهزة الرقمية.. سلاح ذو حدين
وتشكل المواقع الإلكترونية وأجهزة الهواتف الذكية اليوم جزءاً أساسياً من حياة الأطفال والمراهقين، إلا أن الاستخدام غير الصحيح يمكن أن يؤدي إلى آثار سلبية عديدة. يقول الخبراء، إن الإدمان على استخدام هذه الأجهزة قد يسبب مشاكل نفسية مثل العزلة الاجتماعية، والقلق، والاكتئاب، بالإضافة إلى مخاطر جسدية بسبب قلة الحركة وتأثيرات الأشعة الصادرة عنها.
وإضافة لذلك، تنتشر في الفضاء الإلكتروني مواقع غير مناسبة للأطفال، تحمل محتوى ضاراً ومحظوراً؛ ما يعرض الأطفال للاستغلال والعنف الفكري والجسدي.
وأكدت دراسات حديثة، إن الإدمان على مواقع التواصل الافتراضي؛ يهدد سلامة الطفل النفسية والعقلية، ويؤدي إلى تنشئة غير سليمة تشكل خطراً على مستقبلهم.
ومن هنا، تبدو الحاجة ماسة إلى حملات توعية مكثفة تستهدف الأهالي والمعلمين، تشرح لهم مخاطر الاستخدام السيء لهذه التكنولوجيا، وتحث على مراقبة أطفالهم وتوجيههم نحو الاستخدام الإيجابي والتعليمي.
دور التوعية والتدريب في حماية الطفل
وتتخذ مكاتب حماية الطفل في الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا خطوات عملية في هذا المجال، من خلال إطلاق حملات توعية مستمرة وتدريبات تهدف إلى نشر الوعي بين الأهالي والمعلمين حول خطورة الاستخدام السلبي للتكنولوجيا. حيث أكدت نائبة رئيسة المرأة ومسؤولة مكاتب حماية الطفل “سوسن الخلف“، في تصريح خاص لصحيفتنا “روناهي”، أن خطر استخدام التواصل الافتراضي آفة من آفات المجتمع الحالي، لما لها من تأثيرات سلبية على الأطفال.
وأضافت: “نحن مكاتب حماية الطفل من خلال التوعية والتدريب، وأيضاً من خلال دعاية الأهل قبل الأطفال، نعمل على توعية المجتمع حول مساوى مواقع التواصل الافتراضي، خاصة لأنها تسبب عزلة تامة للطفل وتأثيرات نفسية وجسدية، فضلاً عن المخاطر الاجتماعية الناتجة عن المواقع المحظورة وغير المناسبة للأطفال”.
واختتمت نائبة رئيسة المرأة ومسؤولة مكاتب حماية الطفل “سوسن الخلف”: “ندعو بدورنا الأهالي والأمهات كافة إلى الوقوف بوجه هذه الظاهرة، والعمل على تنشئة أطفالهم تنشئة سليمة وآمنة، بعيداً عن تأثيرات السوشال ميديا السلبية”.
التعليم واستخدام التكنولوجيا.. بين الإيجابيات والسلبيات
ومن جانبه، سلط الرئيسة المشترك للجنة التعليم في هيئة التربية والتعليم بمقاطعة الرقّة “إسماعيل أحمد“، الضوء على أهمية استخدام التكنولوجيا بشكل إيجابي داخل العملية التعليمية: “نحن في هيئة التربية والتعليم نوجه زملاءنا المعلمين وأولياء الأمور إلى الاستخدام الصحيح للجوال والإنترنت، وهما اختراعان عجيبان يمكن أن يحققوا إيجابيات جمة إذا تم توجيههما بشكل صحيح”.
وأشار، إلى أن “التواصل عبر الجوال يستخدم في مجموعات تغذية التلاميذ، وواجبات منزلية، ومشاريع صغيرة، مما يساهم في تحسين العملية التعليمية”.
لكنه حذر من أن الاستخدام السلبي للجوال قد يؤدي لضياع الطفل في بحر من المحتوى الضار والسلوكيات السلبية.
وأضاف أحمد: “إن بعض الأمهات يلجأن لإعطاء أطفالهن الجوال لإرضائهم أو لإبعادهم عن المطالب، مما يفاقم المشكلة، لأن الطفل قد يتأثر بالانفعالات والحركات السلبية عبر السوشال ميديا”.
آراء الأطفال حول الجوال
وخلال لقاءات عدة مع الأطفال، عبر الطفل “إسماعيل محمود” 11 سنة، عن حبه الأجهزة الجوالة، ولكنه أقر بمشاكل استخدامها:
“بحب الجوال فيه الألعاب بتسلي، بس بضيع وقت”.
أما “وسام محمد نور الهندي“، البالغ من العمر ست سنوات، فذكر ببساطة: “ماما بتعطيني الجوال حتى ألعب بالألعاب وأتفرج على الإنترنت”.
وتلك التصريحات تعكس مدى انتشار الأجهزة الرقمية بين الأطفال حتى في سن صغيرة، وما يرافق ذلك من خطر الإدمان وضياع الوقت.
التكنولوجيا وتأثيرها على الأطفال
وشهدت السنوات الأخيرة طفرة في استخدام الإنترنت والأجهزة الذكية في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، حيث دخلت التكنولوجيا إلى المنازل والمدارس بسرعة، مع إيجابيات مثل توفير مصادر تعليمية وترفيهية. إلا أن البنية التحتية الضعيفة، ونقص التوعية، وغياب الرقابة الأسرية، ساهمت في تعريض الأطفال لخطر الإفراط في استخدام هذه الأجهزة، ولقاء محتوى غير لائق.
وكما أن الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها المنطقة تفرض على الأهل أحياناً اللجوء إلى التكنولوجيا كوسيلة “لإشغال الأطفال” مما يزيد من المشكلة.
وتعمل الجهات المعنية، عبر التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الدولية، على تعزيز حملات التوعية، وتوفير بدائل صحية للأطفال مثل الأنشطة الرياضية والثقافية، للتقليل من الأضرار النفسية والاجتماعية الناجمة عن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا.
ويظل السؤال الأبرز: “كيف يمكن تحقيق التوازن بين الاستفادة من التكنولوجيا والاستمرار في حماية الطفولة وتنشئتها في بيئة صحية وآمنة؟”.
