زكي بدران
إلى أين تذهب سوريا؟ أين ترى سوريا مستقبلها؟ أسئلة مهمة لابد من طرحها. فبعد سقوط نظام البعث في سوريا وسيطرة هيئة تحرير الشام على دمشق واستبعادها لكل الأحزاب والمكونات السياسية والمؤسسات المنظمة وتشكليها للحكومة لوحدها، قالت بأنها ستعقد مؤتمراً وطنياً، إلا أنها فعلت ذلك لوحدها دون دعوة أي جهة أخرى، فقامت بصياغة دستور مؤقت لوحدها وشكّلت حكومة دون مشاركة الآخرين. باختصار؛ اتجهت نحو هيكلية مركزية متطرفة قائمة على الدين والعنصرية العربية، مدمرةً الديمقراطية بوعي لا يقل عن ذهنية حزب البعث، لقد أقصت كل الفئات المجتمعية التي كانت تناضل ضد نظام البعث وتسعى إلى تأسيس نظام ديمقراطي. كانوا يلقبونها بالثورة، إلا أنهم فعلوا كل ما بوسعهم لمنع تطور المحيط والبنية الثورية. أصدرت هيئة تحرير الشام بياناً أعلنت خلاله انتهاء الثورة وأنه وقت بناء الدولة. فيما حذرت جهات حساسة بعد هذه التطورات من سرقة الثورة. في الحقيقة؛ لقد قضت هيئة تحرير الشام على آمال الشعب السوري في إسقاط نظام البعث وبناء حكومة ثورية وإقامة نظام ديمقراطي. لقد تصرفوا كما لو أن أحداً آخراً لم يناضل أو يعمل ولم يدفع الأثمان.
على الرغم من وجود إدارة ذاتية ذات حكومة ديمقراطية تُدير ثلث الجغرافية السورية، إلى جانب مقاومة الدروز والشعوب السورية الأخرى، حيث دفعت الشعوب السورية أثماناً باهظة متأثرة بالحرب الداخلية السورية، إلا أن هيئة تحرير الشام تصرفت وكأن شيئاً في هذا لم يحدث وطالبت الجميع بقبوله، وتم استبعاد كل من لم يقبل ذلك، وفي هذا الصدد، تم انتقادها لسعيها لتأسيس نظام أكثر مركزية وتطرفاً من البعث، لكن هيئة تحرير الشام استمرت في فعل ما تعرفه. من جهتهما؛ كانت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا قلقتين بشأن الوضع الراهن، وهكذا كان الوضع بالنسبة للدول العربية أيضاً. فتعاملت بحذر شديد مع هيئة تحرير الشام، لذلك لم يرفعوا الحظر ولم يُخرجوا اسم هيئة تحرير الشام من قائمة المنظمات الإرهابية، إلا أنهم لم يجدوا في دمشق إدارة أخرى للتفاوض معها. بدا وكأن لا بديل آخر. وفي هذا الصدد، حاولوا العمل على هيئة تحرير الشام وإيصالها إلى نقطة ما. ومن أجل ذلك، أجرت جميع الدول الاتصالات والمحادثات مع هيئة تحرير الشام. أمريكا من جهتها لم توضح سياساتها تجاه سوريا بشكلٍ كامل. بتعبير أدق؛ لم يفصحوا عن استعداداتهم ومفاوضاتهم للعلن. الموقف الإسرائيلي كان واضحاً. كانت تعتبر هيئة تحرير الشام مرتزقة إرهابيين وتقصف نقاطهم، وكانت ترسل قواتها العسكرية إلى سوريا. قالت إسرائيل إنها ستنشئ منطقة آمنة خاصة بها وستحافظ على ديمومة سيادتها على الأراضي السورية. وتتابع أمريكا التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط من أجل ضمان أمن إسرائيل، لكن تركيا دعمت هيئة تحرير الشام بشكل كامل وسوقتها خارجياً. واصلت جهودها لبناء جيش وتعزيز سيطرتها على الأراضي السورية، وفي هذا الخصوص، واجهت إسرائيل. خاصة وإن تركيا كانت تريد هزيمة الكرد والإدارة الذاتية. من جهة كانت تشن الهجمات برفقة مرتزقتها، ومن جهة أخرى كانت تريد لهيئة تحرير الشام معاونتها في هذه الهجمات، وفي الوقت ذاته كانت تفاوض الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء على قوات سوريا الديمقراطية. لقد شكّل تسلّم ترامب للسلطة أملاً كبيراً لأردوغان. كان يظن بأنه سيتوصل إلى اتفاق معه وسيحصل على دعمه ضد القضية الكردية.
تسارعت التطورات بشأن سوريا فجأة بعد زيارة ترامب إلى المملكة العربية السعودية. تم اتخاذ خطوات لم يكن يتوقعها أحد. اجتمع ترامب مع الشرع وقال بأنه سيرفع العقوبات عن سوريا، وبعد فترة، أعلنت الدول الأوروبية بأنها سترفع العقوبات أيضاً. قال وزير الخارجية الأمريكي في بيانه أمام هيئة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ: “إذا لم ندعم هيئة تحرير الشام، لن تصمد طويلاً وسيزداد الإرهاب في المنطقة”. حاول الوزير إقناع الكونغرس لرفع العقوبات. تشير كل هذه التطورات بأن أحمد الشرع وعد بأن لا يعارض ترامب والقوى الأوروبية وسيتصرف وفقاً لها. لا تريد القوى الغربية عودة التأثير الإيراني والروسي على سوريا مرة أخرى. ستتصرف سوريا حسب الاتفاق الإبراهيمي الموقع بين العرب وإسرائيل. ومن جهته أعلن المبعوث الخاص لترامب لوسائل الاعلام؛ “يمكن إشراك سوريا في الاتفاقيات الإبراهيمية”، وقد وافقت سلطة دمشق على العمل وفقاً للخطوط التي رسمتها الولايات المتحدة الأمريكية في هيكلية الشرق الأوسط الجديد القائم على ضمان أمن إسرائيل. بكلمة أخرى، ستُدار السياسة السورية الآن وفق الولايات المتحدة وإسرائيل.
تبذل تركيا جهوداً كبيرة في الآونة الأخيرة للتوصل الى اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء على قوات سوريا الديمقراطية. يبدو إن هناك تفاهماً على هذه المسألة، فقد شكلت تركيا وأمريكا وسوريا فيما بينهم مجموعة عمل ثلاثية. يبدو إنهم اتفقوا على تسليم مسؤولية محاربة داعش والسجون التي تُحتجز فيها مرتزقة داعش، لسلطة دمشق. يقولون للولايات المتحدة بأنه لم تعد هناك حاجة لقوات سوريا الديمقراطية وأنه لا داعي لمواصلة العلاقات معها. ما تقوله تركيا لم يعد دعاية، وهذا يؤثر على التطورات الميدانية. بدأ المبعوث الخاص لترامب بممارسة الضغط على مسؤولي قوات سوريا الديمقراطية لتسريع اندماجهم في الجيش واتخاذ الخطوات في هذا الخصوص. ولكن؛ الكرد ومناطق الإدارة الذاتية لا، ليس هناك قانون يعترف بحقوقهم. في هذا الصدد كانت التطورات متسارعة ومفاجئة. في الواقع؛ ما حدث ليس مثيراً للاهتمام، لا مشاكل للولايات المتحدة الأمريكية مع دمقرطة سوريا. إنما تلفت الانتباه الى مصالحها الخاصة. وبهذا الخصوص، يجب على الشعب السوري والقوى الديمقراطية أن يكونوا أكثر يقظة.
